الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

الأبعاد السياسية والعسكرية لقرار واشنطن بالانسحاب من سوريا

اعداد : أميرة أحمد حرزلي، باحثة في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، المركز الديمقراطي العربي.

  • المركز الديمقراطي العربي

مقدمة:

كان مفاجئا اعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأربعاء الفارط انسحاب قوات بلاده العسكرية كاملة من سوريا، فالإدارة الامريكية والحلفاء وحتى المنافسين والخصوم استغربوا من هذا الإعلان خاصة وأنه كان قد صرح مرار أنه لن يخرج من سوريا حتى القضاء نهائيا على تنظيم ” داعش” الإرهابي فيها، ترامب غرد على حسابه عبر تويتر أن قراره لم يكن مفاجئا لأنه نفذ ما وعد به خلال حملته الانتخابية قبل عامين.

ردود الأفعال المحلية والإقليمية والدولية تفاوتت ازاءه بين رأي مؤيد للقرار يرى أنه يخدم التسوية في سوريا وهو رأي سوريا وحلفاءها روسيا، إيران، الصين، في المقابل يرفض رأي اخر القرار ويعتبره ضعفا وخذلانا وتخلي عن الحلفاء في سوريا والمنطقة يمثله أعضاء من الإدارة الامريكية وقوات سوريا الديمقراطية بالإضافة الى الحلفاء الأوروبيين المنخرطين في التحالف الدولي في سوريا و (إسرائيل).

وبغض النظر عمن أيد ومن عارض القرار يبقى المهم معرفة خلفيات القرار وأهدافه الحقيقية وتطبيقه ميدانيا في سوريا، هل هو مناورة أمريكية جديدة لتغيير موازين القوى عسكريا لصالحها أو هو تغيير للاستراتيجية الامريكية ـ التي دأبت على التدخل في النزاعات المسلحة ـ والخروج من منطقة المشرق العربي المليئة بالنزاعات هذه الأخيرة التي كلفتها خسائر كبيرة.

ومما سبق نطرح الإشكالية التالية:

  • كيف سيؤثر قرار واشنطن الانسحاب عسكريا من سوريا سياسيا وعسكريا على جهود التسوية؟

فرضيات:

  1. حماية الامن القومي الأمريكي يفسر قرار سحب القوات الامريكية من سوريا.
  2. الانسحاب الأمريكي من سوريا من شأنه تسهيل جهود التسوية في سوريا.
  3. انحسار هجمات تنظيم ” داعش” وارتفاع الخسائر الامريكية في سورية يفسران انسحاب القوات الامريكية من سوريا.

للتفصيل أكثر في أبعاد قرار واشنطن نطرح التساؤلات التالية:

  1. ماهي دوافع القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا؟
  2. هل القرار الأمريكي نابع من إرادة شخصية لترامب من عدم جدوى بقاء قوات بلاده في سوريا أم ضغط الإدارة الامريكية عليه أجبره على ذلك؟
  3. هل نسَقت الولايات المتحدة الامريكية مع حلفائها في سوريا (تركيا، قسد، (إسرائيل)) قرار الانسحاب؟.
  4. من سيملئ الفراغ الأمريكي في سوريا بعد خروجها؟
  5. هل سيصعَد تنظيم ” داعش ” من عملياته في سوريا؟
  6. هل سيكون قرار واشنطن الانسحاب من سوريا في خدمة التسوية السورية؟
  7. ما هو الدور الذي ستضطلع به الولايات المتحدة الامريكية في المنطقة بشكل عام؟

نحلل الموضوع وفق المحاور التالية:

  1. قرار واشنطن الانسحاب من سوريا: التوقيت والدوافع.
  2. موقف الحلفاء والخصوم من القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا.
  3. تأثير القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا ميدانيا وسياسيا على جهود التسوية.
  1. قرار واشنطن الانسحاب من واشنطن: التوقيت والدوافع

أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن بلاده تستعد لسحب قواتها العسكرية من سوريا بشكل سريع وكامل، وهو ما شكل مفاجئة كبيرة للحلفاء والخصوم، خاصة ان ترامب كان يربط خرج قواته بالقضاء نهائيا على تنظيم ” داعش”، رد ترامب على المتفاجئين بقراره أنه نفذ ما وعد به خلال حملته الانتخابية وأن التنظيم قد تم هزيمته تقريبا، و قد أضاف ترامب لقد انفقنا 7 تريلونات دولار على مشاكل ” الشرق الأوسط” ولم نحصل في المقابل على شيئ .

وقد ذكرت وكالة رويترز عن مسؤول أمريكي أن الموظفين في الخارجية الامريكية سيغادرون سوريا في ظرف 24 ساعة والقوات العسكرية في ظرف 60 الى 100 يوم.

برر ترامب قراره بأن واشنطن لا تريد ان تكون شرطيا في ” الشرق الأوسط ” دون مقابل، وأن إيران وتركيا وروسيا هم أعداء محليون لتنظيم ” داعش ” وهم من تقع عليهم مسؤولية محاربه، فالولايات المتحدة الامريكية حسب ترامب تكبدت خسائر في الاروح البشرية والعتاد في محاربة التنظيم دون أي مقابل وهو ما يضر بالأمن القومي الأمريكي.

يتزامن القرار الأمريكي مع عملية عسكرية تركية جديدة من المرتقب ان تطلقها في شرق نهر الفرات لمواجهة قوات سوريا الديمقراطية الكردية و وحدات حماية الشعب الكردي، وهو ما يطرح تساؤلات حول مصير العملية التركية التي كانت تجري بموافقة ضمنية من الولايات المتحدة الامريكية؟ ، وهل ستأخذ تركيا دور الولايات المتحدة الامريكية في محاربة تنظيم ” داعش ” فضلا عن مهمتها الأساسية في مواجهة التنظيمات الكردية.

يبدو أن قرار الانسحاب الأمريكي جرى بالتنسيق مع تركيا وهو ما أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مكالمة هاتفية بينه وبين ترامب أكد أنه يرحب بالانسحاب الأمريكي من سوريا، وقد اشارت مصادر إعلامية في ذات السياق أن تركيا علمت بالانسحاب الأمريكي مسبقا وأنه جرى بالتنسيق معها، أضاف أردوغان أن تركيا ستتولى مهمة الدفاع محاربة ” داعش” بنفسها وأنها تحتاج دعما لوجستيا فقط من واشنطن.

ميدانيا يطبق أردوغان ما قاله، حيث دفع بتعزيزات عسكرية إضافية كبيرة الى الحدود مع سوريا، وقد أفادت وكالة الاناضول التركية أن التعزيزات تضم مركبات عسكرية من بينها ناقلات جنود مدرعة تم استقدامها من مناطق عسكرية مختلفة، وتفيد ذات المصادر ان التعزيزات وصلت الى مدينة غازي عنتاب واتجهت الى منطقة هاتاي وسط تدابير أمنية مشددة.

كل تلك مؤشرات عملية تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن العلاقات التركية ـ الامريكية مع ما يشوبها من تنافر في بعض الأحيان الا أنهما تتبادلان الأدوار وتتقسمان النفوذ في منطقة شرق المتوسط وتحديدا في سوريا، فالانسحاب الأمريكي اذن من المتوقع ان يملأه التصعيد التركي شرق نهر الفرات.

  1. موقف الحلفاء والخصوم من القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا

أدى قرار الانسحاب الولايات المتحدة من سوريا بسلسلة من ردود الفعل الداخلية من الولايات المتحدة الامريكية وسوريا وإقليميا ودوليا تنقسم في معظمها بين مؤيد ومعارض. فالمؤيدون وعلى رأسهم الحكومة السورية وحليفاتها في المنطقة والعالم إيران وحزب الله، وروسيا والصين أيدوا  قرار واشنطن على اعتبار أنه يخدم التسوية في سوريا و أن وجود القوات الامريكية والاجنبية الأخرى عموما بطريقة غير شرعية منذ البداية بدون موفقة الحكومة السورية يعد انتهاكا لسيادة الدولة واحتلالا لها.

في المقابل رفضت أوساط أمريكية في الداخل و حلفاءها التقليديين قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا، فقد بات معروفا أن قرارات ترامب تخلق جدلا كبيرا وصراعا بيروقراطيا و سياسيا داخل الولايات المتحدة الامريكية، فقد أحدث قرار الانسحاب انقساما داخلها ،ففي المؤسسة العسكرية “البنتاغون” أعلن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس استقالته مطلع العام المقبل بعد اعلان ترامب الانسحاب لعدم تقارب الرؤية الدفاعية بينه وبين ترامب وهو ما يؤشر على رفض القرار الأمريكي الذي لم يستشر بخصوصه ترامب البنتاغون، و لأنه يضر بالاستراتيجية الامريكية في المنطقة، واستقالة ماتيس تأتي بعد سلسلة استقالات لمسؤولين و وزراء كبار في الإدارة الامريكية لعدم اتفاقهم مع سياسية ترامب ما يؤشر على حالة التخبط و الفوضى التي تعيشها الإدارة الامريكية .

كذلك في المؤسسة التشريعية ” مجلس الشيوخ” لم يوافق بعض نوابها على قرار ترامب ، فقد أدلى السيناتور ليندسي غراهام أنه ” لم تتم بعد هزيمة تنظيم ” داعش ” في سوريا و العراق “، ويضيف أن ” ترامب محق في احتواء التوسع الايراني ولكن سحب القوات سيقوض هذا الجهد “، و يؤكد ان ” سحب القوات في هذا التوقيت سيكون انتصارا لتنظيم ” داعش ” وايران والأسد وروسيا “، كذلك قال السناتور ماركو روبيو ” أن سحب القوات الامريكية بشكل كامل وسريع هو خطأ فادح ستكون له تداعيات” .

أما من ناحية الأوروبيين و( إسرائيل ) ، فردود أفعالهم جاءت رافضة ومندهشة من القرار،  فقد ادلى وزير الخارجية البريطاني ” لا اتفق مع ترامب في هزيمة ” داعش ” في سوريا ” ما يدل أن سحب القوات قبل تحقيق هدفها هو أمر خاطئ ، وتتفق مع ذلك كل من فرنسا و المانيا اللتان ما تزالان تعتبرأن وجود ضرورة في بقاء القوات الامريكية في سوريا لان تهديد تنظيم ” داعش ” ما يزال قائما ، فقد أعلنت وزيرة الدفاع الفرنسية بقاء قوات بلادها في سوريا لمحاربة التنظيم، في سياق ذي صلة انزعجت ( إسرائيل ) أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة من القرار الأمريكي وأعلنت انها ستصعَد عملياتها ضد ايران في سوريا بعد اعلان واشنطن سحبها لقواتها.

أما قوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصارا بقسد المدعومة أمريكيا، اعتبرت القرار الأمريكي طعنة في الظهر وخيانة لها وعبرت على لسان الناطق باسمها ان تنظيم ” داعش ” وتركيا سيستغلون الانسحاب الأمريكي ويشنون هجمات ضدها.

بشكل عام أزعج قرار الانسحاب الأمريكي كثيرا حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين                  و(إسرائيل) والتنظيمات الكردية…، واعتبروه ضعفا لها يضر باستراتيجيتها في المنطقة يصب في   في مصلحة سوريا وإيران وروسيا…وتركيا في محاربتها للأكراد.

  1. تأثير القرار الأمريكي بالانسحاب من سوريا ميدانيا وسياسيا على جهود التسوية

إن جرى فعلا تنفيذ قرار الانسحاب الأمريكي من سوريا دون عراقيل أو وضع شروط مسبقة، فستكون هناك فرصة سانحة للتقدم أكثر في مسار التسوية السورية خاصة أنه قد تم الاتفاق على لجنة إعداد الدستور السوري و من المرجح بدء عملها مطلع العام الجديد، فتوقيت قرار سحب القوات يأتي في مرحلة جديدة للنزاع السوري تتجه نحو التسويات و الانفراجات السياسية والعسكرية ، فمن الناحية السياسية هناك توافق إقليمي ودولي على بقاء الرئيس الأسد في منصبه أكثر من ذلك التعاون معه إن فاز في الانتخابات الرئاسية القادمة بطريقة ديمقراطية وشفافة وهو التصريح الذي أدلى به أردوغان مؤخرا ما يعتبر استدارة تركية تجاه سوريا تفتح أفق الحلول، من ناحية أخرى سجلت زيارة الرئيس السوداني عمر البشير سابقة هب الأولى من نوعها كأول زيارة لرئيس عربي لسوريا منذ 2011 والسودان معروفة بقربها لدول الخليج، وربما هذه الزيارة تحمل رسائل من الخليج لسوريا لعودة العلاقات معها، كذلك مصادر إعلامية تتحدث عن رغبة الامارات في إعادة فتح سفاراتها في دمشق.

فضلا عن ذلك شهدت السنوات الأخيرة زيارات لوفود برلمانية أوروبية على غرار فرنسا ووفود عربية على غرار تونس والأردن.. تمهيدا ربما لعودة العلاقات العربية مع سوريا وعودة الأخيرة الى مقعدها في جامعة الدول العربية.

على المستوى الميداني العسكري انخفض الدعم العسكري الخليجي بشكل واضح للفصائل العسكرية المسلحة عقب أزمة حصار قطر ثم قضية اغتيال خاشقجي التي اتهمت بها السعودية، فكل ذلك جعل دول الخليج وعلى رأسهم المملكة تنشغل بسياساتها الداخلية وخفض الدعم لتلك الفصائل، وبالتالي تقدم في عمليات تحرير المناطق وإقامة مناطق خفض التصعيد وبداية عودة الالاف اللاجئين السوريين من دول الجوار خاصة لبنان والأردن لوطنهم، وفتح معابر حدودية مع دول الجوار أبرزها معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن ليعود النشاط التجاري و الاقتصادي بين البلدين.

في المحصلة نجد أن قرار الانسحاب الأمريكي إن كان جديا فعلا فهو يصب في مصلحة التسوية في سوريا وكل تلك هي مؤشرات عليها.

خاتمة:  

نستنتج مما سبق تحليله ان قرار الانسحاب الأمريكي قرار مفاجئ تم أخذه من قبل ترامب بطريقة انفرادية مستبعدا مؤسسات صنع القرار الحكومية والحلفاء التقليديين لها، وهذا ما خلف سلسلة من ردود الفعل المؤيدة والمعارضة داخليا وإقليميا ودوليا، وبغض النظر عن المؤيدين والمعارضين، فهو يصب في خدمة الامن القومي الأمريكي الذي تكبد خسائر بشرية ومادية بدون مقابل بالدرجة الاولى، فالانسحاب الأمريكي ـ ان حصل فعلا ـ يضاف الى عدة مؤشرات سياسية وعسكرية داخل سوريا تعبد طريق التسويات للنزاع في فيها.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى