هل تحتاج أمريكا إلى العراق لمراقبة إيران ؟
Does America need Iraq to monitor Iran
اعداد : هيبة غربي – ماستر في العلوم السياسة قسم العلاقات الدولية/اختصاص الدراسات الأمنية والإستراتيجية 2017 بـــــــ جامعة قسنطينة 3 /الجزائر.
المصدر – مجلة مدارات إيرانية العدد الرابع أيار – مايو 2019 دورية علمية محكمة تصدر عن المركز الديمقراطي العربي “ألمانيا –برلين”
الملخص:
إن ما يجري الآن من إعادة انتشار للقوات الأمريكية في العراق بهدف مراقبة إيران ما هو في الحقيقة إلاّ للسيطرة على مقدرات البلد واحتلاله من جديد، ولكن بطريقة يمكن أن نقول أنها ناعمة ولها مقبولية. وعليه فإنّ ما صرّح به “دونالد ترامب” في الحقيقة ما هو إلاّ بهدف البقاء في العراق والسيطرة على النفط العراقي. بطريقة ناعمة بدلاً من فرض البقاء بالقوة الصلبة (العسكرية). بمعنى أنّ أمريكا ليست بحاجة إلى العراق لمراقبة إيران وإنّما هي تتخذ هذه المراقبة كذريعة لتحقيق مصالحا الخاصة لا أكثر ولا اقل. فأمريكا كغيرها من الدول الكبرى لا تضمن أحداً إلاّ مصالحا، ومصالحا بالقطع ليس مرتبطة في شخص أو نظام.
Summary :
The redeployment of US troops in Iraq to control Iran is really only to control and reoccupy the country’s capabilities, but in a way that can be said to be soft and acceptable. So what Donald Trump really said was only to stay in Iraq and control Iraqi oil. In a soft way rather than imposing a solid (military) survival. In the sense that America does not need Iraq to monitor Iran, but it is taking this observation as a pretext to achieve a reconciliation, no more and no less. America, like any other major country, guarantees no one but reconciliation, and irrevocable reconciliation is not linked to a person or a system.
تهدف زيادة النشاطات الأمريكية على الأراضي العراقية، والتأكيد الرسمي للإدارة الأمريكية حول التواجد العسكري، إلى تحقيق عدد من الأهداف بالنسبة لهذه الأخيرة، منها ما يتعلق بالعراق ومساعدة المؤسسات العراقية للاعتماد على نفسها في الفترة القادمة ومكافحة الجماعات الإرهابية وخاصة في ظل عودة نشاطات “تنظيم داعش” واستغلاله للفراغ الأمني في بعض المناطق في العراق، ومنها ما يتعلق بالمنطقة بشكل عام، حيث من الممكن تكثيف التواجد العسكري في العراق لاتخاذه منطلقاً للعمليات العسكرية في سوريا في ظل الانسحاب الجزئي منها، بالإضافة إلى مراقبة طهران وتحجيم النفوذ الإيراني في العراق عن طريق تشجيع الدول العربية على التعامل مع الحكومة العراقية وتنشيط العلاقات التجارية وفتح باب الاستثمار في العراق لمنع استفراد إيران بالسوق العراقية خلال الفترة القادمة.
وهو ما أكده الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” في إحدى مقابلاته قائلاً: “إنّ بلاده أنفقت ثروة كبيرة على قاعدة “عين الأسد” الجوية في غرب العراق وأنّ على الولايات المتحدة الاحتفاظ بها” وأضاف “أنّ أحد الدوافع وراء رغبتي في الاحتفاظ بهذه القاعدة هو أنني أريد مراقبة إيران على نحو ما، لأنّ إيران تُمثل مشكلة حقيقية”([1]).
هذا ما سنتطرق إليه من خلال هذه الدراسة التحليلية …هل فعلاً أمريكا تحتاج إلى العراق لمراقبة إيران….؟. لانجاز هذه الدراسة التحليلية سنتناول ثلاثة محاور وخلاصة تحليلية وهي كالتالي:
أولاً/ استخدام أمريكا العراق لمراقبة إيران:
تخشى طهران من قيام الولايات المتحدة الأمريكية باستخدام العراق للإضرار بالمصالح الإيرانية، ودعم الحركات والجماعات المعارضة للنظام الإيراني ودفعهم للقيام بعمليات عسكرية داخل الأراضي الإيرانية، بالإضافة إلى قيام القوات الأمريكية ببناء قواعدها في المناطق الإستراتيجية في العراق لمنع اكتمال الطريق الاستراتيجي لإيران الذي يمر بالعراق إلى سوريا، وهذا ما يُهدد النفوذ الإيراني في العراق بشكل كبير. إذ تحاول الإدارة الأمريكية فرض واقع سياسي وعسكري جديد في العراق بعد الانتهاء من تنظيم داعش، وهو عدم السماح لإيران بالاستفراد بالعراق كما كان في السابق، حيث أنّ هناك كتل سياسية تؤيد التواجد الأمريكي وتعتبره ضرورياً في هذه المرحلة، بالإضافة إلى حدوث تغيير كبير في المزاج الشعبي نحو القوات الأمريكية، أين أصبح الكثير من العراقيين ينظرون إلى التواجد الأمريكي كأمر طبيعي ولا يرونه احتلالاً جديداً، بل لديهم أمل في مساهمة هذا الأخير في تخفيف وطأة النفوذ الإيراني داخل العراق.
يبدو أنّ الإستراتيجية الأمريكية في العراق تقوم على تفكيك النفوذ الإيراني بشكل تدريجي، وهذا الخيار أفضل من المواجهة العسكرية مع أدوات إيران في العراق، لأن المواجهة العسكرية ستتسبب بانهيار الاستقرار الهش الموجود في العراق والتي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية المحافظة عليه في الوقت الحالي، وبالتالي تجنب المواجهة مع الميليشيات والأدوات الإيرانية في العراق، لان التصادم العسكري يؤدي إلى عودة الفوضى والدمار إلى العراق ([2]).
إنّ الوجود الأمريكي في العراق سيؤدي إلى خلق 3 احتمالات:
الاحتمال الأول/ هو المزيد من التوتر بين البلدين أمريكا وإيران، هذا ما يزيد من حدة المعضلة الأمنية بين الطرفين أين يسعا كلاهما إلى البقاء عن طريق أسبقية الأمن، وتكون هذه المعضلة نتيجة النظرة الواقعية لكلا الطرفين القائمة على الشك وسوء الظن والتشاؤم إزاء إمكانية حل الصراعات والحروب من اجل المحافظة على البقاء وحماية الحدود والهوية الثقافية من الاعتداءات الخارجية. وهو ما يوحي الى قيام حرب باردة ثانية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بعدما كان الاتحاد السوفياتي طرفاً رئيسياً في الحرب الباردة الأولى.
الاحتمال الثاني/ هو حدوث أزمة جديدة في العراق وهو ما يعرف بالمعضلة الأمنية داخل الدول خاصة وان الحديث عن الوجود الأمريكي في العراق هو حديث يمس السيادة والاستقلال ويقلل من مكانة العراق ..علماً أنّ القانون والدستور العراقي لا ينص على اتخاذ العراق كمحطة للاعتداء على دول الجوار، وعلى هذا الأساس فان أي ضربة عسكرية على إيران ستقابلها ردة فعل عراقية من الفصائل والجهات المعادية للولايات المتحدة الأمريكية. وعليه ومن منظور سياسي، قد تعني مغادرة الولايات المتحدة للعراق الآن انزلاق الأخير في الفوضى مجدداً وترك البلد فريسة للنفوذ الإيراني الذي أصبح يُسيطر على المؤسسات الحيوية في البلاد.
ولم يعد هذا بالأمر بمستبعد خاصة إذا استمرت الولايات المتحدة في تشكيل سياستها في العراق دون أخذ الرأي العام العراقي عين الاعتبار، فحلفاء الولايات المتحدة في العراق يتناقصون باضطراد، وينحسرون في زوايا ضيقة.
الاحتمال الثالث/ التلميح من خلال هذا الوجود إلى إبرام صفقة ما في المستقبل في إطار الضغط الأمريكي الاقتصادي على إيران، بمعنى أنّ إيران يمكنها أن تجلس على طاولة المفاوضات وإعادة ترتيب أوراقها في الشرق الأوسط، على أساس أنّ المراقبة ليست هي نفسها المهاجمة خاصة وان الولايات المتحدة غيرت إستراتيجيتها من الاحتواء إلى المواجهة، والمواجهة هنا يمكن أن تكون اقتصادية، دبلوماسية، اجتماعية وغيرها. فمن خلال هذا الاتصال تمر المعلومة بوضوح وتخلق نوع من الشفافية وتقل المعضلة الأمنية بين الطرفين (أمريكا وإيران).
ثانيا/ أسباب مراقبة أمريكا لــــــــــ إيران:
هناك منطق واضح وراء تصريح “دونالد ترامب” حين أعلن أنّ الولايات المتحدة ستحتفظ بقواعدها في العراق بغية مراقبة إيران عن كتب، فالعراق بالنسبة للولايات المتحدة يُشكل الممر الاستراتيجي الذي قد يُمكنها من خلاله السيطرة على تحركات إيران في المنطقة وأنشطتها النووية. والإبقاء على التواجد العسكري الأمريكي في العراق سوف يُساهم بالطبع في قطع الاتصال بين إيران وأذرعها في سوريا ولبنان([3]). إنّ تفكيك النفوذ الإيراني في العراق لن يقتصر على جانب واحد، بل كافة الجوانب والمجالات التي نجحت إيران في السيطرة عليها منذ سنة 2003 وحتى الآن، فالجانب الإيراني نجح خلال السنوات الماضية من احتكار السوق العراقي ورفع نسبة الصادرات إلى العراق، بالإضافة إلى السيطرة على الجانب الثقافي والديني وإخضاع المؤسسات الدينية، بالتزامن مع تأسيس الميليشيات الطائفية المسلحة لتكون قوات موازية للجيش العراقي والمؤسسات الأمنية الرسمية، ودعم الأحزاب السياسية للسيطرة على قرارات البرلمان، وهذا يتطلب محاربة النفوذ الإيراني في هذه المجالات بشكل تدريجي يمنع التصادم المسلح ولا يؤدي لانهيار الدولة ويضمن تحجيم النفوذ الإيراني، ومن المناسب القيام بهذه الخطوات في الوقت الحالي في ظل الانشغال الإيراني بالعقوبات الأمريكية وإمكانية عودة المظاهرات الشعبية في الداخل التي تعاني من الظروف الاقتصادية القاسية والإجراءات القمعية([4]) .
إضافة إلى هذا وذاك فان الرئيس الأمريكي “دونالد تارمب” عازم على تصحيح الخطأ الذي ارتكب من قبل الإدارتين الأمريكيتين السابقتين “جورج دبليو بوش” و”باراك أوباما” فالأول باحتلاله للعراق سنة 2003، قد قدم للنظام الإيراني هدية إستراتيجية لا تُقدر بثمن حينما أسقط نظام الرئيس العراقي السابق “صدام حسين” العدو اللدود له، والثاني عززت سياساته المتهاونة مع النظام الإيراني نفوذه وتغلغله بكل مفاصل النظام السياسي العراقي بشقيه الحكومي وغير الحكومي. إذ بـــــــــ سياساتهما إزاء العراق دشنا لنظرية جديدة في العلاقات الدولية وهي “نظرية المستفيد من الاحتلال”([5]).
تعمل أمريكا على تغيير نهجها في العراق بالاعتماد على القوة الناعمة بدلاً من القوة العسكرية بهدف ضمان استمرار وجودهاـ أين وجدت حجة مراقبة طهران وسيلة جديدة لتحقيق أهدافها، إن لم نقل أنها استخدمت في سياستها الخارجية نفس الوسيلة التي اتبعتها إيران لضمان بقائها في العراق حفاظاً على نفوذها هناك، ألا وهي القوة الناعمة التي تسعى من خلالها إلى بناء حواضن اجتماعية في الخليج العربي والشرق الأوسط، تتقبل وتؤيد طرحها التوسعي ذو الأبعاد الطائفية، مستندة إلى دستورها الذي يعطيها حق التدخل في الشؤون الداخلية للدول تحت ذريعة نصرة المظلومين والمستضعفين في الأرض.
ثالثاً/ أهداف المراقبة:
استثمرت الولايات المتحدة الأمريكية الكثير من الوقت والجهد في العراق على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية([6])، من خلال التعاون الأمني والاستخباراتي وتأهيل الأجهزة الأمنية العراقية، إضافة إلى قيامها بتدريب القوات العراقية المسلحة بكل صنوفها، وإعادة تأهيلها من حيث التنظيم والتسليح، وكذلك إعادة تأهيل المناطق المتضررة. إضافة إلى هذا وذاك فلدى الولايات المتحدة الأمريكية أكبر قنصلية في العالم في “أربيل” عاصمة إقليم كردستان العراقي، وتبلغ تكلفة المرحلة الأولى من بنائها 600 مليون دولار أمريكي، فهي تعد من بين أكبر السفارات الأمريكية من حيث المساحة([7]).
انطلاقاً من هذه المعطيات نجد أن ما يجري الآن من إعادة انتشار للقوات الأمريكية في العراق بهدف مراقبة إيران ما هو في الحقيقة إلاّ للسيطرة على مقدرات البلد واحتلاله من جديد، ولكن بطريقة يمكن أن نقول أنها ناعمة ولها مقبولية. فالولايات المتحدة الأمريكية لا تحتاج أن تُعطى لها الشرعية في أي بلد كان فما بالك بالعراق الذي هو مُدين لها بالتخلص من النظام السياسي السابق ومُدين لها أيضاً بـــــــ محاربة تنظيم داعش، فلولا قوات التحالف وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية لما تمكن العراق بآي شكل من الأشكال القضاء على داعش. ضف إلى هذا وذاك فان الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر العراق ولاية من ولاياتها حتى وان لم يكن ذلك رسمياً، فهي تُعطي لنفسها الحق بان تتدخل بكل صغيرة وكبيرة طالما أعطت مالاً ودماءاً داخل العراق ….لهذا فالعراق يُمثل بالنسبة لها نقطة إستراتيجية ونقطة انطلاق في أي سياسة تتخذها.
وعليه فإنّ ما صرّح به “دونالد ترامب” في الحقيقة ما هو إلاّ بهدف البقاء في العراق والسيطرة على النفط العراقي. بطريقة ناعمة بدلاً من فرض البقاء بالقوة الصلبة (العسكرية). بمعنى أنّ أمريكا ليست بحاجة إلى العراق لمراقبة إيران وإنّما هي تتخذ هذه المراقبة كذريعة لـــــــــ تحقيق مصالحا الخاصة لا أكثر ولا اقل.
انطلاقاً من هذه الدراسة التحليلية نجد انّه من الضرورة أن نشير إلى حقائق هامة منها أنّ عامل المصلحة الذاتية هو العامل الحاسم الذي يتحكم في السياسة الخارجية للدول الكبرى، وأمريكا واحدة منها ولهذا لُوحظ بان أي تناقض بين المصالح الأمريكية وحلفائها يترتب عنه سرعة تخليها عن التزاماتها السابقة، فأمريكا كغيرها من الدول الكبرى لا تضمن أحداً إلاّ مصالحا، ومصالحا بالقطع ليس مرتبطة في شخص أو نظام.
المراجع:
1_ زيد عبد الوهاب، “مستقبل التواجد الأمريكي في العراق”، مركز العراق الجديد، موقع: https://www.newiraqcenter.com، 20/05/2019.
2_ شكر خلخال، “خطاب ترامب وأزمة التيار السياسي المعتدل في العراق”، معهد واشنطن، موقع: https://www.washingtoninstitute.org، 23/05/2019.
3_ “أمريكا والعراق ما بعد داعش”، مركز الروابط والبحوث للدراسات الإستراتيجية، موقع: http://rawabetcenter.com، 22/04/2019.
4_ مثال الآلوسي، “دور الولايات المتحدة الأمريكية في تحديد مستقبل العراق”، معهد واشنطن، موقع: https://www.washingtoninstitute.org، 27/05/2019.
([1]) زيد عبد الوهاب، “مستقبل التواجد الأمريكي في العراق“، مركز العراق الجديد، موقع: https://www.newiraqcenter.com، 20/05/2019.
([2]) زيد عبد الوهاب، المرجع نفسه.
([3]) شكر خلخال، “خطاب ترامب وأزمة التيار السياسي المعتدل في العراق“، معهد واشنطن، موقع: https://www.washingtoninstitute.org، 23/05/2019.
([4]) زيد عبد الوهاب، المرجع سبق ذكره.
([5]) “أمريكا والعراق ما بعد داعش“، مركز الروابط والبحوث للدراسات الإستراتيجية، موقع: http://rawabetcenter.com، 22/04/2019.
([6]) مثال الآلوسي، “دور الولايات المتحدة الأمريكية في تحديد مستقبل العراق”، معهد واشنطن، موقع: https://www.washingtoninstitute.org، 27/05/2019.