الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

تحديات البحث العلمي : النشر العلمي الإلكتروني نموذجاً

اعداد : د. إسلام عيادي – أستاذة العلاقات الدولية – الجامعة العربية الأمريكية

  • المركز الديمقراطي العربي

مقدمة:

يعرف النشــر العلمــي بأنه عمليــة إيصــال النتــاج الفكــري مــن مرســل إلــى مستقبل، ووفــقاً لنظريــات الاتصــال يعد النشر العلمي المحصلة النهائية للبحوث العلمية، والبــاب الرئيســي لنشــر العلم والمعرفــة، ومصــدراً أساسياً للحضارة الإنسانية، كما أنه البنية الأساسية لتأسيس وتطـوير التعلـيم بجميع مراحله. ويمكن تعريفه بأنه وسيلة فاعلة لإيصال النتاج الفكري الرصين عبر قنوات خاصة، لذلك تكون في أغلبها محكمة ومعترفاً بها لكي تعطي الحماية الفكرية والخصوصية لهذا النتاج، ومن ثم الفائدة العلمية المرجوة منه.

ويعتبر نشر النتائج البحثية والدراسات والتقارير والكتب العلمية عملية ضرورية لنشر المعرفة والمساهمة في تبلورها التراكمي، في هذا الصدد تسعى الجامعات ومراكز البحث والدراسات وكذلك الباحثين لنشر أبحاثهم العلمية ضمن أوعية النشر الأكاديمية المتعددة والتي تعتمد المعايير العلمية سواء كانت مجلات أو دوريات علمية متخصصة أو كتب، وذلك بغرض تبادل المعرفة والنتائج ضماناً لفعالية الدراسات والأبحاث وتكامل نتائجها وتحقيقاً لأهدافها. إذ تمثـل المجلات العلمية والدوريات المتخصصة مصدراً للمعلومات العلمية، فالنشـر العلمـي يعد أحـد أهـم آليـات إثـراء المعرفـة العلمية والتبـادل المعرفـي، إلـى جانـب دور النشـر فـي تصنيـف الجامعـات والمؤسســات العلميــة والبحثيــة وترتيبها عربياً وعالميــاً. وإن كان المعـدل الكمـي للنشـر العلمـي يحظى بأهمية بالغة إلا أن المعـول عليـه هـو القيمة العلمية والأكاديمية للبحوث والدراسات، وكذلك قيمـة الأوعيـة التـي يتـم النشـر ضمنها، وهو ما يبرر اهتمام المراكز والمؤسسات العلمية كافة بالقيمــة العلمية للدراسات والبحوث وأوعيــة النشـر الصـادرة عنهـا.

إن عملية النشر العلمي ليس بالعملية البسيطة والهينة، ولا يمكن لأي شخص القيام بنشر بحثه العلمي أو المقالات العلمية أو أي شيء يقوم بكتابته يستطيع نشرها بسهولة، ولا يتم قبول أي أعمال علمية دون تقييمها ومناقشتها، ولذلك لأن جميع ما يتم نشره يعتبر كمرجع ومصدر للطلاب عند إعداد أبحاثهم العلمية أو التقارير العلمية، فكيف إذا أخذ من مرجع غير موثوق؛ لذا توجد ضوابط لعملية النشر العلمي ولا يقبل أي ما كان، ولأنها تحقق العديد من الفوائد منها يستطيع الباحث الحصول على ترقية تأهله للعمل بوظائف ومراكز عالية، وبناء على ذلك، فالنشر العلمي يتراكم عليه الكثير من الأفعال و النتائج لذا لا يمكن الخطأ فيه بأي شكل من الأشكال.

ويعد الاهتمام بالبحث العلمي المرآة العاكسة والمنطقية على الطلب المتزايد على النشر العلمي، حيث لا قيمة لأي إنتاج علمي إلا بنشره وإخضاعه المباشر للتحكيم لتحديد ومعرفة مستوى المعرفة ومدى صحتها، بالإضافة إلى ما يشكله النشر من قيمة علمية تسهم في الرقي العلمي وتطوير الأبحاث، ناهيك عن بعض الحوافز المادية المكـتسبة من النشر العلمي التي قد تشكل دافعاً للباحث في البحث عن المزيد من الإنتاج الإبداعي.

والاختلاف الأكثر وضوحاً في النشر العلمي بين الماضي والحاضر هو التغيير الكبير في توصيل البيانات وفي تفسيرها. ولم يجلب إضفاء الطابع الديمقراطي على العلم عبر الإنترنت فوائد فحسب، بل جلب أيضاً تحديات للنشر بما في ذلك السلوك الاحتيالي والانتحال الأدبي ومعايير الإبلاغ عن البيانات وتأكيد التأليف وغيرها من القضايا التي تؤثر على المؤلفين والقراء والناشرين بطرق مختلفة. ونستعرض هنا أهم التحديات التي تواجه النشر العلمي.

أولاً: التأليف، يميل عدد المؤلفين في أي منشور إلى الزيادة بشكل كبير مع مرور الوقت، لأن الشبكات العالمية أتاحت للمشاريع البحثية أن تصبح أكثر تعاونية. في حين أن التأليف المشترك في المنشور ينطوي دائماً على المسؤولية الكاملة عن محتوى الورقة البحثية، فإن الحصول على البيانات اللامركزية قد أعاق خيارات فريق التحرير للتحكم في الجودة والجدارة بالثقة. فعند إرسال الورقة البحثية إلى المجلة، يتم الاتصال بجميع المؤلفين المشاركين المدرجين في الورقة عن طريق البريد الإلكتروني من أجل التحقق من مساهمتهم عن طريق الرد. أما بالنسبة للأبحاث التي تتحرك نحو القبول النهائي، يحدث أن يضيف المؤلفون المقبولون مؤلفين آخرين إلى القائمة، وفي هذه الحالات يطلب مكتب التحرير بياناً يوضح بالتفصيل المساهمة المحددة للمؤلف المشارك الجديد. وفي معظم الحالات، يتم تبرير إضافة مؤلف مشارك جديد من خلال مساهمة البيانات الإضافية التي تم طلبها أثناء عملية المراجعة، وهذا الإجراء يمكن أن يساعد في زيادة عتبة السلوك الاحتيالي، على الرغم من أنه من المؤسف أنها تؤدي بشكل ضمني إلى مزيد من العمل للمؤلفين الصادقين وكذلك موظفي مكتب التحرير.

وقد شهدت عدة حالات اضطر فيها المؤلف الرئيسي في النهاية إلى تحمل المسؤولية عن البيانات التي تم التلاعب بها بواسطة مؤلف مشارك. يؤكد هذا على ضرورة قيام المؤلفين بإثبات دقيق لجميع البيانات المقدمة للنشر بإسمهم، نظراً لأن عدم وعي المؤلفين المشاركين الفرديين بالتلاعب لن يمنع الورقة البحثية من التصحيح أو حتى التراجع عنها. وفي الآونة الأخيرة، لفتت وسائل الإعلام العلمية الانتباه إلى وجود سوق سوداء لقوائم المؤلفين على المخطوطات المقبولة للنشر. تبيع الشركات المتخصصة خانات المؤلف “الأولى” أو “المقابلة” بآلاف الدولارات، ويعتمد المبلغ على عامل التأثير وسمعة المجلة المعنية، في حين أنه من غير المحتمل أن تقتصر هذه الظاهرة على سوق واحد، فقد حلل مؤلفو هذه المقالات الأسباب والتفسيرات المحتملة لسبب ارتفاع ضغط النشر في المجلات ذات السمعة الطيبة بشكل خاص. إن توثيق مثل هذه الحالات، حطم ثقة الجمهور في العلم، ويتناقض مع الطريقة التي كان يُنظر بها إلى العلم آنذاك وحالياً، وفي النهاية، يجب أن يكون المجتمع العلمي قادراً على الوثوق في صحة البيانات المبلغ عنها، ومع ذلك، إذا كانت المخاطر كبيرة وكانت المخاطر محدودة، فقد يكون أعضاء هذا المجتمع مدفوعين بدوافع يمكن أن تهدد النزاهة.

ثانياً: المراجعين المزيفين، نشأت مشكلة ذات صلة مع ظهور أنظمة إرسال عبر الإنترنت واسعة النطاق يتم فيها تشجيع المؤلف المقدم أو مطالبته باقتراح الحكام، مع تزويد المحررين بعناوين البريد الإلكتروني للاتصال. جنباً إلى جنب مع العديد من الآخرين، فالمجلة يجب أن تتعامل مع العديد من حالات عناوين البريد الإلكتروني المزيفة للمراجعين والمرتبطة بحسابات المستخدم الخاصة بالمؤلف، بدلاً من شخص ثالث مستقل. إن الغرض من تقديم مراجعة إيجابية للورقة البحثية هو واضح، على الرغم من أنه ليس من الواضح تماماً لمحرري المجلات.

لذلك يجب على المحررين التحقق من هوية المراجع، الأمر الذي يمكن تخفيفه عن طريق معرفة الباحثين الشائعة بشكل متزايد. يتمثل أحد الحلول الأخرى للمشكلة في التخلي عن خيار اقتراح المراجعين، ولكن نظراً لأن العديد من المحررين يجدون اقتراحات الحكام مفيدة، فإن كلتا الحالتين تتطلب دراسة متأنية من جانب المحررين عندما يتعلق الأمر بدعوة الحكام، على سبيل المثال، عن طريق التحقق من أوراق اعتمادهم على صفحات الويب المؤسسية أو سجلات النشر.

ثالثاً: السرقة الأدبية، مع الاستخدام الروتيني لبرامج الكشف عن الانتحال، أصبح الكشف عن أوجه التشابه النصية أمراً واضحاً. ومع ذلك، فإن فصل الانتحال “الحقيقي” عن أوجه التشابه تلك في بناء الجملة أمر لا مفر منه في بعض الأحيان عند وصف إعدادات مماثلة لا يزال يمثل تحدياً، ولا يزال يتطلب قراراً بشرياً. والفكرة من وراء عمليات التحقق من السرقة الأدبية هذه هي التأكد من الاعتراف بالمصادر الأصلية، وكذلك تجنب التكرار غير الضروري، على سبيل المثال، المنهجية التي تم الإبلاغ عنها بالتفصيل في مكان آخر. تعد إعادة صياغة الفقرات المسروقة عملية عبثية إذا ظل المصدر الأساسي غير معترف به، وبالنسبة للمحررين فإن توصيل هذا الاختلاف إلى المؤلفين أمر صعب في بعض الأحيان. هذا ينطبق بشكل خاص على الانتحال الذاتي. والجدير بالذكر أن قائمة المؤلفين المحددة قد تختلف من ورقة بحثية إلى أخرى. لهذا السبب على الأقل، من المهم الإشارة إلى المصادر الأصلية.

وقد نشأت النسبة الأكبر من قضايا الانتحال التي تعاملت معها المجلات بسبب التقديمات من المتحدثين غير الناطقين باللغة الإنجليزية، وهي لغة الغالبية العظمى من المنشورات في المجلات الدولية. فقد يواجه المؤلفون الصينيون واليابانيون والروس وغيرهم تحديات خاصة بسبب اختلاف الحروف، أو يواجهون صعوبات أكبر في كتابة أوراقهم البحثية بلغة أجنبية. ومع زيادة الاندماج العالمي، ستصبح الطلاقة في لغة المجتمع هذه أكثر انتشاراً، وكذلك استيعاب المعايير الأخلاقية المتأثرة ثقافياً في العلوم. وفي الوقت نفسه، قد يُنصح المؤلفون الذين لا يجيدون اللغة الإنجليزية بالحصول على أوراقهم البحثية بحيث يقوم بالتدقيق اللغوي شخص ما، أو الاستفادة من خبراء تحرير اللغة.

ولغاية الآن، لا يتوفر أي برنامج لفحص الصور يسمح بفحص الأشكال بطريقة سهلة. ومع ذلك، وبالنظر إلى سرعة تطوير أدوات البرمجيات بسرعة الضوء، فإن الأمر يبدو مجرد مسألة وقت حتى يتحقق ذلك. حتى ذلك الحين، يواصل المحررون والمراجعون الفحص البصري للصور، والذي كشف عن العديد من التلاعبات في الماضي.

رابعاً: صعوبة الحصول على مراجعين، يواجه معظم محرري المجلات صعوبات في العثور على عدد كافٍ من المراجعين المناسبين، وتحقيق التوازن بين عبء العمل لديهم من ناحية، والحاجة إلى تقارير مفصلة ومتطورة توضح المشكلات بطريقة بناءة للمؤلفين من ناحية أخرى. في حين أنه من المعقول أن يقوم كل باحث بمراجعة أكبر عدد من الأوراق البحثية سنوياً كما يقدم، فلا شك في أن العبء يزداد مع زيادة أعداد الطلبات المقدمة.

وقد يتم إرسال ورقة بحثية إلى مراجع واحد فقط في البداية، وفقط إذا كان هذا التقييم إيجابياً، ترسل الورقة إلى مراجعين آخرين للحصول على رأي آخر. كثيراً ما يتم طلب رأي آخر في وقت لاحق من العملية عندما يعود تقريران بآراء متعارضة. ومع ذلك، فإن الانتظار لعدة أسابيع للحصول على تقرير قبل دعوة الآخرين يكلف وقتاً أطول بكثير، وهو مورد محدود في بيئة نشر ديناميكية للغاية.

وقد تستغرق كتابة مراجعة سليمة على ورقة علمية يوماً كاملاً أو أكثر، ولا ينبغي أن ننسى أنه في معظم الحالات يكون هذا عملاً تطوعياً وغير مدفوع الأجر، وهو أمر قد يتغير في المستقبل إذا كان المراجعون أقل رغبة في الإنفاق.

الخاتمة:

يعد الاهتمام بالبحث العلمي المرآة العاكسة والمنطقية على الطلب المتزايد على النشر العلمي، حيث لا قيمة لأي إنتاج علمي إلا بنشره وإخضاعه المباشر للتحكيم لتحديد ومعرفة مستوى المعرفة ومدى صحتها، بالإضافة إلى ما يشكله النشر من قيمة علمية تساهم في الرقي العلمي وتطوير الأبحاث، فإن الحوافز المادية كذلك المكتسبة من النشر العلمي تشكل دافعاً قوياً للباحث في البحث عن المزيد من الإنتاج الإبداعي، إلا أنه بالرغم من القيمة العلمية للنشر العلمي فإن الصعوبات الواقعية قد أصبح الباحث في ظلها حبيس لأسباب وقيود تعرقل أي مسار علمي ناجح يمكن أن يستفيد منه الباحث والمجتمع في نفس الوقت، إلا أن هذا لا يمنع من وجود حلول يمكن أن تحد من الصعوبات والتحديات لتذليل كافة العقبات التي يمكن أن تحول دون تحقيق المستوى المطلوب عالمياً من حيث الكم والنوع  من الإنتاج العلمي وهذا من خلال: العمل على إيجاد نشر علمي يتميز بالأمانة والشفافية، فقد أصبح النشر العلمي في أي جامعة من الجامعات أهم مقومات وجودها كمؤسسة تعليم عال. وحماية المؤلف من السرقات الأدبية مع ضمان حرية الفكر للمؤلف.

4.7/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى