السيادة و العولمة
بقلم : د.عادل حسين – المركز الديمقراطي العربي
ان المتأمل بعين الموضوعية و التجرد في المجتمعات العربية ذات الاغلبية المسلمة ، في اعلى دراجتها، يستطيع ان يستنتج ان المرحلة التاريخية التي تمر بها شعوب هذه المنطقة من أدقّ و أعقد فترات تاريخها نتيجة السياق الزمني الحساس الذي تسوده عولمة سيطرة القوة الدولية ذات الخصوصيات تقدم العلمي و التكنولوجي على الدول المستضعفة سيما في المجالات العلمية و الحيوية المتنوعة.
هذه العولمة ، في الواقع، هي مفهوم نتاج القوى المالية و المؤسساتية التي تقوم في ظاهرها على شعار نبيل يحث على تقريب الشعوب في سبيل تأمين المعرفة و الاعتراف و التعرف على الاخر عن بعد من ناحية، و تأمين العيش المشترك و التعايش مهما اختلف العرق و الجنس و اللون و الثقافة و الدين و الوضع الاجتماعي من ناحية اخرى. كما تساهم في نقل الانظمة المعلوماتية في سبيل تحقيق التنمية و تطوير الحياة الفاضلة للمجتمعات الانسانية.
و لكن، عندما ندقّق في باطن هذا المفهوم نجده يحمل في باطنه ليس فقط نمطا و صيغة ممنهجة و مدروسة بشكل عميق لفرض نوعا جديدا من علاقة الانسان مع اخيه الانسان و علاقة الانسان مع الطبيعة، بل أيضا لفرض أشكالا متنوعة من الاحتلال و فرض السيادة على الاخر باليات و أدوات مختلفة ليس فقط في مجال المالي و ألاقتصادي بل على مستوى الامن القومي الغذائي للشعوب و مقدراتها وثرواتها على مستوى جغرافية و انتشار الانسان .
و بالتالي، نستطيع ان نشير الى أن ابعاد هذا المفهوم للعولمة ، أساسا، يقوم على استبدال النمط الفكري و العقدي التي تختص بها تركيبة الحياة الاجتماعية لكل مجتمع على حد حتى يتسنى للقوى و الشركات المالية الكبرى من تغيير طريقة التفكير و المنهجية المعتمدة من خلال السياسات العامة لكل مجتمع.
و من ثمّ يمكن لها من تحديد نوع خاص من الانظمة و خصوصيات محددة في مجال البحث العلمي و الدراسات.
و في نفس السياق، يمكن للعولمة ،في هذا ألإطار، ان تلعب دورا هاما و جوهريا في عملية التأثير ،بشكل مباشر أو غير مباشر، على الذهنية و العقلية في نظام ترتيب فقه الاولويات سيما في ما يتعلق بالبحث و تناول المسائل المرتبطة بالقضايا الحيوية للمجتمعات المتعددة سيمال المجتمعات العربية ذات الاغلبية المسلمة حسب سياق الزمان و المكان.
طبعا،هذا النهج المدروس و الدقيق مخطط له بمنهجية و عقلية فائقة في سبيل ارساء نوعا اخر من مفهوم “خدمة الآخر في اطار فلسفة الدور التاريخي الذي ينبغي ان يقوم به الانسان عبر صيرورته التاريخية تجاه العالم.
و حتى يقع ترجمة هذا التصور و هذا النمط الفكري في واقع الناس ، فيجنّد لهذا الامر كل المفكرين و المثقفين و التنظيمات المؤسساتية المتنوعة خاصة المالية و الاعلامية سيما في مجال الانظمة المعلوماتية الذين تتوفر فيهم الاستعدادات المكتسبة بتنفيذ هذا المفهوم طبقا لرغبات هذه القوى الاستكبارتية المنتشرة في العالم .
و بناء على ما سبق، تنشأ الصراعات الدائمة نتيجة تعدد المصادر بمختلف أشكالها من ناحية، و أدلجة نقل الاوضاع و الاحداث و تفاعل المجتمع في مجملها حتى تصبح في خدمة السلطان و النظام القائم، اضافة الى انحطاط و تدهور مقياس جودة كرامة الانسان في المجتمعات العربية ذات الاغلبية المسلمة من ناحية اخرى.
و هذا طبعا، يضيف اثارة و التلاعب بالرأي العام على وتر كل الصراعات القائمة على العصبية الطائفية و المذهبية عبر التاريخ نتاج اختلاف المصادر و المرجعيات .
و اذا اردنا ان نستسقي مقياس و مدى خطورة هذا المفهوم العولمتي على سيادة الدول ، خاصة الدول ذات الاغلبية المسلمة، فما علينا إلا ان نتوجه بدراسة و القيام بتعداد حقيقي لقياس تأثير مادة المناهج التعليمية ،عبر صيرورة تاريخية محددة في هذه المجتمعات، عندها سوف نجد ان محتوى المنهاج الدراسي لا يخلو في دراجته القصوى، من الأدلجة و التوظيف و التزييف في الوقت الراهن طبقا للأجندة الممنهجة التي رسمتها القوى الاستكبارتية من خلال هذا المفهوم وهو مفهوم العولمة .
و عليه استطيع القول انه حين تعيش في مجتمع ، كان يفترض، أن يحمل مقومات و خصوصيات تبلور الصبغة العامة للنمط الفكري و العقدي و التي على اساسها يتم تحديد علاقة الانسان مع اخيه الانسان في إطار سياسة عامة للمنهج التعليمي و التربوي ضمن تعدد التأويل حسب السياق الزمان و المكان خدمة لتحقيق البنية المتوازنة في المجتمع و علاقاته المتفاعلة عبر التاريخ ، نجده قد استسلم للتأثير مفهوم العولمة و فرط في سيادته طوعية دون أي مقاومة في غياب جودة الانسان الواعي بالمسئولية منوط بعهدته في دائرة الفكر الحر و الاستقلالية في الاختيار …