الشرق الأوسطتقارير استراتيجيةتقدير الموقف

الفلك الإقليمي و احتمالات الدوران العراقي الحر

اعداد : د.علي بشار بكر اغوان

أستاذ العلوم السياسية جامعة بيان / إقليم كوردستان العراق / اربيل

مؤلف كتاب الفوضى الخلاقة : العصف الرمزي لحرائق الشرق الاوسط

18/12/2014

العراق – اربيل

ليس سهلاً ان يدور رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي بالعراق داخل الفلك الإقليمي المحيط ، بحرية و استقلالية مطلقة ، فأي نظرة فاحصة و سريعة للبيئة الإقليمية الشرق أوسطية المؤثرة و المتأثرة بالعراق : تفضي بالقول انه من الصعب على العبادي الآن و في هذه الظروف ان ينسلخ بسهولة ممتنعة من مدارات السياسة الخارجية العراقية السابقة لمدة ثمان أعوام حول إيران ، بسبب تعقد الوضع الإقليمي و تشعب توازناته و امتداداتها الجيواستراتيجية . ان فرص الانفتاح الإقليمي حالياً بعد تغيير رئيس الوزراء السابق نوري المالكي مهمة جدا بالنسبة للعراق ، بيد انه من المهم أيضاً لإيران(كما تدرك العراق و تتصوره) ان يبقى يدور بالقرب منها وليس بعيداً عنها ، و هذه من اكبر التحديات التي تقف أمام صانع القرار العراقي في هذه المرحلة ، لأسباب تتعلق بإيران و بأمنها الجيواقتصادي و الجيوامني الإقليمي ، فإيران الآن محاصرة دولياً و استراتيجياً ، لذا يمثل العراق بالنسبة لها بمثابة فناء خلفي واسع .

بيد ان ثمة مؤشرات واضحة على رغبة و نية العبادي و حكومته الحالية ان يكون للعراق حضوه إقليمية جديدة باستقلالية نسبية عن إيران يمكن قياسها عبر الزيارات المتبادلة بين مسؤولين عراقيين الى دول الجوار الإقليمي و المحيط العربي و غير العربي القريب و البعيد ، و هذا ما يمكن الاستدلال عليه عبر الإدراك الأمريكي للعراق و قضية ضرورة عودة النفوذ اليه من جديد بعد لانسحاب عام 2011 ، هذه الرؤية الأمريكية الجديدة توحي و بشكل تلقائي ان النفوذ الإيراني سينحسر و يتقلص قليلاً بالتوازي مع زيادة النفوذ الأمريكي العائد من جديد ، بيد ان السؤال الأصعب : ما هو هامش الحركة الإقليمية العراقية المسموح بها من قبل إيران ؟؟ ان مجرد طرح هذا السؤال بهذه الصيغة يدلل على أننا لازلنا نتحدث عن عدم قدرة للحركة بحرية تامة ، و هذا يعني انه من المبكر القول بالانسلاخ الكبير للعراق عن الكماشة الإيرانية.هذا الطرح لا يعني جعل إيران او غير إيران في موقع العداء او المواجهة بقدر ما يجب على العبادي ان يرسم الخطوط التي لا يجب ان يكون لإيران تدخل فيها ، و يحدد مسارات و اتجاهات سياسته الداخلية و الخارجية النابعة من التصور الحر لبناء الدولة باليات عراقية وطنية وليس عبر ربط فرضيات البناء العراقي للدولة بالتبعية الإيرانية ، و اغلب الظن ان العبادي يسير في هذا الاتجاه .

إشكاليات الانفكاك الإقليمي

من جانب آخر : ربما يسأل سائل هل الوقت الآن مناسب للحديث عن إمكانية إقامة علاقات إقليمية عراقية متوازنة مستقلة قائمة على رؤية ناضجة تنطلق من فرضية مستقاة من ان استقرار الداخل يعتمد على ما يحصله العراق من مكاسب في الخارج ؟؟ هذا التساؤل منطقي الآن و مهم للغاية بسبب ما يمر به العراق من مشكلات عميقة سبب جزء كبير منها هو عدم تهيئة البيئة الخارجية بشكل مناسب، و التداخلات الإقليمية و المصالح المتضاربة ، بيد ان هذا الظرف الحالي لا يمنعنا من البحث في تحديد إشكاليات الانفكاك العراقي عن تبعياته الإقليمية ، فضلاً عن دراسة فرضيات بناء التصور الحر للبيئة الجيواقليمية النابعة من إدراك الذات العراقية لمحيطها و القدرات الداخلية المتوافرة ، فوضع العراق الآن بكل الأحوال استثنائي ، سيتغير عما قريب ، وقد بدأت بوادر هذا التغيير تتضح رغم بطأها و فشل بعضها تكتيكياً ، إلا ان حتمية التغيير قادمة لا محال ، من الضروري ان يصاحب هذا التغيير عملية انفكاك و انفضاض إقليمي عراقي .

لذا ان إشكالية الدوران العراقي الإقليمي ضروري جدا ، يحتاج الى تصور حر و الى إدراك للذات و الى انفتاح مسؤول و منظم غير مرتبك يعتمد إدارة للموارد والإمكانيات عبر إستراتيجية متكاملة يعدها و يصنعها خبراء و مختصي و محترفي الأمن القومي ، بيد ان السؤال الأقوى هنا: هل يمتلك العراق الآن هكذا إمكانيات عقلية و إستراتيجية تستطيع وضع تصورات و توجهات عميقة مستقلة للعراق ، تصب في مصلحة الداخل واستعادة التوازن المفقود ؟؟ الجواب صعب جداالآن، بيد ان محاولة الإجابة تعطينا مفاتيح رئيسية لفك شفرات الموضوع ، نستنتج منها ان العقول العراقية و لمدة ثمان أعوام سابقة تم تجريفها و تسفيهها و إبعادها عن موضع القرار و صناعته و هذه القضية هي التي جعلت من البلاد تقترب جدا من شفير الهاوية. فبعد انسحاب العراق من التوازن الإقليمي الشرق أوسطي بعد عام 2003 ، أصبح طرف هامشي ضابط للتوازن ، بمعنى ان العراق بعد ان كان احد عواميد المنطقة المحورية ، صارت بيئته الداخلية(الداخل العراقي) يتم فيها صنع و ضبط التوازن و تأسيسه و ولادته ، و هذا بالضبط يمكن قياسه عبر البحث في التنافس التركي الإيراني و الدوافع الإقليمية الأخرى داخل هذا البلد و تقاسم المصالح.

هل الفرصة لا تزال سانحة ؟؟

رغم كل شيء موجود الآن في العراق و محيطه الإقليمي من تداعيات و تصدع للنظام الإقليمي العربي ، إلا انالفرصة العراقية لا تزال سانحة للانفلات من الكماشات الإقليمية الإيرانية و التركية و غيرهم من الفواعل الإقليميين المؤثرين ، بيد ان العراق يحتاج الى وقت كافِ و توظيف موارد و قبلها و أهمها استعادة التوازن المفقود جدا في الداخل العراقي ، فبالإمكان وضع خطة عشرية توضح ما يجب ان يكون عليه العراق ، بيد ان الأهم الآن استعادة المفقود ، من ثم التفكير بهذا الأمر .لذا من الضروري  على العراق عدم انتظار او اقتناص الفرصة بقدر ما عليه ان يصنع الفرصة لنفسه و يديرها . فحجم القيود على ادوار الآخرين مهم بالنسبة للعراق ، لكن انتظار الفرصة لتحجيم ادوار الدول الإقليمية الأخرى ربما يطول ، لذا من الضروري على العراق ان ينفك و بعد خروجه من هذه الأزمة الداخلية عن تبعياته الإقليمية الصارخة و التي تراكمت و أثقلت كاهل حركته الإقليمية طوال اكثر من ثمان أعوام سابقة من ثم  ينتقل من قضية الدوران في فلك الآخرين الى صناعة المجال الإقليمي الحيوي الخاص به . فمن الخطأ انتظار تراجع مكانة الآخر الإقليمية لكي يأتي العراق و يملئ هذا الفراغ .

ان الرؤية العراقية الحالية يجب ان تكون نابعة من التصور الحر للحظة الزمنية الراهنة ، فضبط البيئة الداخلية و الخارجية يحتاج الى صفاء ذهني واسع ، لا عبر ردود الأفعال والانفعالات العاطفية. فمعالجة أزمة ما عبر العاطفة (الإيديولوجية الضيقة للحاكم او من يحيط من حوله في العراق لمدة ثمان أعوام سابقة) قد تسويها مؤقتاً ، بيد ان الأزمات العراقية تحتاج لمعالجات جذرية تجفف منابع الأزمات و ردمها ، هذا الأمر يحتاج الى استقرار مؤسساتي نابع من بنية إستراتيجية ناضجة و رؤية واضحة لما يجب ان يكون و ما يصف في رؤية و بناء مشروع عراقي وطني موحد ، و هو ما كان مفقود طوال مرحلة ولايتي المالكي لمدة ثمان أعوام.

Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى