الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

صناعة الطاقة النووية فى أفريقيا جنوب الصحراء

بقلم : محمود محمد المصرى – المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة:

إن المخاطر الرئيسية التى تهدد السلام العالمى ، بمثابة واقع سيعيشه شعوب الكرة الأرضية ، فى العقود القادمة ، فالكرة الأرضية تتغير معالمها و ملامحها بشكل مستمر سواء أكان هذا التغير يعترى الكائنات الحية أو عوامل الطبيعة من أمطار ، بحيرات ، أنهار ، موارد طبيعية إستخراجية “كالمعادن او النفط أو الغاز الطبيعى أو الفحم”.

إن التغيرات المناخية من المخاطر الرئيسية التى يتعرض لها كوكبنا بشراسة ، حيث أنها وثيقة الصلة بالصراعات و الحروب التى تصيب الأفراد و الجماعات و خاصة فى الدول النامية ، كما حال الصراعات الإثنية فى معظم بلدان القارة الإفريقية ، كذلك زيادة أطماع البلدان المتقدمة لجلب موارد وثروات الدول النامية إلى بلدانهم.

لقد أصبح العالم أكثر إحترارا مقارنة بعصور ما قبل الصناعة، و يرجع الإحتباس الحرارى للآنشطة البشرية. كما أن إطلاق الغازات المسببة للاحتباس الحرارى (زيادة إنتشار ثانى أكسيد الكربون) فى الغلاف الجوى سببا رئيسيا فى هذه الظاهرة.

يولد خطر الإحتباس الحرارى مشاكل أمنية كبيرة. فإن ارتفاع الحرارة بنسبة 0.75 من الدرجة المئوية يؤدى إلى نزوح ما بين 10 و 25 مليون إنسان فى إفريقيا نتيجة التصحر. سوف يزداد أعداد البشر الذين يعانون من ندرة المياه من 0.4 مليار الى 1.4 مليار نسمة.

و من المتوقع ان يؤدى ارتفاع مستوى البحار و المحيطات إلى اندثار أجزاء من اليابسة ، و إلى إنهيار عالمى فى إنتاج الغذاء. فقد كشفت دراسة نشرتها مجلة العلوم الأمريكية jornal science  أن نصف سكان العالم سيعانون من نقص الغذاء بحلول نهاية القرن نتيجة لتراجع إنتاج الغذاء .

وقد نرى تدهور البيئة و الصراع على مصادر الثورة الطبيعية أحد أسباب الحرب فى دارفور فى السودان.

     إن التغيرات المناخية هى التحدى الذى يواجه التنمية البشرية فى القرن الحادى العشرين ، و أن الفشل لمواجهه تحدى التغيرات المناخية قد يجعل من الصعوبة بمكان الحد من الفقر عالميا ، و ستعانى البلدان و غالبية الشعوب الفقيرة من التدهور البيئى من احتباس حرارى و التصحر و نقص المياة و الغذاء.

المحور الأول :أهداف صناعة الطاقة النووية فى أفريقيا جنوب الصحراء  

في مواجهة القلق المتزايد بشأن تغير المناخ الذي يسببه الإنسان ، هناك حاجة أساسية لإتجاه العالم نحو إمتلاك الطاقة النظيفة. نجد فى أفريقيا جنوب الصحراء ، أن هناك إحتياج لزيادة نسب استهلاك الطاقة لتحسين معدلات التنمية البشرية . ومن أحد أهم الطرق لمواجهة هذه التحديات المتمثلة في التخفيف من حدة فقر الطاقة وتقليل انبعاث غازات الاحتباس الحراري هو “صناعة الطاقة النووية”.

تواجه أفريقيا جنوب الصحراء ، عجزًا في البنى التحتية للطاقة إذ يتطلب ما يزيد عن 90 مليار دولار أمريكي سنويًا لتأسيسها.

تولد تقريبا بلدان إفريقيا جنوب الصحراء( 48 دولة )، نفس القدر من الطاقة التى تولدها إسبانيا ، على الرغم من أن عدد سكانها أكبر 18 مرة. واعتبارًا من عام 2012 ، كان لدى منطقة جنوب الصحراء الكبرى 48 وحدة توليد طاقة غير متصلة بالشبكة تبلغ 83 جيجا وات .

الغاية الرئيسية : الحصول على طاقة كهربائية نظيفة :

ويشير تقرير توقعات الطاقة في أفريقيا ، إلى أن حوالي 625 مليون شخص في أفريقيا لا يحصلون على الكهرباء ، في حين أن هناك ما يقدر بنحو 730 مليون أفريقي في القارة يستخدمون الوقود الأحفورى ( نفط و الغاز الطبيعى و الفحم ). علاوة على ذلك ، بلغ متوسط ​​استهلاك الفرد من الكهرباء السكنية 317 كيلو وات /  الساعة سنويا. وعلى الرغم من هذه الأرقام الضئيلة ، بين عامي 1990 و 2013 ، تم استثمار 45.6 مليار دولار فقط في قطاع الطاقة – أي نصف ما هو مطلوب سنويًا.  لذلك وجدت أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى نفسها في وضع يتوقع فيه أن يصل عدد سكانها الذي يتزايد بسرعة إلى 2.8 مليار نسمة بحلول عام 2060 ، فعلى أفريقيا جنوب الصحراء حلول طاقة مبتكرة قادرة على ضمان نمو مستدام في إمدادات الطاقة.

