الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

فرص نجاح مؤتمر “باليرمو” في حلحلة الأزمة الليبية

 اعداد : د. محمد عبدالحفيظ الشيخ – رئيس قسم العلوم السياسية، كلية إدارة الأعمال –

جامعة الجفرة ـــــ ليبيا 

  • المركز الديمقراطي العربي

 

التفتت عيون كافة الليبيين، في يوم الأثنين الموافق 12 نوفمبر 2018 إلى مدينة باليرمو  الإيطالية، المكان المخصص لانعقاد مؤتمر دولي حول ليبيا في انتظار نتائج ملموسة يخرج بها هذا المؤتمر لاسيما بعد أن تأكد حضور كل أطراف الصراع الليبي، المتمثلة في رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فايز السراج، ورئيس البرلمان عقيلة صالح  ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وقائد الجيش الليبي المشير  خليفة حفتر. إضافة إلى دول دول الجوار الليبي، ودول الاتحاد الأوروبي، وروسيا، وبحضور المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة .

كل ذلك يهدف إخراج ليبيا من أزمتها المزمنة وحالة عدم الاستقرار  والفوضى الأمنية التي تعيش على وقعها البلد منذ سقوط نظام معمر القذافي في أواخر عام 2011.

وبالرغم من المساعي الحثيثة محلياً وإقليمياً ودولياً المدعومة أممياً من أجل رأب الصدع وإنهاء حالة الانقسام الليبي المزمنة، إلا أنها فشلت في تحقيق ذلك. كما تعثر تطبيق جُل الاتفاقيات الموقعة بين الأطراف الليبية المتنازعة على السلطة. أبتدءاً من الاتفاق السياسي في الصخيرات المغربية 2015، مروراً بمؤتمر باريس 2018، وانتهاءاً بمؤتمر باليرمو في نفس العام، الذي ربما لن يكون أحسن حالاً من سابقيه. ويبدو أن روزنامة المصالحة الليبية ما زالت مفتوحة ومستمرة وتنتقل من دولة إلى أخرى. وربما يكون المؤتمر القادم في جزر “الواق واق”. ويبقى الجدل مستمراً حول أنجع الطرق لإنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة بين الأطراف الليبية المتخاصمة .

لذلك، نتساءل هنا : ما هي الفرص المتاحة أمام مؤتمر “باليرمو” في إنهاء حالة الانقسام المزمنة بين أطراف اللعبة السياسية الليبية، وهل غيرّت هذه الأطراف من نهجها وهي مستعدة للتكيف والتأقلم مع متغيرات البيئة الليبية بإيجابية، أم أنها ذاهبة إلى السير وراء رغباتها ووفق السمات التي ألفتها في ترجمتها لتحقيق مصالحها المحضة دونما اعتبارات المصلحة الليبية العليا بكل محدداتها؟

لا يلوح في الأفق ما يشير إلى أن الأطراف الليبية السياسية والعسكرية القائمة والمدعومة خارجياً قد جنحت لتغليب المصلحة العليا على المصالح الخاصة. وليس ثمة ما يشير بأن فرص تجسير الهوة بين المواقف والبرامج المتناقضة متاحة، والأهم من ذلك كله هو أن القوى السياسية والتحالفات الاجتماعية معها تعلم أن ليس من مصلحتها إجراء مصالحة حقيقية طالما أن مؤسسات الحكم لا تنفصل عن آليات توزيع المناصب والامتيازات والعوائد المالية. ولذلك ظلت هذه الأطراف تصرّ على رفضها القاطع لقبول مبدأ الشراكة في الحكم، حيث يرى كل طرف أن ما يحققه التفرد له بالحكم من منافع عبر تقاسم النفوذ والتأثير (أي الصراع) هو أعظم مما يتحقق له عبر التوافق والتفاهم مع الطرف الآخر، ما يفسر تشّبت كل طرف بإستراتيجية التنافر مع الآخر لما يحققه له ذلك من مكاسب.

هناك مؤشرات تشير إلى أن هدف اجتماع باليرمو الرئيس هو إيجاد قوة موازية لاجتماع باريس بدلاً من الخروج من المأزق السياسي الليبي، وفي الوقت ذاته يرى البعض أن الأزمة مستمرة بسبب التنافس بين مختلف الدول الغربية والعربية ذات المصالح المتباينة، وعليه، لا يمكن اختزال مؤتمر باليرمو في إطار التنافس الفرنسي ـــ الإيطالي على مناطق النفوذ والمصالح في ليبيا .

فالمرجح أن مخرجات مؤتمر باليرمو لن تأتي بجديد يفضي إلى حلحلة الأزمة الليبية الراهنة، شأنه في ذلك شأن كل المبادرات السابقة. لأن جُل المبادرات لإنهاء الانقسام الليبي بصيغها المختلفة هي صيغ لإعادة إنتاجه تقوم على تقاسم السيطرة والنفوذ بين الأطراف الليبية المتنازعة وداعميها من الفواعل الإقليميين والدوليين، ما يحدّ من قدرتها على إنهائه، ولكي تتحقق المصالحة لم يعد ضرورياً إنتاج مزيداً من المبادرات، فهناك مبادرات كثيرة يمكن البناء عليها رغم أنه ينقصها الكثير، لكن الأمر لا يتعلق بالمبادرات بل بغياب الإرادة السياسية الحقيقية لدى الطرفين في إنهاء الانقسام بعد أن طوّروا قدرة على التعايش معه.

