مقالات

المجتمع المدني بين التنظير والممارسة

بقلم : محمد الهشامي – باحث في المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية،

جامعة الحسن الأول سطات / المغرب

  • المركز الديمقراطي العربي

 

لا شك أن متتبعي الخطاب الرسمي الذي يهتم بموضوع المجتمع المدني، هم فئة كبيرة وعريضة، تضم باحثين وأكاديميين وفاعلين سياسيين، خاصة ممن ينتمون لهذا النموذج التنموي من نسيج جمعوي وهيئات ومنظمات غير حكومية، وذلك راجع لأهمية الموضوع الذي شكل وسيلة ضغط وأداة قوية للمشاركة، نجحت عبره تجارب عديدة في ترسيخ تنمية قطاعية همت جميع المجالات، وكرست ديمقراطيتها، كما ساهمت في بناء ثقافة حقوقية قوية.

علاوة على الخطاب الذي اعتمدته التجارب الناجحة، والتي استطاعت من خلاله خلق مجتمع مدني قوي، له بيئة تتوفر فيها كل الشروط، فإن الخطاب الذي يَروج منذ دستور 2011 كمرحلة استثنائية/ انتقالية -وما قبل هذه المرحلة- هو خطاب يحمل أكثر من دلالة، وحمال لعدة أوجه، يستفرد بنشر تجربة خاصة، لمجتمع مدني (خاص)، ذو بيئة نوعية، تتحكم فيها سلطة المال، عوض الدور المنوط به (المجتمع المدني)، والذي يتمثل أساسا في المشاركة في تدبير الشأن العام والمحلي، والمساهمة في بناء مشروع تنموي مهيكل، والعمل في استقلالية تامة -كشرط وجوب لقيامه-، وفي الآن نفسه أن يكون موازيا لمؤسسات الدولة، مشكلا قوى تفرض رقابة عليها دون قطيعة أو انفصال عنها.

  إلا أننا نجد أن مسألة تبيئة مفهوم المجتمع المدني كمفهوم غربي، ومحاولة نقل تجارب النماذج المقارنة غير ممكنة، ولا يمكن تحققها، كما لا يمكن الحديث عن تجربة نوعية ناجحة، وذلك راجع بالأساس لعدة اعتبارات وعقبات تشوب استكمال هذا المشروع، لعل أبزها نذكر:

1 – أن بعض مكونات المجتمع المدني، خاصة النسيج  الجمعوي متحكم فيه بسلطة المال.

2 – بعض مكونات المجتمع المدني تتنافس على السلطة، شأنها شأن باقي الهيئات الحزبية السياسية.

3 – ركن الاستقلالية الذي يشكل أهم ركيزة لقيام مجتمع مدني قوي، لا يتحقق في أغلبية مكوناته، وهذا راجع بالأساس إلى التجاذب على مستوى الأفكار والصراعات الإيديولوجية.

4 – مجتمع مدني يعاني ضعفا في التكوين، ويفتقد لرؤية واضحة تحدد مسار عمله، وسببه الهوة المتسعة بين الخطاب والواقع.

إن الإشكالية المطروحة اليوم على أرض الواقع، لا تكمن في قلة النصوص، بل على كثرتها وزخمها، بغض النظر عن ما تحمله مقتضياتها التي تبقى من عقبات التنزيل السليم لنظرية المجتمع المدني كمشروع تنموي، لأن هذه النصوص سواء ما جاء به دستور 2011 أو القوانين التنظيمية التي تلته، تبقى غير مبلورة على مستوى الساحة، رغم أنها توظف على أنها خلفية ومرجعية للمواطنات والمواطنين، قصد ممارسة الأدوار الطلائعية للمجتمع المدني. بل -الإشكالية- تكمن حول تحديد نوع المجتمع المدني المراد تحقيقه، والذي يمكن النظر إليه كمولود جاء بعد مخاض عسير، فولد مشوها غير مكتمل النمو، تتجاذبه المصالح السياسية الضيقة، وتسيره الإيديولوجيات عبر جعله خلفيات تؤثث لها المشهد الانتخابي/ الحزبي.

إن طرح الإشكالية أعلاه، لا يحد من القول بأن الخطاب (التنموي/الديمقراطي) المراد تحقيقه عبر آلية الديمقراطية التشاركية للمجتمع المدني، قد استنفذ مراحله ولو- شكليا على مستوى النصوص- وما على الطرف الآخر(مكونات المجتمع المدني) إلا أن تمارس أدوارها، لنكون بعد هذا التقابل النصي/ الواقعي، أمام فلسفة العطاء مقابل الأخذ، فلسفة تضعنا إزاء فرضيتين مختلفتين، كل فرضية تنتج إشكالية معينة.

الفرضية الأولى (العطاء) وتتعلق بالدولة ودورها في توفير ترسانة من النصوص القانونية،-ما نص عليه الدستور صراحة وباقي النصوص التنظيمية-، والثانية (الأخذ)، تتعلق بمكونات المجتمع المدني الذي أصبح ملزما بأخذ/ وإعطاء في الوقت ذاته، أخد النصوص، وإعطاء نتائج لها، عبر ترجمتها على أرض الواقع. فما مدى تحققهما مادامت كلتا الفرضيتين تشوبهما شوائب فيما يتعلق بحمولة النص وصعوبة التنزيل على أرض الواقع؟

لا سبيل إلى الشك، في أن نجاح المجتمعات الأوروبية في خلق مناخ فكري، قد ساعدها وبشكل كبير في تشكل بيئة مكتملة الأسس، تمخض عنها مجتمع مدني ذو تركيبة قوية، وذو بنية خاصة، أكسبته شرعية، ألزمت من خلالها كل الدول على التلاحم معه في إطار تبادل للأدوار، والمراقبة والحماية في نفس الوقت، فساهم من خلال هذا التبادل إلى بناء مكوناتها والفواعل الرئيسية بها، بما فيهم المجتمع المدني إلى جانب القطاعين العام والخاص.

وعموما فإن ما يتطلبه واقع الساحة الوطنية بالمغرب اليوم، وفي حاجة ماسة إليه، يكمن في ضرورة استحضار رؤية إستراتيجية واضحة حول المجتمع المدني، وكذا انتقاله من التنظير السياسي لتيمة المجتمع المدني، إلى الأجرأة العلمية الأكاديمية لمواكبة عجلة التنمية، والمشاركة في مسار وتوجهات الدولة، قصد الدفاع عن القضايا التي تشكل أولوية لها، وإعادة تجديد الرغبة في بناء مجتمع مدني قوي، يضم نخبا فكرية وعلمية وثقافية وفنية…وكوادر من كل الطبقات والأطياف، تعمل باستقلالية وتجرد تام من أية خلفية سياسية، فلا تنمية سياسية واقتصادية وثقافية وفنية دون مجتمع مدني قوي ومستقل. لأن السؤال ما ينفك مطروحا، قوامه: كيف نستطيع تحقيق تنمية شاملة، والمساهمة في الانتقال الديمقراطي بدون مجتمع مدني قوي ؟

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى