على سبيل النجاة
بقلم: أحمد طه الغندور – المركز الديمقراطي العربي
قد يبدو للمراقب أن الأفق يضيق بالفلسطينيين، وأن المشهد مجلل بالسواد وأن القضية الفلسطينية قد أضحت في فصلها الأخير قبل أن يُسدل الستار عليها بعد قرن أو يزيد من الكفاح في وجه الظلم والاحتلال الأبشع في التاريخ.
لا شك بأن هذا الشعور هو ما يحاول الاحتلال ومن يقف ورائه من بسطه على المنطقة، ولكن هذا الأمر لا يمكن القبول به، فلا يمكن أن يتم شطب الفلسطينيين وقضيتهم من الخارطة العالمية، مهما بلغت شراسة الاحتلال.
وفي البداية لا بد أن نُسجل هنا بأن الاحتلال الإسرائيلي لم ينجح طيلة قرن من الزمان في أن يكون الدولة الآمنة لقاطنيه نظراًلعدوانه المتكرر على دول الجوار، وممارسة سياسات العقاب الجماعي والفصل العنصري في الداخل، الذي لم يجد الفرصة لقيام السلام.
هذا الاحتلال الذي حظّي ولا يزال بكافة صور الدعم الغير مشروط من الغرب والشرق من أجل الإبقاء على دوره الوظيفي كأداة استعمارية في المنطقة، يجري استخدامها والتهديد بها في كل وقت وحين.
وهنا يكمن السؤال هل وصلت القضية الفلسطينية إلى فصلها الأخير؟
والإجابة البديهية والقاطعة على هذا السؤال هي بالنفي، ولعدة أسباب، نُشير إلى البعض منها في هذه العجالة.
أولاً، من المهم أن ندرك أن المشهد السياسي لا يتم فهمه بشكل دقيق إلا من خلال نظرة واسعة ” بانورامية “، وبالطبع لا تكفي النظرة القصيرة الداخلية، وهنا لو أخذنا نظرة بانورامية للمشهد السياسي العالمي منذ اقتحام إدارة “ترامب” للبيت الأبيض؛ لوجدنا أن التوتر يزدار ويستشري في الواقع السياسي على المستوى العالمي وهو يلقي بظلاله على القضية الفلسطينية.
فما يشهده العالم اليوم هو “الحروب الاقتصادية” التي تشُنها إدارة “ترامب” على العديد من الدول الهامة في العالم، بداية من الجارة “المكسيك” وصولاً إلى الشرق الأقصى “كوريا” و “الصين”، “روسيا”، مروراً بالشرق الأوسط “إيران” و “تركيا”، بغض النظر من هو الصديق والحليف أو العدو؟!
ولا زالت هذه الحروب تمتد دون هوادة، وبدأت مظاهر الضجر في الدبلوماسية الدولية تُعبر عن رفضها، ولعل أقواها وأحدثها ما صرح به الرئيس الروسي “بوتين”؛ من ” أنالعالميمربمرحلةخطيرة،وأنهمنالهامالبحثعنبدائلللمواجهةالمتزايدة،فيماقالالكرملينإنهمضطرللردعلىكلمايقوّضالاستقرارالعالمي”.
وقد جاء ذلك خلال تحية وجههاالرئيسبوتينللمشاركينوالضيوفوالخبراءالعلميينفيمنتدى “قراءاتبريماكوف” التي عُقد في موسكو نهاية الأسبوع الماضي للمرة الخامسة تكريماً لذكرى وزير الخارجية ورئيس الوزراء الروسي السابق؛”حكيمالدبلوماسيةالروسية”” يفغينيبريماكوف “.
فهل تنجح ” الدبلوماسية البناءة ” التي تنتهجها موسكو في التصدي للدبلوماسية “المدمرة” التي تمارسها إدارة “ترامب”، أما أن الأمر سيمضي في اتجاه المواجهة العسكرية؟!
هذه المواجهة العسكرية أو الحربية لن تكون بدايتها مع “روسيا” بالقطع، ولكن هناك دول أخرى مرشحة لذلك أقربها “إيران” التي تمد أصابعها بالنار في الخليج العربي رداً على العقوبات والحرب الاقتصادية الأمريكية!
ثانياً، يجب أن نأخذ بالاعتبار أن “الشعور السوداوي” الذي يحيط بالقضية الفلسطينية الذي يحاول تصديره للمشهد العام من أجل بعث اليأس في الوجدان العربي والفلسطيني؛ “فريق ترامب” من “الصهاينة الإنجليكيين”، ولكن دون جدوى، إذ لا زال الفشل يميز مخططاتهم فيما يُعرف باسم “صفقة القرن” التي لم تحظَ بفرصة للنشر على العامة لخروج الحليف “ناتنياهو” المتوقع من المشهد الإسرائيلي، وهذا الفشل عينه قد يصاحب “ورشة البحرين” أو المقدمة الاقتصادية المفتعلة للخطة السابقة، فقد شرعت مياه الخليج بالاشتعال مع الأخبار القادمة من هناك باندلاع “حرب الناقلات”!
على ما يبدو أن “إدارة ترامب” لم تجزم أمرها، أيهما أجدى أو أنفع لهذه الإدارة؛ الجباية المتحققة من هذه الورشة رغم غياب أصحاب الشأن، أم دفع “إيران” لإشعال الخليج وتهديد الجيران، وبالتالي جباية أثمان الدفاع الأمريكي المزعوم عن المنطقة، بما فيها أسلحة الدمار!
وبالرغم من الفشل السابق الإشارة إليه، إلا أن “فريق ترامب” لا زال يُقوي صفوفه داخل المؤسسات الأمريكية، فقبل أسبوع نجح وزير الخارجية “مايكبومبيو” في إدخال “ديفيدشينكر”كمساعدوزيرالخارجيةلشؤونالشرقالأدنى، رغم كونه من خارج أعضاء السلك الدبلوماسي، بل هو من مستشاري “البنتاغون” وأحد الباحثين البارزين في “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى”، وهو الذي كتب مقالاً في سنة 2009 تحت عنوان؛ أين اختفىالفلسطينيون المعتدلون؟
كان ذلك في خضم البحث الفلسطيني عن أي سبيل أو شريك حقيقي للسلام، الأمر الذي أصر الرئيس الفلسطيني على إظهاره بشكل جلي رغم المعارضة الداخلية أحياناً.
تُرى ما سيكون عليه رأي “شينكر” المهندس الأول للدبلوماسية الأمريكية في الشرق الأدنى بعد أن أصبح الرئيس الفلسطيني يواجه قرارات هذه الإدارة بالرفض وبالشتيمة أحياناً؟!
أخيراً، إن جاز التعبير عن استخدام مصطلح “الصراع” لوصف “العدوان الإسرائيلي” على الفلسطينيين لم يكن استخدام موفق، فالصراع يبدأ الأن مع انفجار ” القنبلة الديموغرافية ” التي يخشى الاحتلال منها، حيث لم يفلح الاحتلال طيلة قرن من الزمن في جلب اليهود وغير اليهود من الصهاينة إلى فلسطين المحتلة، فمن أين له أن يتصدى لهذه القنبلة رغم الهجرة الغير شرعية والاستيطان والقتل وجرائم الحرب ردحاً من الزمن، فماذا يملك في جعبته؟!
من المؤكد أن القضية الفلسطينية تمر بوقت صعب ـ ومتى لم تكن كذلك ـ ولكنها بخير، وما على القيادة إلا تتلمس سبل النجاة داخلياً وخارجياً.
داخلياً؛ بإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة، وإشاعة العدل واحترام القانون والنظام في ربوع الوطن فعلياً وليست شعارات للمناكفة السياسية!
خارجياً؛ لا زالت الدبلوماسية الفلسطينية تُحقق نجاحات مبهرة، فعلينا المُضي قدماً في هذا المجال مع تقديم المصلحة الوطنية على المجاملة الدبلوماسية، فقد جاء الزمن ” لجذب الشعرة وعدم إبقائها مرتخية “، من الضروري العمل قانوناً على كافة المستويات ضد “إدارة ترامب” والاحتلال، مع إعادة النظر في القائمة الدولية لتحديد من الحليف والصديق بدلاً من مصادقة ومجاملة الأعداء حتى من لبس منهم ثياب الأخ!