تحولت العديد من الاقتصادات الناشئة إلى الطاقة النووية لمواجهة العجز في الطاقة ، وهناك إمكانية هائلة لتوفير الطاقة النووية كطاقة نظيفة لمواجهة العجز الكبير في الطاقة في أفريقيا مع تقليل الانبعاثات الكربونية.

المحور الثانى : محطات الطاقة النووية فى أفريقيا جنوب الصحراء “جنوب أفريقيا نموذجا”

إن إفريقيا جنوب الصحراء فى حاجة متزايدة و بسرعة فائقة ، الى التركيز على الإهتمام بالطاقة النووية. و لذا نجد أن العقبة الرئيسية فى إفريقيا هى أزمة الطاقة المتجددة ، فقد أعلن البنك الدولى أن 25 دولة من بين 54 دولة قد وقعت فى أزمة طاقة.

و سوف تحتاج إفريقيا جنوب الصحراء إلى قدرة توليد طاقة تبلغ 1600 تيرا وات / الساعة و ذلك بحلول عام 2040 ، و هو ما يعادل أربعة أضعاف الكمية التى تم الحصول عليها فى عام 2010 ، فإذا كان الهدف هو تحقيق مستوى كهربائى بنسبة 70% إلى 80% ، فإن استخدام الطاقة النووية هو الحل الأمثل.

السوق العالمية للطاقة النووية

تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أكبر سوق للطاقة النووية فى العالم ، تليها فرنسا و اليابان و تتبعها روسيا و كوريا الجنوبية و ألمانيا ، وفقا للوكالة الدولية للطاقة الذرية.

خطط إنشاء محطات نووية فى أفريقيا جنوب الصحراء

نجد أن لدى روسيا و الصين و كوريا الجنوبية ، الأن اتفاقيات حكومية دولية حول الإستخدامات السلمية للطاقة النووية مع غانا و إثيوبيا وأوغندا والسودان وكينيا و نيجيريا و زامبيا. وذلك لبناء العديد من محطات الطاقة النووية ، لتوليد الطاقة الكهربائية النظيفة.

واقع الطاقة النووية فى جنوب أفريقيا

بدأ أول مفاعل للطاقة النووية التجارية فى جنوب أفريقيا فى عام 1984 ، حيث تمتلك جنوب أفريقيا مفاعلين نوويين يولدان 5% من طاقتها الكهربائية ، كما تعد هى الدولة الأفريقية الوحيدة التى تمتلك الطاقة النووية للأغراض السلمية.

شهد استهلاك الكهرباء في جنوب إفريقيا نمواً سريعاً منذ عام 1980 ، يبلغ إجمالي توليد الطاقة في “دول تجمع الطاقة الجنوب الأفريقي” (SAPP) ،حوالي 55 جيجا وات ، منها 80٪ فى دولة جنوب إفريقيا  ، و التى تخضع إلى حد كبير لسيطرة شركة إسكوم الحكومية.

في عام 2015 إجمالى ما تم إنتاجة من الطاقة فى جنوب أفريقيا حوالى 250 تيراوات ، و يقسم إلى : 229 تيراوات من الفحم ، و 12 تيراوات من النووي ، و 4 تيراوات من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ، و 4 تيراوات من الماء. في نفس العام 2015 استوردت جنوب إفريقيا 13 تيراوات وصدرت 15 تيراوات. كان الاستهلاك المحلى 198 تيراوات ، أو حوالي 3600 كيلو وات / الساعة للفرد.

لدى جنوب أفريقيا طاقة فائضة في الطاقة ، لذا لا تحتاج الدولة إلى بناء محطة للطاقة النووية لتلبية الطلب على الكهرباء لسنوات قادمة ، على الرغم من إغلاق بعض محطات الفحم القديمة.

المحور الثالث : تحديات صناعة الطاقة النووية و مستقبل التنمية فى أفريقيا جنوب الصحراء

على الرغم من إمكانات الطاقة النووية والإهتمام بها في أفريقيا جنوب الصحراء ، لا تزال هناك تحديات كبيرة لإعتماد التكنولوجيا في القارة. فإن التكاليف الرأسمالية المرتفعة ، وإنخفاض رأس المال البشري ، وضعف الجودة المؤسسية ، والمطلوب لفترات طويلة لتطوير أطر قانونية وتنظيمية قوية ، ومخاوف إنتشار الوقود النووي ، تعمل أيضاً كحواجز أمام إعتماد التكنولوجيا النووية في القارة. ولهذه الأسباب ، تمتلك جنوب أفريقيا فقط محطة طاقة نووية عاملة ، تبلغ طاقتها 1800 ميجاوات ، تتكون من وحدتين من مفاعلات الماء المضغوط. تخطط جنوب إفريقيا لتوسيع طاقتها النووية بـ 9600 ميجاوات وتهدف إلى زيادة حصة الكهرباء في البلاد من الطاقة النووية من 5٪ إلى 25٪ بحلول عام 2025.

التحديات كبيرة ، ولكن هناك سبب للتفاؤل. يمكن أن تساعد التقنيات النووية المتقدمة على تحسين جدوى تطوير الطاقة النووية التجارية في البلدان الأفريقية. من خلال أحجام أصغر للمفاعلات ، والسلامة البيئية ، يمكن أن تكون هذه التقنيات النووية الجديدة أسهل في التمويل والبناء والتشغيل.

وقد تؤدي المنافسة بين الموردين الرئيسيين – روسيا والصين وكوريا الجنوبية – إلى تسريع عملية النشر عن طريق خفض التكاليف وتوفير المزيد من الخدمات في نطاق المشروع. وقد تم التوقيع على عشرات من اتفاقيات التعاون النووي ، بدءا من البحث والتطوير وتنمية الموارد البشرية إلى مشاريع بناء المحطة النووية. سوف تستمر مثل هذه الاتفاقيات في التوسع والنمو من حيث القيمة.

بالنظر إلى الدور الرئيسي الذي تلعبه الطاقة في دفع عجلة التنمية البشرية ، ما هو الدور الذي يلعبه المجتمع التنموي في المجال النووي؟ أن بنوك التنمية الكبرى حظرت الاستثمار ، بل وفي كثير من الأحيان المحادثات حول الطاقة النووية. ولكن مع التخلص التدريجي من الاستثمار في الوقود الأحفوري ، ومع تزايد القلق بشأن تغير المناخ ، ينبغي عليهم التفكير في تخفيف هذه القيود.

والأهم من ذلك أن تنمية الطاقة النووية في البلدان الواقعة جنوب الصحراء تهيمن عليها الشركات الأجنبية في الوقت الحالي ، الأمر الذي قد لا يصب فى مصلحة البلدان التى تنوى بناء محطات الطاقة النووية ، على الرغم من أن دورها الإستثماري بالغ الأهمية. لذلك ، هناك حاجة ماسة إلى المجتمع الدولى في تسهيل هذه المحادثات الصعبة حول إمتلاك محطات للطاقة النووية و الإعتماد على رأس المال البشرى.

خاتمة :

نجد أن هناك إهتماما كبيرا بالتقدم نحو إمتلاك الطاقة النووية التجارية في البلدان الأفريقية جنوب الصحراء. لذا يجب أن تبقى المنظمات التنموية الأفريقية التي تركز على قضايا الطاقة على علم بالتقدم الذي تحققه الدول في مجال الطاقة النووية ، ويجب أن تنظر في إمتلاك أفريقيا التكنولوجيا النووية لإمكانية الوصول إلى الطاقة النظيفة.

حتى بالمقارنة مع الدول التى تملك الطاقة النووية ، فمن الواضح أنه لا توجد دولة فى جنوب الصحراء الأفريقية مستعدة لبناء أول محطة تجارية للطاقة النووية في السنوات الخمس المقبلة. ومع ذلك ، يتعين علينا إدراك أن هناك اهتماما كبيرا وطلبا كبيرا على الطاقة النووية عبر القارة الأفريقية ، وأن البائعين النوويين على دراية تامة بهذا الأمر.

كما يمكن أن تسهم الطاقة فى حل أزمات و صراعات داخل القارة الأفريقية مثل بناء السدود و التى تعد من الطاقات المتجددة ، و التى ينصح بإستخدامها للحصول على طاقة متجددة و نظيفة ، هذا فقط فى حالة عدم تعارض المصالح المائية لدول الجوار. مثل أزمة سد النهضة الإثيوبية و الذى يتم بنائه على النيل الأزرق ، فقد يعمل على الإضرار بالمصالح المصرية السودانية فى تقليص حصص المياه السنوية ولآسيما حصة مصر المائية ، فإذا كان هناك بدائل رخيصة الثمن و نظيفة و آمنه بنسبة كبيرة ، و لا تساعد على تدهور البيئة ، فإنشاء محطة للطاقة النووية قد يكون بديلا لإنتاج الطاقة الكهرومائية و بتوليد طاقة قد تفوق إمكانية توليد الطاقة من بناء السد.

إن الطاقة النووية لا تتعلق فقط بالتكلفة بل تتعلق أيضا بالقيمة . إن الطاقة النووية هى المصدر الوحيد الأكثر إستدامة للطاقة. فإن محطة الطاقة النووية تشبة منزلا تقوم ببنائه على رهن عقارى ثم تستفيد منه أجيال من أبناءك و أحفادك.

  • خاص – المركز الديمقراطي العربي
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى