على رأي المثل
بقلم: أحمد طه الغندور – المركز الديمقراطي العربي
من منا لا يحفظ مثلاً شعبياً ويطمئن اليه ويتأثر به، كيف لا والأمثال الشعبية تعتبر بمثابة شكل أدبي مكتمل يسمو على أشكال التعبير المألوفة، وهي أقوال تجري على ألسنة الشعب وتمتز بطابع تعليمي، وتسمو على الكلام المألوف. ولعل للكاتب الألماني “فريد زايلر” خير من رسم هذه الملامح قديماً في كتابه المعنون “علم الأمثال الألمانية”.
هذا يدفعنا اليوم للحديث عن مثلٍ شعبي رائع، كثيراً ما يُتداول في منطقتنا والأرجح أنه نتاج قريحة الشعب المصري العريق في هذا النوع من الأدب، والمثل يقول: ” بيت النتاش ما بيعلاش” أو ” بيت النتاش عمره ما يعلاش وإن علا ميبقاش “.
ولعل هذا المثل يتناسب اليوم مع واقع السياسة الخارجية الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، حيث “رئيس الوزراء” يكاد يطير جزلاً بما يعتبره إنجازات مبهرة على الساحة الدولية؛ فهو يظن أنه حقق اختراقات على الساحة العربية وبالأخص الخليجية، فالعلم ” الأبيض والأزرق” يرفرف في سماء الخليج، وزعماء العالم الإسلامي ها هم في “تل أبيب”، وكيانات ترسم صوراً من توثيق العلاقات الدبلوماسية مع “الكيان” في القدس الفلسطينية.
إذاً كيف لا يتفاخر “ناتنياهو” بكل ذلك وهو يعمل بذلك على ضرب الجهود الفلسطينية التي ما فتأت أن تراكم انتصارات حقيقة على الساحة الدولية وبالأخص داخل أروقة الأمم المتحدة!
كما أنه يقدم نفسه للمستوى الداخلي الإسرائيلي بأنه “المنقذ” أو “السوبرمان” الذي يضع الخليج العربي في “جيبه الصغير” وأنه ينطلق نحو أفريقيا والعالم الإسلامي بالرغم من ضعف وضع “الائتلاف الحكومي” الحاكم وبالرغم من وصية “المدعي العام” الإسرائيلي للشرطة بتقديم لوائح اتهام بالرشوة والفساد ضده، لكن ذلك كله لا يرهب “سوبرمان”، بل هو الضمان للمجتمع في الانتخابات القادمة!
حتى أن الرئيس الأمريكي يؤخر “الصفقة” خدمة لـ “ناتنياهو” كي لا يؤثر في وضعه السياسي!
لكن ما هي الحقيقة خلف هذه الصورة “المبهرة” لحكومة فقدت الكثير من “قوة الردع” الخاص بالجيش الذي لا يقهر على أعتاب ” خان يونس ” ـ مدينة الشهداء ـ قبل أيام قليلة، فلماذا هذه الأخبار حول الفتوحات تتوالى؟ وما هي الأداة التي يلجأ اليها “ناتنياهو”؟
من الواضح أن الاحتلال يُعاني دولياً بما أضر بسمعته على الساحة الدولية من نجاحات فلسطينية؛ من خلال الدبلوماسية الرسمية، وحملات المقاطعة، والمقاومة الشعبية في كافة أجزاء الوطن الفلسطيني، واللجوء إلى المحافل الدولية والقضاء الدولي ثم الرد الشرعي بالدفاع عن النفس الذي مارسته ” غرفة العمليات المشتركة “.
إذا لم يتبقَ في جعبة “ناتنياهو” إلا اللجوء إلى ” آليات إدارة الأزمات “، وأن يلجأ إلى الـ “هاسبارا” ـ بالعبرية ـ أو الشرح من خلال الدبلوماسية الشعبية، ومن هنا يحدث الاختراق!
من المؤكد أن الدبلوماسية الرسمية الإسرائيلية تنزلق من فشل إلى أخر، ولكن “الدبلوماسية الشعبية” وهنا أقول “الصهيونية” وليست “الإسرائيلية” المتخفية تحت جنسيات ومسميات متعددة هي ما تُحدث اختراقات محدودة على الساحة السياسية، وهي تفتح الأبواب باسم، مكافحة الإرهاب، الشراكة الاقتصادية، المنافسات الرياضية، الرعاية الأكاديمية، والمهرجانات الثقافية والفنية ودواليك.
هذه الدبلوماسية التي تؤثر بشكل بالغ في وسائل الإعلام الدولية؛ قادت “ولي العهد” البحريني و “ابن الرئيس” التشادي، وغيرهما إلى الإيمان بالدعاية الأكبر لهذه الأداة الدبلوماسية ألا وهي ” تعالّ وشاهد بنفسك “.
وعلى الرغم من النجاحات المتواضعة للدبلوماسية الشعبية الصهيونية وهذه الآلية المغرية إلا أنها لا تكفي للاحتفال، والدليل على ذلك من “الصحافة العبرية” التي تراقب الزيارات الدبلوماسية الخارجة عن المألوف وسجلت هذه الأقوال، ” رئيس تشاد من “إسرائيل”: لن ننسى القضية الفلسطينية “، ” الزيارة لا تشمل تجديد العلاقات بصورة رسمية “، “هآرتس: BDS تنجح بإلغاء مشاركة إسرائيليين بمؤتمر أكاديمي في جنوب أفريقيا”، وأخيراً؛ ” نفي سوداني لمزاعم إسرائيلية عن ترتيب زيارة رسمية نتنياهو للخرطوم “.
ولعله من الواجب هنا أن نبحث عن الجانب التعليمي للمثل، هل علينا أن نترك “النتاش” يتباهى على الساحة الدولية؟
أعتقد أنه من الواجب علينا قبل التسرع بطلب عقد “اجتماع شكلي” لجامعة الدول العربية لمناقشة قضايا التطبيع مع الاحتلال أن نسأل أنفسنا الأسئلة الأتية، لعلنا نستطيع أن نضع “الملح” في أعين بعض العرب!
أولا ـ هل نحن من قاد العرب إلى “اتفاق أوسلو” أم أن العرب هم من قادوا الفلسطينيين اليه؟
ثانيا ـ ماذا عن قرارات المجلسين الوطني والمركزي بالانفكاك عن أوسلو؟
ثالثا ـ كيف يُفسر العرب مبادرة “السلام العربية” هل التطبيع مع الاحتلال قبل أو بعد تحقيق السلام وإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية؟
رابعا ـ هل على الفلسطينيين أن يدفعوا ثمن الأخطاء العربية، والعلاقات الشائكة بين بعض الأنظمة العربية والسلطات الأمريكية؟
خامسا ـ ما الذي تغير في محددات الأمن القومي العربي ليصبح التأمر على فلسطين الشغل الشاغل لبعض الأنظمة العربية مما يدفعها إلى دعم الانقسام الفلسطيني، ووضع العقبات في طريق تحقيق المصالحة؟
سادسا ـ ما هو المبرر العربي في استخدام “شماعة الانقسام” في تسريع التطبيع مع الاحتلال؟
هذه الأسئلة الهامة في أغلبها موجهة إلى الدول العربية؛ ما عدا السؤال الثاني الذي يستوجب أن نسأل أنفسنا!
إلى متى نحن ماضون في الانقسام؟
وأين هي أدواتنا للرد على دبلوماسيات الاحتلال المتعددة؟
والأهم ألا يجب أن نطالب ((بجدية)) محاكمة “النتاش” وزمرته على جرائمهم، لعل ذلك يحقق ردعاً للاحتلال والمطبعين معه؟