تجدر الإشارة أن هناك أطراف عربية وإقليمية تصرّ حتى الآن على تأجيل المصالحة بين الفرقاء الليبيين. فهذه الأطراف لا ترغب في أية مصالحة وهي وراء عدم الاستقرار السياسي والفوضى الأمنية في ليبيا.

وفي ظل قيادات تعمّق الانقسام، وتقسّم ولا توّحد، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تفضي الحوارات إلى مصالحة قابلة للحياة، وتتمتع بالثبات والديمومة. كما أنه لا يوجد تقارب بظل المعوقات الداخلية والخارجية، فحلحلة الأزمة الليبية الراهنة، للأسف الشديد تبدو بعيدة المنال في الوقت الحاضر.

من هنا، يبقى مسار الأزمة الليبية مرهون بالتصالح الليبي ــ الليبي، بالدرجة الأساس، حتى يساعد في فك تفاصيل الخلافات البينية ويؤسس إلى حل برؤية إستراتيجية واسعة تجنب بلدنا أي هزات مستقبلية ويساعد في إيجاد حلول مهمة وبعيدة عن التدخلات الخارجية  التي تشكل عقدة الخلاف الرئيسي وحاجزاً معيقاً أمام أي انفراج في العلاقات التصالحية بين أطراف العمل السياسي في ليبيا .

حل يخرج من معادلة الجمود والتخندق، ومن خيارات فرض الأمر الواقع تحت قوة النفوذ وسباق التسلح إلى حل مرضي بعيداً عن لعبة التجاذبات الصفرية لا غالب فيها ولا مغلوب، حل يصب في خانة استقرار البلد بعيداً عن الحسابات الضيقة، والتجاذبات الخطيرة والمدمرة من قبل الأطراف الخارجية التي تنفخ في الصراع بنفس إقصائي لا يساعد في حل الأزمة الليبية بقدر ما يعمّقها ويعقدّها، والتي لا تنم سوى عن مصالح محضة لتلك الأطراف لا تحضرها المصلحة الليبية، وهو ما وصل ببلدنا إلى هذا المآل الصعب.

وعليه، يجب أن نقر بأن هناك خلافات سياسية وفكرية بنيوية بين أطراف الحياة السياسية في ليبيا، تحول دون الوصول إلى حلول لجميع القضايا الرئيسية التي تواجه ليبيا على المستوى الداخلي والخارجي. وقد تعرضت بلدنا إلى  هزات كثيرة وانتهت بنا إلى ما نحن عليه الآن من مآسي كارثية، وكان المواطن الليبي البسيط هو الضحية الأولى، وهي مرحلة يعتمد الخروج منها على مدى قدرة ورغبة القيادات الليبية ( الوطنيين الشرفاء) في اختيار المشهد الأفضل ودفع ثمن متطلباته. ومهما كان الواقع الليبي الحالي سيئاً ومؤلماً فإننا نستطيع الخروج منه إلى ما هو أفضل وأحسن، “وحيثما تتوافر الإرادة فهناك مخرج .

وهنا ينبغي التأكيد على أن الحل يبقى مرهون بإرادة النخب الليبية الحاكمة وكذلك إرادة الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة والمؤثرة في الساحة الليبية .

إن من شأن تباعد الفرقاء الليبيين وتمترسهم خلف طروحاتهم بأبعادها السياسية والمناطقية والمحاصصية الحادة، فآفاق كارثية تنتظر مستقبل البلد ووحدته وتنميته في المدى المنظور، حيث أن استمرار الأوضاع الراهنة دون حلول توافقية قد يفضي في نهاية المطاف إلى تفكيك الدولة أو تقسيمها على أسس جهوية وقبلية، وبخاصة إذا ما انزلقت البلاد إلى مستنقع الحرب الأهلية. وهذا بالطبع يخدم مصالح تجار الفوضى والسلاح في ليبيا والأطراف الخارجية الداعمة لها.

ويبدو أن أكثر السيناريوهات أماناً والمفضل بالدرجة الأساس لشريحة واسعة من الليبيين، هو ضبط الحالة الأمنية وإنهاء فوضى السلاح، وبناء الجيش والشرطة على أسس وطنية ومحترفة. لاسيما وأن ملف قيادة الجيش الذي يعدّ الملف الأهم وراء عرقلة جهود التسوية السياسية.  وهذا هو التحدي الأساسي الذي يواجه ليبيا بشكل خاص وخطير، وهي الخطوة الأولوية التي لا تسبقها أي خطوة أخرى لضمان النجاح في بناء دولة القانون والمؤسسات، ومن ثم الدفع بعملية الإصلاح السياسي والاقتصادي إلى الأمام كونها الملاذ المهم لنقل ليبيا إلى مرحلة الانسجام والتوافق.  

إن بقاء أسباب الخلاف دون معالجتها من جذورها سيجعل كل المبادرات الإقليمية والدولية والأممية، لن تأتي بجديد في سبيل حلحلة الأزمة الليبية الراهنة. أما إذا توافرت الإرادة السياسية الحقيقية لكل الأطراف المحليين والفاعلين االإقليميين والدوليين في الساحة الليبية ستكون فرص حلحلة الأزمة الليبية كبيرة جداً .

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى