الكيان الصهيوني عضو مُراقب بالإتحاد الأفريقي : الأسباب والتداعيات المُحتملة
اعداد السفير: بلال المصري – سـفـيـر مصر السابق لدي ألأنجولا وساوتومي والنيجر
- المركز الديمقراطي العربي
أعلن الإتحاد الأفريقي في 22 يوليو 2021 عن قبوله الكيان الصهيوني عضواً بالإتحاد بصفة مُراقب بالرغم من المعارضة الشديدة لهذا القرار من الجزائر وجنوب أفريقيا , وتبريراً لهذا التطور قالت إيبا كالوندو المتحدثة باسم الإتحاد الأفريقي في تصريح أدلت به في 22 يوليو 2021: ” أن الاتحاد الأفريقي كان واضحا للغاية في موقفه بأن حل الدولتين ضروري لتعايش سلمي”, وهو الحل الذي تدعمه الولايات المتحدة الأمريكية وأكده علناً وزير الخارجية الأمريكي Anthony Blinken في زيارته للكيان الصهيوني في 25 مايو 2021 إذ قال : “إنه من الممكن استئناف الجهود للتوصل إلى حل الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية ” , وقد أضافت المُتحدثة باسم الإتحاد الأفريقي قولها : “إن هناك أكثر من 70 سفارة غير أفريقية ومنظمة غير حكومية معتمدة حاليا لدى الاتحاد الأفريقي” .
كانت إستعادة الكيان الصهيوني لصفة العضو المُراقب بالإتحاد الأفريقي هدفاً سعي الكيان الصهيوني بدأب وصبر لا ينفذ منذ2002 عندما قرر الإتحاد الأفريقي إنهاء صفة العضو المُراقب التي حازها الكيان في منظمة الوحدة الأفريقية OUA وذلك مع إنتقال هذه المنظمة القارية لمرحلة الإتحاد الأفريقي التي مارس في بدايتها الزعيم الليبي معمر القذافي ضغوطاً هائلة علي مستوي دول الإتحاد بلا إستثناء إلي أن نجح في إقصاء الكيان الصهيوني عنه وإفقاده صفة العضو المراقب , ومع ذلك إستكشف الكيان الصهيوني إمكانية تقدمه لإسترداد هذه الصفة عام 2003 لكنه تأكد من إستحالة ذلك مع إستمرار ممارسة الزعيم القذافي لنفوذه المُمتد في داخل الإتحاد الأفريقي وعلي صعيد علاقات ليبيا الثنائية مع الدول الأفريقية , وفي الواقع أن نجاح القذافي في إقصاء الكيان الصهيوني عن الإتحاد الأفريقي كلف الصهاينة الكثير , لذلك قام وزير الخارجية الإسرائيلي السابق Avigdor Lieberman في بداية يونيو 2014 بجولة أفريقية أستغرقت عشرة أيام إلي رواندا وساحل العاج وغانا وإثيوبيا وكينيا أستهدفت الترويج لمسعي إسرائيل للحصول علي صفة ” مراقب ” بالإتحاد الأفريقي , ثم وفي يوليو2016 وقبل عقد قمة الإتحاد الأفريقي في كيجالي في الفترة من 10 إلي 18 يوليو 2016 قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بزيارة لبعض دول شرق أفريقيا تدشيناً للإستراتيجية الراسخة التي بدأتها إسرائيل في خمسينات القرن الماضي وأستأنفها Netanyahu , أعقبها زيارة Dore Gold مدير عام الخارجية الإسرائيلية لغينيا التي قطعت في 5 يونيو 1967علاقاتها الدبلوماسية مع تل ابيب بطريقة مهينة وإلتقي Dore Gold الرئيس الغيني Alpha Conde في إطار الإعلان عن إستعادة العلاقات الغينية / الإسرائيلية في 20 يوليو 2016 وقد توقف Dore Goldفي طريقه إلي غينيا في ندجامينا حيث إلتقي هناك بالرئيس التشادي إدريس دبي (رغم قطع العلاقات بينهما) لبحث مستقبل العلاقات والتي تم إستعادتها لاحقاً , ومن بين الجهود المهمة التي بذلها الكيان الصهيوني ذلك التحرك الفاشل الذي شاركت فيه توجو الكيان الصهيوني لعقد قمة ” إسرائيل – أفريقيا ” في الفترة من 16 إلي 20 أكتوبر أكتوبر 2017 في العاصمة التوجولية Lomé تحت عنوان “الأمن والتنمية “وتركز علي مسائل الأمن ومكافحة الإرهاب والعلاقات الإقتصادية والتعاون في مجالات الزراعة والتقنيات الجديدة , وتعتبر المحاولة الأخيرة التي أحرز فيها الصهاينة مكسب صفة المُراقب بالإتحاد الأفريقي هي الثالثة من نوعها * (السفير بلال المصري . الحملة الصهيونية الثالثة للحصول علي صفة العضو المُراقب بالإتحاد الأفريقي وخطورتها . موقع رأي اليوم . 26 ديسمبر 2019) فقد سبق ان تقدم الكيان بهذا الطلب عامي 2014 و 2018 لكنهما رُفضا, وعلي أية حال فمازالت هناك دول أفريقية مُمانعة لتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني كالنيجر ومالي وأخري لا تتناول مسألة العلاقات مع الصهاينة بنفس السهولة التي تناولت بها بلد كالإمارات هذه المسألة كحالة السنغال وجنوب أفريقيا .
في اول رد فعل فلسطيني علي هذا الحدث قال طارق سليمي المتحدث باسم حركة الجهاد المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية : ” إن منح صفة المراقب للكيان الصهيوني نكسة كبيرة في سياسات الاتحاد الأفريقي الذي عانت دوله على مدى عقود من الاحتلال والعنصرية وخاضت شعوبه ثورات كبرى ضد الاستعمار والعنصرية ” ووصف القرار بأنه : “لا يمثل شعوب إفريقيا التي تدعم عدالة القضية الفلسطينية”, وفي 26 يوليو نُشر مضمون بيان الخارجية الجزائرية في هذا الصدد والذي لم يذكر الكيان الصهيوني بالأسم فقد أُشير فيه إلي أنّ ” القرار الأخير لرئيس مفوّضية الاتّحاد الأفريقي بقبول مراقب جديد ، والذي يدخل ضمن صلاحيّاته الإداريّة ليس من شأنه أن يؤثّر على الدعم الثابت والفعّال للمنظّمة القاريّة تجاه القضية الفلسطينية العادلة”, وعدا هذين الموقفين لم يُرصد رد فعل من أي من الدول العربية الأعضاء بالجامعة العربية التي أصاب بعضها القلق من موقف تركيا الصلب في القضية القبرصية دفاعاً منهم عن حقوق القبارصة اليونانيين , وهذه الدول للأسف لم يبدر عنها رد فعل بشأن هذا التطور الخطير الذي بلا شك سيعترض سبيل التعاون العربي / الأفريقي , فالجامعة العربية بصمتها تجعل موقفها قابل للتأويل فهي إما أنها موافقة ولا تري في ذلك خطراً يُذكر علي علاقتها المُضمحلة بأفريقيا أو أنها غير مُهتمة أو أنها ممنوعة من دول معسكر التطبيع من بيان موقفها , وفي تزامن مُثير للتعجب أعقب قرار الإتحاد الأفريقي هذا الإعلان في 24 يوليو 2021 عن بدء رحلتان تجاريتان تابعتين لشركتين صهيونيتين من تل أبيب للمغرب في تطوير للعلاقات الدبلوماسية التي أقيمت بين المغرب والكيان الصهيوني عام 2020 .
بالرغم من أن الكيان الصهيوني أحرز إنتصاراً ثميناً بحيازة صفة العضو المُراقب بالإتحاد الأفريقي إلا أن هذا لن يعني بالضرورة إفتقاد الصلة بصفة مطلقة ما بين الإتحاد الأفريقي والقضية الفلسطينية , كل ما في الأمر أن إحراز الصهاينة لهذا النصر تحقق بسبب :
(1) المُثابرة والدأب الديبلوماسي الصهيوني وإجتياز هذه الديبلوماسية حاجز العلاقات الديبلوماسية المُفتقدة مع كثير من الدول الأفريقية وتبادل الزيارات علي مستويات مختلفة معها فعلي سبيل المثال لا الحصر نظمت وكالة التنمية الدولية الإسرائيلية للتعاون Mashav والتجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا ECOWAS “مؤتمراً وزارياً زراعياً بين إسرائيل وأفريقيا ” , أو ندوة Seminar بمدينة القدس في 5 ديسمبر 2016 علي مدار ثلاثة أيام بمركز تدريب MASHAV في منطقة Kibbutz Shefayim قرب المنطقة الساحلية الوسطي , تحت عنوان ” تقوية الإنتاجية الزراعية المستديمة بالمناطق الجافة وشبه الجافة ” , وتضمن المؤتمر فيما تضمنه تزويد المشاركين بالمعلومات في مجالات ذات صلة بالزراعة كأنظمة الري وتقنيات إدارة الأراضي والألبان والتوسع الزراعي بحضور باحثين زراعيين وممثلي شركات تقنيات زراعية إسرائيلية , وشارك في هذا المؤتمر (الندوة) 7 وزراء خارجية نيجيريا وتوجو وليبيريا وغينيا والرأس الأخضر وجامبيا وسيراليون ووفود يرأسها كبار المسئوليين من بنين وبوركينافاسو وساحل العاج وغانا وغينيا بيساو والسنغال , وأشار Gil Haskel رئيس الوكالة الدولية الإسرائيبلية للتعاون MASHAV أنهم ودوا “لو أن النيجر ومالي شاركتا في هذا التجمع “, فيما أشار المتحدث باسم وزارة الزراعة الإسرائيلية Uri Ariel إلي أن ” إن المؤتمر يُعقد علي خلفية العلاقات الدافئة بين غرب أفريقيا وإسرائيل والتي تشكل أرضاً خصبة لمزيد من التطور في العلاقات علي المستويين الإقتصادي والسياسي “.
(2) تناقص فاعلية الجامعة العربية إلي ما دون الحد الأدني , فالجامعة بحالتها الراهنة وبموجي قيود قاعدة الإجماع اللعينة لا يمكنها أيضاً التحرك في أي إتجاه أو تبني سياسة مُستقلة لأسباب تتعلق بنظامها الأساسي الذي لا يمنح الأمين العام سلطة القرار المفوضة للملوك والرؤساء العرب حصراً وهم الذين وقع بعضهم طواعية في شرك التطبيع مع الكيان الصهيوني تأميناً لسلطاتهم ونفوذهم المحلي فلا ثمن يمكن تصوره من دولة سيئة السمعة كالكيان الصهيوني المُفلس قيمياً ومادياً , كما أن تناقص فاعلية الجامعة العربية يزيد أن الأمين العام الحالي من هؤلاء المعتدلين الذين يرون أن الواقعية هي الأساس الذي يؤسسون عليه نظرتهم للعلاقة مع الكيان الصهيوني مع أن مبدأ الواقعية لم يلتزم به الكيان الصهيوني وهو يتحرك لتحقيق هدف الحصول علي صفة العضو المُراقب بالإتحاد الأفريقي فلولا تخلي هذا الكيان عن تلك الواقعية لما حقق هدفه , فالواقع يشير إلي أن الكيان الصهيوني لفظه الإتحاد الأفريقي لدي تأسيسه عام 2002 ورُفض طلب الصهاينة للحصول علي صفة العضو المُراقب بالإتحاد مرتين بالإضافة إلي أن دول أفريقية كبري كجنوب أفريقيا ونيجيريا والسنغال تؤيد القضية الفلسطينية بقوة كما أن فشل عقد مؤتمر ” إسرائيل – أفريقيا” في توجو الذي تقرر أن يُعقد في الفترة من 16 إلي 20 أكتوبر2017 بالعاصمة التوجولية Lomé (ولم يُعقد كما قيل لأسباب داخلية في توجو , إلا أن المرجح أن قادة أفارقة مهمين رفضوا المُشاركة) بحضور عدد قيل أنه يتروح بين 20 إلي 25 من القادة الأفارقة وكان فشل عقد هذه القمة وحده كافياً لإقناع الصهاينة بعدم واقعية محاولتهم إلا أنهم لم يلتزموا بقيود الواقع وتطلعوا للمبدأ الذي أصروا علي تحقيقه .
(3) أن الصهاينة ساعدهم في الولوج إلي داخل الإتحاد الأفريقي والحصول علي صفة العضو المُراقب به أن هذه المنظمة لا تحركها المبادئ فهي منظمة ضعيفة في الحقيقة وحركتها السياسية ثقيلة وتحركها بل توجهها القوي الدولية التي تمول معظم أنشطة الإتحاد الأفريقي , فهناك أزمات أفريقية كثيرة ومختلفة في طبيعتها في الماضي وحتي وقتنا الحاضر لم يكن للإتحاد الأفريقي دور فيها ربما لأن الدول الأفريقية أطراف هذه الأزمات لا تدعو الإتحاد الأفريقي للتدخل لأسباب مختلفة أو لأن الإتحاد الأفريقي يؤثر عدم التدخل فيها بسبب ضغوط مختلفة تمارس عليه من القوي الدولية (التي يأتي منها الجانب الأعظم من تمويل أنشطة الإتحاد الأفريقي نفسه ومنها آلية فض المنازعات) وعلي سبيل المثال وليس الحصر أسوق هنا من بين أمثلة مُتعددة الآتي :
– النزاع الحدودي بين جيبوتي وأرتريا :
تنازعت هاتان الدولتان علي السيادة علي منطقة Dumeira الحدودية في 10 يونيو 2008(في الوقت الذي تؤجرفيه الدولتان جزء من أراضيهما لإقامة قواعد عسكرية أجنبية لدول أجنبية مختلفة مُتخليتين طواعية عن مبدأ السيادة الذي يتمسكان به في نزاعهما الحدودي), ونهضت قطر بالوساطة بالوساطة بينهما ونجحت في التوصل إلي التوقيع علي ما يمكن وصفه بإتفاق هدنة في 6 يونيو 2010أدي إلي تسوية مُؤقتة للنزاع تضمن تكوين لجنة من البلدين يرأسها أمير دولة قطر علي أن تتولي قطر وفقاً للمادة 6 من هذا الإتفاق مسئولية هاتين المنطقتين لحين التوصل لتسوية نهائية للنزاع , في الوقت الذي تؤجران أراضيهما لإقامة قواعد عسكرية أجنبية لدول أجنبية مختلفة مُتخليتين طواعية عن مبدأ السيادة الذي يتمسكان به في نزاعهما الحدودي, بل إن المثير للدهشة أن سفير الصين لدي الإتحاد الأفريقي صرح *(وكالة Associated Press في 22 يوليو 2017) أن”بلاده تنظر في إرسال قوة حفظ سلام لمنطقتي رأس وجزيرة Dumeira الحدوديتين المُتنازع عليهما بين جيبوتي وإرتريا , كما أنها يمكنها التوسط في النزاع القائم بينهما والذي نشأ نتيجة إحتلال القوات الإرترية لهما إثر الإنسحاب المُفاجئ للكتيبة القطرية يومي 12 و 13 يونيو2017 بسبب موقف هاتين الدولتين من الأزمة الخليجية التي نشأت بين قطر ودول مجلس التعاون الخليجي في 5 يونيو 2017 , كذلك يتجدد النزاع الذي يعود تاريخه إلي 55 عاماً مضت بين مالاوي وتنزانيا بسبب الخلاف علي تحديد خط الحدود المار بينهما ببحيرة Malawi (بحيرة (Nyasa والذي حُدد وفقاً لوجهة النظر المالاوية بموجب معاهدة Heligoland التي وقعتها في الأول من يوليو1890 القوتان الإستعماريتان آنئذ وهما ألمانيا ممثلة لتنزانيا وبريطانيا ممثلة لمالاويوهو ما يُؤكد تقاعس وبط ء أجهزة الإتحاد الأفريقي في التفاعل مع الأزمات الأفريقية , فقد ثار هذا النزاع في عام 2005وفي أكتوبر 2011, ثم أُثير مرة أخري عام 2012 في عهد رئيسة مالاوي السيدةJoyce Banda عندما نشرت تنزانيا خرائط رسمية تُظهر جزءاً من البحيرة تابعاً لها في الوقت الذي طالبت فيه تنزانيا مالاوي تعليق أية أعمال إستكشافية للبترول بالبحيرة ريثما يُسوي الخلاف وهو ما رفضت مالاوي التجاوب معه بالرغم من إنعقاد لجنة ثنائية وزارية للتفاوض , ولما لم تؤد هذه اللجنة إلي نتيجة فقد إستمر الخلاف إلي أيامنا هذه , إذ نشرت الحكومة التنزانية في يناير 2016خريطة رسمية تُظهر جزءاً من البحيرة داخلاً في حدودها مع مالاوي , وقد أرسلت ملاوي في حينه مذكرة إحتجاج دبلوماسي للحكومة التنزانية أعرب فيها وزير خارجيتها George Chaponda عن قلق بلاده من أن مسئولاً رفيع المستوي قرر تعميم خرائط تُظهر خط المُنتصف الفاصل ماراً بالجزء الواقع بينهما بالبحيرة مُوضحاً أن بلاده إذ تقدم للحكومة التنزانية هذا الإحتجاج فذلك لأن البلدان إتفقتا من قبل خلال عملية الوساطة علي بقاء الحال علي ماهو عليه Status quo إلي أن تصل الدولتان إلي إتفاق نهائي , ولم تكن هذه الخريطة مُعبرةعن وجهة النظر التنزانية فقط , ففي الفترة ما بين 1922 وحتي 1964 تاريخ إستقلال مالاوي إتسمت الخرائط المنشورة عن بحيرة Malawi في الجزء من البحيرة الواقع بين مالاوي وتنزانيا بالتعارض وعدم الحسم معاً مما إضطر الحكومة التنزانية لطرح النزاع ثنائياً علي حكومة مالاوي عام 1967 بغية حسمه لكنه لم يسو للآن لا من خلال اللجنة الوزارية الثنائية ولا أي وسيلة أخري سواء عبر الأمم المتحدة أو منظمة الوحدة الأفريقية (الإتحاد الأفريقي لاحقاً) الذي ينص ميثاقه في مادته الرابعة E علي حل النزاعات الأفريقية بالطرق الودية , لم يتناول الإتحاد الأفريقي بصفة مباشرة ولا تجمعي السوق المُشتركة لشرق وجنوبي أفريقيا COMESA وتنمية الجنوب الأفريقي SADC هذا النزاع بل لقد نهض بعملية الوساطة بشأنه بدءاً من عام 2012الفريق رفيع المستوي من أجل الوساطة HLMT والمكون من الرئيس الموزمبيقي السابق Joaquim Chissano والرئيس الجنوب أفريقي السابق Thabo Mbeki ورئيس بتسوانا السابق Festus Mogae وبذل هذا الفريق جهوداً دؤوبة لمحاولة حل النزاع لكن الإستجابة التنزانية كانت بطيئة عمداً إذ أن تنزانيا لم تكن مُتحمسة لطرح الموضوع خارج الإطار الثنائي .
– الأزمة الراهنة في منطقة الساحل الأفريقي :
هناك مواجهة بدأت منذ 2009 ومازالت مُستمرة بين فرنسا التي تحاول حتي النفس الأخير الدفاع عن مصالحها المُتمثلة في نهب ثروات وموارد دول منطقتي الساحل الأفريقي حتي لقد وصل الأمر إلي إقامة الفرنسيين تحالف عسكري من خمس دول أفريقية في 6 فبراير 2017 بناء علي مُقررات قمة عقدت في باماكو ضمت الدول الخمس المُشاركة في قوة الساحل الخماسية وأخذت مُسمي : مجموعة الساحل الخماسية G 5 Sahel تتستر وراءها العسكرية الفرنسية المُتوحشة الوالغة في دماء أهلنا في هاتين المنطقتين والتي تتمركز بقواتها البالغة 5الآف ونيف جندي فرنسي يتوزعون علي نطاق يتضمن شمالي مالي وشمال النيجر وغرب تشاد من خلال عمليتين عسكريتين مُتتاليتين هما عملية Operation Serval التي بدأت بشمال مالي تحت غطاء قرار لمجلس الأمن الدولي برقم 2085 بتاريخ 20 ديسمبر 2012 بدعوي محاربة المُقاتلين الإسلاميين في الساحل , ولما إنتهت مدتها تلتها عملية Operation Barkhane التي بدأت في الأول من أغسطس 2014 ومُستمرة للآن وتقترف من الأعمال الوحشية الكثيربدعوي محاربة الإرهاب ما لا يخضع لأي محاسبة أو رقابة دولية أو حتي إقليمية , فسجل العسكرية الفرنسية الأسود منذ زمن الإحتلال الفرنسي للجزائر وتونس والمغرب ودول الصحراء الكبري معروف للكافة ولا يحتاج لإقامة الدليل علي كم الآثام الفرنسية , وهذه العملية التي تستهدف فرنسا دعمها أكثر من خلال القمة التي تُعقد في ندجامينا في 15 فبراير 2021 وتضم حلفاء العسكرية الفرنسية الخمس لتجديد وتقوية عزمهم علي الحرب بالوكالة لحساب فرنسا , هذه العملية تتم تحت بصر وسمع الإتحاد الأفريقي الذي لو كان مُؤهلاً لمنع والتصدي للإرهاب لقام بما يجب عليه القيام به وإلا فلماذا تكونت القيادات العسكرية التابعة للإتحاد الأفريقي وهي قيادات الشمال والوسط والجنوب والشرق الأفريقي ؟ وما هو دور الإتحاد الأفريقي في تحديد مفهوم الإرهاب الذي تحت مفهومه المرن تتم التدخلات العسكرية المختلفة حالياً فرنسية وأمريكية في الصومال ودول الساحل الأفريقي وغيرهما بشكل جعل من أفريقيا نطاقاً مفتوحاً ومُستباحاً منذ أن تحولت منظمة الوحدة الأفريقية إلي مرحلة الإتحاد الأفريقي عقب قمة ديربان2002؟ , علي أية حال فالإنتشار العسكري الفرنسي والأمريكي (من خلال القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا (AFRICOM) وتدخلات العسكريتين الأمريكية في القرن الأفريقي (الصومال بصفة رئيسية) والفرنسي (في نطاقي الساحل والصحراء) يتم بمعزل عن ولاية منظمة الإتحاد الأفريقي بل وأحياناً بالتعاون معها , ومازداد من ضعف هذه المنظمة بالإضافة إلي ذلك نشأة تجمعات أفريقية فرعية مثل COMESA وSADC و ECOWASو التجمع الإقتصادي لدول وسط أفريقيا ECCAS وجماعة شرق أفريقياEAC واالسلطة عبرالحكومية الحكومية للتنمية Intergovernmental Authority on Development (IGAD) , وإتحاد المغرب العربي AMU بالإضافة إلي تجمعات نهرية وبحيرية أخري كلها إما أضعفت أو إستهلكت الطاقات السياسية المحدودة لدي كثير من الدول الأفريقية وأحياناً ما تسببت في عملية إزدواج Duplication غير مُبررة أدت إما إلي تضارب أو تناقض مع قرارات صادرة عن الإتحاد الأفريقي .
– الصراع بين حكومة السودان ومُتمردي جنوب السودان :
لم تقترب منظمة الوحدة الأفريقية ومن بعدها الإتحاد الأفريقي مباشرة من الصراع الذي ظل دائراً منذ عام 1955 وحتي 2005 بين مُتمردي جنوب السودان (الإنفصاليين) وبين الحكومة المركزية في الخرطوم , وهو الصراع الذي تولته السلطة عبرالحكومية الحكومية للتنمية IGAD والتي قامت بدور حاسم في “تسويتة” , وأستطاعت هذه الهيئة بدعم أوروبي وأمريكي في النهاية التوصل إلي ما سُمي بإعلان مبادئ IGAD عام 1994 والذي تضمن ولأول مرة نص عبارة تدع إلي تقرير المصير كملاذ أخير قبله السودان عام 1997 , مما مهد الطريق أمام توقيع حكومة السودان وزعيم الجيش الشعبي لتحرير السودان جون جارانج إتفاق السلام الشامل في كينيا عام 2005 الذي تضمن منح الجنوبيين حق تقرير المصير الذي بناء عليه أجري إستفتاء بشأنه في 9 يناير 2011 وبعد 6 أشهر تم إعلان إستقلال أو إنفصال جنوب السودان عن شماله في 9 يوليو 2011 , وبالرغم من حماس الدول الأفريقية أعضاء IGAD وهم 8 من بينهم السودان وإثيوبيا (التي كانت تدعم التمرد الجنوبي حتي ما قبل )1995 وكينيا وأوغندا (اللتين دعمتا التمرد الجنوبي سياسياً وعسكرياً بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول غربية أخري) , هذه المنظمة أعني السلطة عبرالحكومية الحكومية للتنمية IGAD ليس لها أي دور الآن بل إنها تنأي بنفسها عن الإقتراب من أزمة سد النهضة رغم أن من بين أعضاءها الثمانية 4 دول من دول حوض النيل العشر , مما يشير إلي أن تدخلها ودورها في رعاية التفاوض بين حكومة السودان والتمرد الجنوبي لتسوية الصراع بين جنوب السودان وشماله كان دوراً وظيفياً مدعوماً من الولايات المتحدة إبان إدارتي George H. W. Bush الأب و Bill Clinton , بالرغم من أن أزمة سد النهضة لا تقل خطراً في تداعياتها السياسية والإنسانية عن أزمة جنوب السودان , وهذا مما قد يفسر جزئياً تأخر بل تباطؤ الإتحاد الأفريقي في أداء دوره حيال هذه الأزمة وفي الوقت المناسب .
– أزمة سد النهضة الإثيوبي :
بدأت هذه الأزمة بعد إعلان إثيوبيا عن إقامة سد الألفية (النهضة فيما بعد) في أبريل 2011 , وهو الإعلان الذي سبقه تباين كبير في مواقف إثيوبيا والسودان ومصر(دول النيل الشرقي) فيما يتعلق بالتعامل مع مياه النيل إذ إختلف هؤلاء في ذلك من واقع ترويج إثيوبيا لما يُسمي بإتفاق عنتيبي الذي وقعته 6 من دول حوض النيل العشر حتي الآن ورفضت مصر والسودان توقيعه لإنكاره مبادئ تراها مصر والسودان ضرورية منها مبدأ الحق التاريخي والإنذار المُبكر والأمان , وقد ظل الإتحاد الأفريقي بعيداً عن أزمة سد النهضة وقتاً طويلاً وكان وصوله المُتاخر وبدأ رعايته للمفاوضات الثلاثية في منتصف عام 202بجانب عوامل أخري أحد أسباب فشله المُسجل حتي الآن في تسوية هذه الأزمة الدقيقة خاصة وأن إثيوبيا تعمل وفقاً لإستراتيجية إستهلاك الزمن وليس الحل لأنها تجاهر بالإعلان عن رفضها لأي إتفاق مُلزم وأنها يمكن أن توقع إتفاق غير كما أن إثيوبيا تعمل علي زيادة الهوة القائمة بالفعل بين الرؤيتين المصرية والسودانية بشأن سد النهضة وكذلك قضية مياه النيل ذاتها والتي تكونت في عهد الرئيس السابق عمر البشير نتيجة العداء المُتبادل بين نظامي القاهرة والخرطوم علي مدي يقع ما بين 30يونيو 1989 حتي 11 أبريل 2019, وهو ما تضعه إثيوبيا في إعتبارها خلال التفاوض الماراثوني الذي لا ينتهي بينها وبين مصر والسودان وتعمل وستعمل علي تعميقه , وعندما علمت إثيوبيا أن الرئيس الكونجولي Félix Tshisekedi ستؤول إليه رئاسة الإتحاد الأفريقي وبالتالي سيتسلم ملف رعاية التفاوض بشأن أزمة سد النهضة من الرئيس الجنوب أفريقي Cyril Ramaphosa , بادرت رئيسة إثيوبياSahle-Work Zewde في 24 سبتمبر 2020بإجراء محادثة هاتفية مع الرئيس الكونجولي Félix Tshisekedi رئيس جمهورية الكونجو الديمقراطية وناقشت معه عدداً من القضايا الثنائية إلى جانب سد النهضة الإثيوبي , وخلال هذه المحادثة شكرت رئيسة إثيوبيا الرئيس الكونجولي على مبادرته بتقديم إيضاحات إضافية حول القضايا المتعلقة بسد النهضة , وجددت له التزام إثيوبيا بعملية المفاوضات التي يقودها الاتحاد الأفريقي فيما يتعلق بالسد , كذلك وبعد إنتهاء زيارتها لتنزانيا ومناقشتها مع رئيسها John Magufuli قامت الرئيسة Sahle-Work Zewde توجهت في 26 يناير 2021 إلي الكونجو الديموقراطية حيث أجرت محادثات مماثلة مع Félix Tshisekediرئيس جمهورية الكونجو الديمقراطية تناولت القضايا الثنائية والإقليمية والقارية وخلالها أكد المسؤلان أهمية تعزيز الشراكة بين البلدين , وأطلعت الرئيسة Sahle الرئيس الكونجولي على عملية إنفاذ القانون التي نفذتها الحكومة الإثيوبية في منطقة تيجراي و عمليةإعادة التأهيل وبناء السلام والمساعدات الإنسانية الجارية حاليًا في المنطقة كما أبلغته وبأن السلطات الإثيوبية المعنية تتخذ اللازم نحو إعادة فتح التمثيل الدبلوماسي الإثيوبي في جمهورية الكونجو الديمقراطية الذي تأسس بالعاصمة كينشاسا عام 1962بعد استقلال الكونجو بلجيكا وأُغلق بسبب القيود الاقتصادية بإثيوبيا , وترتبط الدولتان باتفاقية طيران وعلي أساسها تقوم الخطوط الجوية الإثيوبية برحلات إلى مدن كونجولية متعددة منها كينشاسا و Lubumbashi و Goma .
في الواقع لم يتمكن الإتحاد الأفريقي برئاسة رئيس جنوب أفريقيا Ramaphosa من التوصل لحل تفاوضي فبعد أسابيع قليلة من بدء الوساطة الأفريقية أعلنت إثيوبيا عن عزمها وإصرارها علي الملء الثاني لبحيرة سد النهضة في انتهاك واضح لتعهدها السابق لتعهدها بعدم القيام بذلك حتى تتفق مع مصر والسودان على كيفية ملء السد وتشغيله , وأوضحت السيدة Naledi Pando أنه بعد أن وصلت المفاوضات مرة أخرى إلى طريق مسدود مؤخرًا أحالت جنوب أفريقيا هذه القضية إلى مكتب رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأفريقي من أجل التوجيه بشأن كيفية المضي قدمًا , وأن بلادها كعضو مستمر في المكتب ، ستكون طرفاً في النقاش حول كيفية المضي قدمًا في المفاوضات , لكن وزير الخارجية المصري كان له كلام مختلف في هذا الشأن , ففي إتصال هاتفي مع وزيرة الخارجية الفنلندية Pekka Haavistoنشرتها صحيفة الأهرام القاهرية في 14 فبراير 2021 أشار الوزير المصري إلي أنه تناول آخر التطورات في منطقة القرن الأفريقي لا سيما التطورات المتعلقة بسد النهضة , مُوضحاً أن مصر تأمل في نجاح جهود الاتحاد الأفريقي في إدارة قضية سد النهضة الإثيوبي , لكن المفاوضات (التي رعاها رئيس جنوب أفريقيا Ramaphosa لم تسفر عن نتائج ملموسة حتى الآن , وأن مصر تتطلع إلى استئناف المفاوضات برئاسة الرئيس الكونجولي Tshisekedi , وهو ما يعني أن مصر تعول علي جهود الرئيس الكونجولي) , مع العلم أن الرئيس Tshisekediوكان أحد المعارضين الرئيسيين ومعه Moise Katumbi للرئيس السابق Joseph Kabila لم يكن ليتولي رئاسة الجمهوية لولا قدرة الكنيسة الكاثوليكية الكونجولية علي التعبئة والحشد السياسي الجماهيري .
إن إثيوبيا داخلياً في حالة تمزق وإقتتال عرقي يكتسب مع إستمراره أبعاداً سياسية وعسكرية سلبية علي وحدة الدولة الإثيوبية , ومن ثم فإن إثيوبيا وهي تزداد ضعفاً لا يمكنها أن تقدم علي تنازلات في قضية سد النهضة التي تُعتبر قضية قومية بالدول الثلاث , كما ان الإتحاد الأفريقي تاريخه حتي في مرحلة منظمة الوحدة الأفريقية لا يُشير إلي أنه منظمة نافذة أو قوية بل منظمة ضعيفة , لذلك وفي ضوء ما تقدم : علي مصر ألا تنتظر ثمرة من مفاوضات تحت مظلة الإتحاد الأفريقي فالأحري بها وبالسودان أن يسعيا لإستكشاف سبيل آخر, وأظنه القوة فالمفاوضات عقيمة والملء الثاني لبحيرة سد النهضة تم والتداعيات الكارثية لما سيليه كارثية لا يدانيها خطر إستخدام القوة بأي مقياس .
4- إزدواجية معايير الإتحاد الأفريقي :
إن قبول الإتحاد الأفريقي للكيان الصهيوني عضواً مُراقباً به إن دل علي شيء فهو بالتأكيد يدل علي تبني الإتحاد الأفريقي لموقف جديد مُختلف ومُخالف لمواقفه المعهودة في دعم الحق والقضية الفلسطينية وهو ما يعني بدون جدال أن قبوله لعضوية الكيان الصهيوني به تأسس علي قاعدة إزدواجية المعايير التي يطبقها الإتحاد الأفريقي الآن في حالة القضية الفلسطينية إستغلالاً للظروف الدولية المُحيطة بالقضية الفلسطينية وممالأة للقوي الدولية التي يعتمد عليها في تمويل أنشطته التي لا يشعر بها رجل الشارع في أفريقيا فهو منظمة تنفق بلا عائد , فكيف يمكن تصور نكوص الإتحاد الأفريقي عن قراراته الداعمة للقضية الفلسطينية ومنها حل الدولتين الذي مازال الكيان الصهيوني يرفضه مُتمسكاً بما يُسمي الدولة اليهودية ؟ , وكذلك تراجع معظم دول الإتحاد الأفريقي عن دعمها لقرارات الشرعية الدولية التي سبق ووافقت عليها في حينه مثل قرار مجلس الأمن الدولي رقم 252 في 21 مايو 1968 بشأن التدابير التي إتخذها الصهاينة لتغيير وضعية القدس وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2443 في 19 ديسمبر 1968بشأن حقوق الإنسان في المناطق الفلسطينية المُحتلة وقرارها رقم 2672 بتاريخ 8 ديسمبر 1970بشان الحقوق المُتساوية وتقرير المصير للفلسطينيين وغيرهم .
يجنح الإتحاد الأفريقي في كثير من مواقفه السياسية مما دفع به إلي إزدواجية المعايير وآخر المواقف المُعبرة عن ذلك أن مجلس السلم والأمن PSC التابع للاتحاد الأفريقي قرر في إجتماعه في 14 مايو عدم فرض عقوبات على تشاد وسلطاتها العسكرية الجديدة التي تسلمت السلطة عنوة وبصفة غير دستورية بعد مصرع الرئيس التشادي إدريس ديبي في معركة مع المعارضة المُسلحة بمنطقة Kanem شمال العاصمة N’Djamena في 20 أبريل 2021 , فدستور تشاد يتضمن نصاً يرتب عملية إنتقال السلطة في حال شغور منصب رئيس الدولة بالوفاة أو بالعجز بموجبه تؤول السلطة لمدة مُؤقتة مداها 40 يوم لرئيس البرلمان يجري بعدها إنتخابات رئاسية , وهو ما تجاوز عنه المحلس العسكري الذي أعلن عن توليه السلطة بدون إعتبار للنص الدستوري ذا الصلة مُكتفياً بتفويض السلطة من تلقاء نفسه لنفسه من واقع بيان أصدره أدعي فيه شرعيته وتضمن هذا البيان تشكيل مجلس عسكري أعلي إنتقالي يتولي السلطة في البلاد لفترة 18 شهراً يجري خلالها تنظيم إنتخابات , مما يعني أن الوضع القائم في هو وضع لشبه إنقلاب عسكري أو Quasi-Putsch وهو وضع نقطة مُتوسطة تقع ما بين الإنقلاب الدستوري والإنقلاب العسكري مما يتوجب الإدانة وعدم الإعتداد بسلطته , إلا أن الإتحاد الأفريقي تجاوز عن ذلك ولفرنسا اليد الطولي في هذه الإزدواجية للمعايير, فقد إحتدم الجدل بين الدول أعضاء المجلس التي إنقسمت إلي فريقين الأول مُؤيد لفرض العقوبات تطبيقاً لنصوص الاتحاد الأفريقي ومعظمه من الدول الناطقة بالإنجليزية وهي بصفة رئيسية دول الجنوب الأفريقي لا سيما ليسوتو و ملاوي وقد استفادت هذه المجموعة في مُستهل النقاش من دعم الجزائر التي تمثل الشمال الأفريقي لفرض العقوبات علي النظام التشادي والفريق الثاني مُعارض وأغلبه من الدول الناطقة بالفرنسية بغرب إفريقيا (السنغال وبنين) ووسـط إفـريـقـيا (لا سيما الكونجو وبوروندي ورواندا) وهم من طالبوا بالتساهل مع المجلس العسكري التشادي الذي تم تشكيله في N’Djamena علي عجل في 27 أبريل 2021والتغاضي عن فرض عقوبات علي نظام N’Djamena العسكري وأهمها تعليق عضوية تشاد بالإتحاد الأفريقي , وقد إعتمد مؤيدي التساهل تجاه N’Djamena على تقرير بعثة تقصي الحقائق التي أرسلها الاتحاد الأفريقي إلى تشاد في نهاية أبريل 2021 بقيادة مفوض السلام والأمن النيجيريBankole Adeoye وعضوية سفير جيبوتي (الذي ترأس مجلس السلم والأمن في أبريل) لدى الاتحاد الأفريقي إدريس فرح , وهكذا لم يتخذ مجلس السلم قراراً بفرض عقوبات علي النظام القائم حالياً في تشاد كما تنص وثائق التجمعين الإقتصاديين لغرب ووسط أفريقيا أو ECWAS و ECCAS وكذا إعلان Lomé وكذلك الإتحاد الأفريقي ومجلس السلم نفسه (وفقًا للبروتوكول المتعلق بإنشاء مجلس السلم والأمن الأفريقي PSC يُشارك المجلس الإتحاد الأفريقي في عدد من السلطات مع رئيس اللجنة على وجه الخصوص لدي المجلس سلطة “اتخاذ قرار بشأن العقوبات عندما يحدث تغيير في الحكومة لا يتوافق مع الدستور في بلد ما”, ويمكنها أيضًا “فحص واتخاذ إجراءات (عندما) يتعرض الاستقلال الوطني أو سيادة الدولة للتهديد من خلال أعمال العدوان بما في ذلك من قبل المرتزقة” , كما أن للمجلس السلطة اللازمة “لرصد تعزيز الممارسات الديمقراطية والحكم الرشيد وسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية”) ,
بعد وفاة الرئيس التشادي إدريس ديبي إيتنو في 20 أبريل 2021 مباشرة تعرضت السلطات العسكرية التشادية الجديدة للتهديد بتعليق عضوية تشاد بالإتحاد الأفريقي بسبب إنتهاكها لدستور البلاد الذي يتضمن نصاً يرتب عملية إنتقال السلطة في حال شغور منصب رئيس الدولة بالوفاة أو بالعجز بحيث تؤول السلطة لمدة مُؤقتة مداها 40 يوم لرئيس البرلمان يجري بعدها إنتخابات رئاسية , وهو ما تجاوز عنه المحلس العسكري الذي أعلن عن توليه السلطة بدون إعتبار للنص الدستوري ذا الصلة مُكتفياً بتفويض السلطة من تلقاء نفسه من واقع بيان أصدره أدعي فيه شرعيته وتضمن هذا البيان تشكيل مجلس عسكري أعلي إنتقالي يتولي السلطة في البلاد لفترة 18 شهراً يجري خلالها تنظيم إنتخابات , مما يعني أن الوضع القائم في هو وضع لشبه إنقلاب عسكري أو Quasi-Putsch وهو وضع نقطة مُتوسطة تقع ما بين الإنقلاب الدستوري والإنقلاب العسكري مما يتوجب الإدانة .
كانت هناك صعوبات تحول دون الحركة الحرة للكيان الصهيوني داخل الإتحاد الأفريقي بفعل الأدوارالليبية والجزائرية والجنوب أفريقية المناوئة للكيان الصهيوني , وكان للزعيم القذافي نفوذ شخصي يمارسه وكانت له فاعلية حالت دون تحقيق الكيان الصهيوني نجاحاً يُذكر في هذا الشأن , لكن مع إنهيار نظامه في أكتوبر 2011, إستعاد الكيان الصهيوني خطته الرامية إلي إختراق منظمة الإتحاد الأفريقي لتحقيق 3 أهداف رئيسية : (1) عدم ترك المجال الأفريقي حراً خالصاً لدولة فلسطين التي مُنحت صفة العضو المُراقب بالإتحاد الأفريقي عام 2013 , (2) تحقيق التكامل لسياسة الكيان الصهيوني الأفريقية , إذ لا يمكن تصور ضخ المعونات الصهيونية لدول أفريقية بعينها وبذل جهود مُتواصلة وشاقة لتأسيس وإستعادة العلاقات الديبلوماسية مع الدول الأفريقية بدون إرتباط ذلك في النهاية بإستعادة صفة المُراقب التي حظي بها الكيان الصهيوني في منظمة الوحدة الأفريقية قبل تحولها لمرحلة الإتحاد الألإريقي عام 2002 والتي طلفت الصهاينة الكثير من الجهد الدبلوماسي والمخابراتي والمالي , كما أن الكيان الصهيوني يري ضرورة في سبيل ترسيخ مكانته كدولة توجيه سياسية إعلامية صهيونية لافريقيا لمحاصرة الجهد الفلسطيني الذي نجح خاصة مع تولي زعماء حركات التحرير الأفريقية المختلفة في إكتساب الفهم والتعاطف الأفريقي مع القضية الفلسطينية , مما كان له أكبر الأثر في تعويق حركة الصهاينة في أفريقيا , (3) حيازة كتلة تصويتية قارية هي الأكبر من بين قارات العالم الخمس قوامها 54 دولة ومن خصائصها : أنها الأكبرعدداً فقوامها54 دولة (للكيان الصهيوني علاقات مُتعددة الأبعاد مع 46 دولة أفريقية قبل قرار الإتحاد الأفريقي منح الكيان صفة المُراقب به) والتنوع والسهولة النسبية في التطويع عن الكتلة الأوروبية مثلاً وهي تظل في كل الأحوال كتلة تصويتية مهمة للصهاينة فقد قال رئيس الوزراء الصهيوني Netanyahu في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها العادية في سبتمبر 2016: ” إن لإسرائيل مستقبلا مشرقا في الأمم المتحدة، وإن هدفه الدبلوماسي الأهم هو وقف التصويت التلقائي للدول الأفريقية ضد إسرائيل في الأمم المُتحدة ” , ومع ذلك ففي تقديري أن حيازة الكيان الصهيوني لهذه الكتلة التصويتية الفريدة في عددها وتنوعها وسهولة التأثير فيها ستوظفها أولاً لخدمة تحقيق مصالح وتطبيق سياسات الكيان الصهيوني في أفريقيا , فقبل حيازة الكيان لوضعية المُراقب إستطاعت الدبلوماسية الصهيونية التغلب علي إفتقادا للكتلة الأفريقية مجتمعة لصالحها فقد صوتت توجو وكينيا ورواندا وبوروندي ودول أفريقية أخري لصالح إسرائيل في سبتمبر 2015 في الوكالة الدولية للطاقة الذرية , كما فازت إسرائيل برئاسة اللجنة القانونية بالأمم المتحدة وهي أحد 6 لجان دائمة بالمنظمة الدولية , وفي 29 أكتوبر 2015 جري التصويت علي عضوية باللجنة الرابعة التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة وفازت إسرائيل بعضوية لجنة الأمم المتحدة للإستخدامات السلمية للفضاء الخارجي ومن بين الدول التي صوتت لصالح إسرائيل مصر التي بررت موقفها بأنها كانت مُضطرة لذلك , لكن لا شك في أن حصول الصهاينة علي صفة العضو المُراقب بالإتحاد الأفريقي سيتيح للصهاينة مجالاً ارحب للمناورة في سبيل إستخدام هذه الكتلة التصويتية في المنظمات الدولية المختلفة وعلي رأسها الأمم المتحدة حسب الحالة وليس بصفة مُطلقة , ذلك أن الكيان الصهيوني يحظي بضمانات أمريكية لا حد لها وتكاد أن تكون مُطلقة علي مستوي الأمم المتحدة ومنظماتها ووكالاتها المُتخصصة وفي مجلس الأمن الدولي حيث تصوت الولايات المتحدة دائماً لصالح الكيان الصهيوني أو تمارس حقها في الإعتراض Vito أو الإمتناع عن التصويت إذ كان في ذلك ما يدعم الكيان الصهيوني وهو وضع يتساوي فيه الأعضاء الخمس الدائمين بمجلس الأمن إلي حد ما , وهؤلاء الأعضاء الدائمون عادة ما يمارسون ضغوط ما علي الأعضاء العشر الآخرين غير دائمي العضوية به , وبالتالي فالكتلة التصويتية الأفريقية للكيان الصهيوني أهميتها العُظمي وقيمتها القصوي مداهما داخل الإتحاد الأفريقي نفسه وهذا هو مكمن الخطورة , إذ سيمكن للدبلوماسية الصهيونية التأثير إن لم يكن التوجية في مرحلة ما تالية في قرارات الإتحاد الأفريقي خاصة تلك المُتعلقة بالتعاون العربي / الأفريقي الذي تعرض لموجة جزر غير مسبوقة مازالت مُستمرة بسبب الفشل الذريع لمؤتمر القمة العربي / الأفريقي الرابع في Malabo عاصمة غينيا الإستوائية في الفترة من 17 إلي 23 نوفمبر 2016بسبب الخلافات العربية الناشئة عن إصرارسكرتارية الإتحاد الأفريقي علي مشاركة وفد الجمهورية العربية الصحراوية RASD (البوليساريو) في القمة مما أدي إلي إنسحاب وفود المغرب ، السعودية ، الإمارات ، البحرين ، قطر، الأردن واليمن , وبالرغم من فشل قمة Malabo إلا أنها حققت نجاحاً لم يلتفت إليه الكثيرين فقد قام الكيان الصهيوني بإرسال وفد مكون من 14 مسئول صهيوني يمثله فيها علي إعتبار انه وفد مُراقب للكيان الصهيوني , لكن هذه المحاولة ووُجهت بالرفض من قبل رئيس الدولة الموريتانية محمد ولد عبد العزيز ومن رئيس الاتحاد الإفريقي نفسه ووفود دول أعضاء أخري إذ طالب كل هؤلاء بإخراج الوفد الإسرائيلي من مركز المؤتمرات حيث عقدت القمة وهو ما حدث , ورغم هذا الإخفاق الصهيوني لم يتوقف الصهاينة عن سعيهم للحصول علي صفة المُراقب بالإتحاد الأفريقي , إذ أن رئيس الوزراء الصهيوني Netanyahu في جولته الأفريقية في يوليو 2016 التي شملت 6 دول أفريقية حصل من رؤساءها علي دعمهم لهذا المسعي , ففي زيارته لإثيوبيا أكد رئيس الوزراء الإثيوبي ديسالين في المؤتمر الصحفي المُشترك مع رئيس الوزراء Netanyahu ذلك عندما قال : ” إن اسرائيل تعمل بجهد كبير في عدد من البلدان الافريقية ، وليس هناك من سبب لحرمانها من وضعية المراقب ” وأضاف : “نريد ان تصبح اسرائيل جزءا من نظامنا الافريقي ، وعلينا أن نتخذ موقفا مبدئيا بجعل اسرائيل جزءا من اتحادنا ” , وخلال زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي Hailemariam Desalegn لتل أبيب في يونيو 2017 ولقاءه بالرئيس الصهيوني Reuven Rivlin قال الأخير له : ” نحن حريصون جدًا على العودة إلى الصلة التي كانت لدينا مع إفريقيا ويجب أن نطلب منك أن تكونوا رعاة لنا في إفريقيا حتى نتمكن مرة أخرى من العودة وحضور جميع مؤتمرات القمة الأفريقية , لذا آمل أن تدعموا عودة إسرائيل إلى الاتحاد الأفريقي كدولة مراقبة , و أعتقد أن هذا ليس فقط في مصلحتنا ولكنه في مصلحة إفريقيا ” , وفي زيارته لأوغندا شارك Netanyahu في قمة أفريقية مُصغرة عن الأمن والتصدي للإرهاب حضرها رؤساء دول وحكومات كينيا ورواندا وإثيوبيا وجنوب السودان وزامبيا ومالاوي وحصل خلالها أيضاً علي تعهد منهم بقبول الكيان الصهيوني عضواً مُراقباً بالإتحاد الأفريقي .
الــتــداعـــيـــات :
1- من حيث المبدأ يعني حصول الكيان الصهيوني علي صفة المراقب بالإتحاد الأفريقي إلي تقليص ملموس في دعم الإتحاد الأفريقي للقضية الفلسطينية وهو الأمر الذي أصبح منطقياً بعد أن أنهي الكيان الصهيوني الموجة الأولي للتطبيع مع دول عربية بتوقيع ما أسموه عمداً ” بإتفاقات إبراهام ” في 15 سبتمبر 2020 , فقبول الإتحاد الإفريقي لطلب الكيان الصهيوني الحصول علي هذه العضوية أتي بعدالمواجهة العسكرية غير المُتكافئة بين المقاومة الفلسطينية مُتمثلة في حماس المُتمترسة في قطاع غزة المُحاصر والجيش الصهيوني في مايو 2021 .
2- بقبول الإتحاد الأفريقي عضوية المُراقب به للكيان الصهيوني فإن ذلك يعني بصفة تلازمية Corollairement إلي حد كبير أن دول الإتحاد الأفريقي الـ 54 لم تعد تري أن لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ومنظمة الوحدة الأفريقية OUA ذات الصلة بالقضية الفلسطينية صلاحية Validité او علاقة ما بالوضع الراهن للقضية الفلسطينية , وهو هدف أو لنقل مكسب مزدوج حققه الكيان الصهيوني , وبالتالي فإن المقاومة التي تمارسها حركة حماس في مواجهة الكيان الصهيوني المُحتل والذي لا يعترف بقرارات الشرعية الدولية لن يعتبرها الأفارقة (وبعض العرب) مقاومة بل إرهاب ضد دولة غير طبيعية تأسست بموجب قرار(توصية) للأمم المتحدة رقم 181بتاريخ 29 نوفمبر 1947القاضي بتقسيم فلسطين .
3- بإتساع مساحة العمل الدبلوماسي الصهيوني / الأفريقي إثر حيازة الكيان لعضوية المُراقب بالإتحاد الأفريقي ستمارس العسكرية الصهيونية دوراً أكبر وأقل سرية ومن بين أهم الخطوات التي أتوقع أن تتحرك العسكرية الصهيونية في إتجاهها :
ألـــف : توقيع إتفاقيات تعاون عسكري ودفاعي وأمني ثنائية مع دول أفريقية مُختارة علي أساس الإحتياجات الأمنية الصهيونية وستشمل هذه الإتفاقيات مجالات كالتدريب وتبادل (الخبرات) وربما في مرحلة لاحقةتأسيس قواعد عسكرية صهيونية علي البحر الأحمر (جيبوتي) أو قريباً منه (كينيا وصوماليلاند) .
بـــاء – تأسيس مشاركة Partnerships مع : (1) المنظمات العسكرية الثنائية أي مع دول أفريقية مُختارة علي أساس الرؤية الأمنية الصهيونية منها مثلاً أوغندا وأنجولا وغانا وكينيا وجنوب السودان وتشاد والكاميرون و (2) مع القيادة العسكرية الأمريكية لأفريقيا AFRICOM و(3) مع التنظيمات العسكرية القائمة أو المُخطط لها للتجمعات الإقليمية الأفريقية مثل التجمع الإقتصادي لدول غرب أفريقيا ECWASالتي شارك رئيس الوزراء الصهيوني Netanyahu في قمته بمونروفيا في يونيو 2017وألقي بها كلمته , (4) قوة الساحل الخماسية G 5 Sahel .
جـيـم – صادرات الأسلحة الصهيونية والتي وجهاتها الرئيسية هي الهند التي تستورد 43% من مجمل هذه الصادرات يليها آذربيجان 17% ثم فيتنام 12% , ومن المُرجح بعد حيازة الكيان الصهيوني لصفة العضو المُراقب بالإتحاد الأفريقي إنتعاش أكثر وأكثر لمبيعات السلاح الصهيونية للدول الافريقية خاصة تلك التي بها بؤر توتر أو حركات مقاومة مُسلحة كجنوب السودان وموزمبيق التي تواجه حكومتها حركة مقاومة في إقليم Cabo Delegado البترولي وأنجولا التي تواجه حكومتها حركة تحرير جيب كابيندا FLEC البترولي وستدعم شركات البترول العالمية الروابط العسكرية / الأمنية بين الكيان الصهيوني وبين كل من Maputo و Luanda تأميناً لمصالحها البترولية التي تواجه صعوبات جراء الأعمال العسكرية الموجهة ضدها أيضاً , وبالطبع ستولي العسكرية الصهيونية إهتماماً خاصاً بدول الساحل الخمس الأعضاء في قوة الساحل الخماسية G 5 Sahel التي تواجه لحساب فرنسا التنظيمات الإسلامية وغير الإسلامية المُسلحة المُناهضة للوجود الفرنسي بالساحل , فالكيان الصهيوني معروف عنه تحركه الإستباقي للمناطق التي ينشط بها التيار الإسلامي الذي تعتبره الصهيونية الخطر الوحيد الفعال ضد الفكرة الصهيونية ذاتها وضد مصالح الكيان الصهيوني الإقتصادية , ومن ثم فلن يكتفي الكيان الصهيوني بمجرد توقيع إتفاقات مع بعض أو كل دول الساحل (خاصة تشاد ومالي) لكنه سيمدها بالسلاح التي ستؤدي للمزيد من الإلتهاب في المنطقة وإستدامة النزاعات بها .
دال – في سياق العداء التاريخي بين مصر والأمة العربية الإسلامية مع الكيان الصهيوني وبإعتبار أن مصر تمثل رأس الرمح في المعركة التي لا تنتهي بينهما فستعمل العسكرية الصهيونية علي تقديم أوجه الدعم اللازمة للمخطط الإثيوبي الذي أعلن عنه المتحدث باسم الخارجية الإثيوبية التي أعلن فيها عزم بلاده إقمة قواعد بحرية علي طول البحر الأحمر (إثيوبيا دولة حبيسة) مُوضحاً ان دول كثيرة تُظهرإهتماماً للسيطرة علي منطقة البحر الأحمر بإقامة قواعد عسكرية أكثر مما سبق , وأعتقد أن إثيوبيا لن تكتفي بمتابعة التحركات المصرية الهادفة إلي إيجاد نقطة إرتكاز يسهل منها أن تنال مصر من سد النهضة ففي 29 ديسمبر 2019 نُشر خبر نقلاً عن مصادر إثيوبية مفاده أن البحرية الإثيوبية ستتمركز في بقاعدة بحرية في Tadjoura على ساحل جيبوتي بينما سيكون مقر قيادتها في بحر دار عاصمة منطقة أمهرة بشمال غرب إثيوبيا بقيادة العميد Kindu Gezu وهو أمر كان ومايزال مصدراً لقلق مصر , وبالإضافة إلي الكيان الصهيوني الذي لديه إستراتيجية هيمنة علي البحر الأحمر ليكون صهيونياً خالصاً بدءاً من خليج العقبة بمعونة قوة عسكرية بائسة وباهتة للملكة السعودية وأخري في خليج العقبة جنوباً حيث تعين الإممارات الصهيونية علي تحقيق هذه الإستراتيجية يأتي الدور علي إثيوبيا لمعاونة الصهاينة وسيبادلهم هؤلاء التعاون بتعاون مماثل مع الفرنسيين الأمر الذي يُؤكد تصريح للرئيس الفرنسي Macron عام 2019 خلال زيارته لأديس أبابا أشار فيه تعليقاً علي توقيع فرنسا وإثيوبيا علي أول إتفاقية تعاون عسكري بينهما في 13 مارس 2019بقوله : ” إن اتفاقية التعاون الدفاعي غير المسبوقة هذه توفر إطارا وتمهد بشكل كبير الطريق لمشاركة فرنسا في إنشاء كيان بحري إثيوبي” , وأعتقد أن تصريح كهذ كاف جداً لكشف جزء كبير من إستراتيجية الوصول الإثيوبي للبحر الأحمر فإثيوبيا بعد إقامتها لسد النهضة المُولد لطاقة كهربائية قابلة للتصدير بالإضافة إلي 3 سدود أخري مُرتقبة سيكون لديها قدرة علي تمويل إستراتيجية وصول البحرية الإثيوبية للبحر الأحمر فإثيوبيا ستظل دون منفذ بحري مُستقل لها كمخلوق ضخم بلا أقدام يسعي بها إلي الإنطلاق خارج نقطة ثباته , وتحقيقاً لهذا الهدف تعهد رئيس الوزراء آبي أحمد عام 2018 بإعادة بناء البحرية الإثيوبية التي تفككت عام 1996 بعد فقدان إثيوبيا لكل ساحلها علي البحر عندما إنصلت وإستقلت أرتريا عنها عام 1994 , ومن المعروف للكافة التعاون الفرنسي الصهيوني منذ تدشين الصهاينة لبرنامجهم النووي بالتعاون مع فرنسا قبل حرب العدوان الثلاثي علي مصر في أكتوبر 1956 والتي تأسست بزيارة شيمون بيريز لفرنسا في ذلك الوقت , ومن ثم سيكون التعاون العسكري الصهيوني/ الفرنسي قاعدة للعمل العسكري الإثيوبي المُضاد لمصر بالبحر الأحمر خاصة وأفريقيا بوجه عام , وتجدر الإشارة إلي أنه ليس لمصر إرتباطات تعاهدية عسكرية (إتفاقيات) إلا مع القليل من الدول الأفريقية ومنذ نشوء قضية سد النهضة تحركت مصر في إتجاه عقد إتفاقيات مع دول مثل كينيا وأوغندا وغيرهما من دول حوض النيل و المتداخلة مع هذا النطاق , وللأسف يُلاحظ أن التحركات العربية خاصة السعودية والإماراتية في أفريقيا تعتبر أن الخصوم (وليس المنافسين) لها هم الأتراك والإيرانيين وليس الصهاينة وهو ما يُؤدي في النهاية إلي هدر وخسارة للأموال والجهود فالعدو وليس الخصم أو المنافس هم الصهاينة الذين لا يعبأون بدعم هخؤلاء الأعراب لهم إذ لا قيمة لهم إلا بأموالهم فقط وحصراً لأنهم لا يصلحوا لأن يكونو خصوم أو منافسين .
4- ستضيق إلي حد ما المساحة الأفريقية التي كانت مُتاحة لقوي إقليمية مهمة مثل تــركـيا وإيران للعمل الدبلوماسي والإقتصادي بقدوم الكيان الصهيوني كعضو مراقب بالإتحاد الأفريقي , فإفريقيا مثلت لإيران خلال فترة العقوبات الدولية / الأمريكية عليها منفذا ممكناً للعمل الإقتصادي والديبلوماسي فقد عقد إيران قمة إيران – أفريقيا في سبتمبر 2010 وفي كلمته أمام القمة قال الرئيس أحمدي نجاد : ” إن العلاقات بين إيران وأفريقيا متكاملة ، مضيفًا أن طهران مستعدة لتزويد القارة بالخبرة والتجربة و إن القمة هي أفضل منصة لتوطيد العلاقات ” , كما أن تركيا هي الأخري التي بدأ إهتمامها بالعمل الإقتصادي والدبلوماسي بالقارة الأفريقية بعد ان حازت صفة العضو المُراقب بالإتحاد الأفريقي عام 2005 وتلي ذلك فتح عدد من السفارات التركية في دول أفريقية منها أنجولا والنيجر لم تكن لها علاقات مُتسعة مع تركيا من قبل بل أضافت لذلك تسيير خطوط لشركة الطيران التركية مع تربط عدد من العواصم الأفريقية بأسطنبول وتوجت تركيا هذا الإتجاه بعقد قمة التعاون بين تركيا وأفريقيا في إسطنبول في الفترة من 18 إلى 21 أغسطس 2008 والتي صدر عنها “إعلان اسطنبول بشأن الشراكة التركية الأفريقية : التعاون والتضامن من أجل مستقبل مشترك و إطار التعاون للشراكة التركية الأفريقية ” , ثم عقدت قمة الشراكة بين تركيا وأفريقيا في Malabo عاصمة غينيا الاستوائية في الفترة من 19 إلى 21 نوفمبر 2014 التي صدر في ختامها إعلان وخطة التنفيذ المشترك 2015-2019 , وقد أنشأت هذه القمم بنية وقاعدة عمل مشترك تركي / أفريقي لا يُعتقد أن الكيان الصهيوني في إطار الطبيعة التنافسية مع تركيا سيتركها تدور في فلكها بإنتظام بل سيستهدفها للنيل منها تنفيذاً للمخطط الصهيوني الذي يدل علي طبيعته الهدامة والإستعمارية إغتصابه لفلسطين وعدم سلامة توجهه للسلام والتسوية في الإطار الأعم و لا لحل الدولتين الذي يؤيده الإتحاد الأفريقي , ويُضاف لهذه القمم عمل تركي ميداني في أفريقيا من خلال ذراع للتعاون مع دول القارة يتمثل في وكالة التعاون والتنسيق التركية TIKA ورئاسة إدارة الكوارث والطوارئ AFAD وغيرهما .
5- هناك إستراتيجية صهيونية جديدة قد وُضعت أصبح إطارها أوسع ليتسق مع حيازة الكيان الصهيوني لصفة العضو المُراقب بالإتحاد الأفريقي , وستكون هذه الإستراتيجية علي مستوي 5 أصعدة : الصعيد الأول / مع الإتحاد الأفريقي , والصعيد الثاني / هو العلاقات الثنائية , والصعيد الثالث / العلاقات مع المنظمات الإقليمية الأفريقية النوعية سياسية وإقتصادية ومالية مثل تجمع COMESA وECWAS وSADC وغيرهم , والصعيد الرابع / مع الدول الأفريقية العربية وفي هذا الصعيد يمكن توقع إرتباط للـ MASHAV مع أنشطة بعض الدول العربية التي لها أو كان لها سياسة أفريقية نشطة ومستقلة مثل مصر والجزائر بعقد شراكة بين MASHAVومؤسسات أو كيانات تابعة لمصر والجزائر تعمل بأفريقيا , والصعيد الخامس/ سيكون بعقد الكيان الصهيوني لشراكات مع مؤسسات أو وكالات أو منظمات غير حكومية تابعة للقوي الدولية الكبري مثل وكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة USAID و DANIDA وJICA وNorad و GIZ وغيرها , وبموجب هذه الإستراتيجية الصهيونية الجديدة لأفريقيا ستعمل الديبلوماسية (والعسكرية) الصهيونية علي إعادة تشكيل التحالفات الأفريقية بحيث توظفها – جزئياً – لمصلحة الكيان الصهيوني , وللكيان الصهيوني إستراتيجة أفريقية كان الحصول علي صفة المُراقب بالإتحاد الأفريقي أحد مكوناتها / أهدافها التي من أهمها الوصول إلي شواطئ الصومال بوحداته الثلاث (الصومال/ مقديشيو و Puntland, وربما أمكن للصهاينة العودة لهذه المنطقة الإستراتيجية للسيطرة علي البحر الأحمر من خليج العقبة إلي مضيق باب المندب بعد تمزق الصومال إلي ثلاث وحدات سياسية تعمل كل منها في الإتجاه السياسي العكسي للأخري كما تعمل علي إضعاف الوحدتين الأخريين لتبقي , لكن هذا الإفتراض الصهيوني لابد وأن يقترن بإفتراض آخر يضعه الصهاينة في إعتبارهم وهو أن سلطة الدولة المركزية في مقديشيو وهرجيسة وGarowe وهي تضعف قويت شوكة تنظيمات جهادية كتنظيم الشباب الصومالي الذي يعبر عن قوة الدين الإسلامي في نفوس كل الصوماليين بما فيهم السلطات المركزية تلك بالرغم من ضعفها .
هناك إنفتاح أرتري/ إثيوبي علي صوماليلاند وكلاهما لديه علاقات عسكرية وأمنية مع الكيان الصهيوني , وبالتالي يمكن القول أن هذا الإنفتاح لا يخرج عن كونه أحد مخرجات الإنفتاح والمصالحة الأرترية / الإثيوبية التي بدأت بعد توقيعهما علي إتفاق جدة للسلام في 16 سبتمبر 2018برعاية سعودية / إماراتية (والهدف النهائي الوصول الإماراتي لموانيء القرن الأفريقي), ويُضاف إلي ذلك تدفق وضخ الأموال الإماراتية علي أرتريا وصوماليلاند لحيازة إمتيازات الموانئ في صوماليلاند وأرتريا (زيلع وبربرة ومصوع ) , وللأسف فهذا المزيج المر لا ينقصه غير إضافة السم الصهيوني إليه لقتل أي أمل مُتوقع لإستعادة وحدة الصومال والإستفراد بثلاث وحدات سياسية صومالية ضعيفة , ولا أعتقد أن الإقتراب الأرتري من صوماليلاند يهدف إلي التقريب ما بين مقديشيو وهرجيسة , فمن المصلحة الإستراتيجية لكل من إثيوبيا وأرتريا أن يظل الصومال مُمزقاً , ولذلك فالهدف الممكن تصوره هو التنسيق الثلاثي الإثيوبي / الأرتري والصهيوني في الشأن الصومالي ككل في مرحلة ما بعد حيازة الكيان لصفة المُراقب بالإتحاد الأفريقي وربما عملت الدبلوماسية الصهيونية مع إثيوبيا وأرتريا لدفع الإتحاد الأفريقي للإعتراف بالوضع الراهن بالصومال أولاً ثم منح صوماليلاند صفة العضو المُراقب كثمن تدفع Hargeisa مُقابله للصهاينة (من المتوقع أن يقوم مجلس السلام والأمن التابع للاتحاد الأفريقي قريباً بمراجعة نتائج تقرير مثير للجدل بشأن الصومال) والمقابل لن يخرج عن كونه تأسيس قاعدة عسكرية للكيان الصهيوني في Hargeisa (سبق أن طلبت مصر من صوماليلاند ذلك ولكن لا يبدو أنها قبلت خشية من البأس الإثيوبي المُتصور لدي Hargeisa) و / أو تبادل التمثيل الدبلوماسي بينهما , وسيكون الإقتراب الصهيوني من صوماليلاند ممكناً بالتنسيق مع إثيوبيا التي لم يقتصرتحركها بإتجاه صوماليلاند علي فتح قنصلية إثيوبية في Hargeisa بل تعدته إلي التأييد الصريح لكيان ووضعية صوماليلاند , فقد تعهد رئيس وزراء إثيوبيا السابق Hailenariam Desalegnفي مارس 2013 أمام البرلمان الإثيوبي بقوله “إن صوماليلاند بلد صديق وحليف استراتيجي رئيسي لإثيوبيا , ولن ندخر أي نفقات في الدفاع عن صوماليلاند وحمايتها ونحن على استعداد لمد ذراع الدعم لإخواننا في صوماليلاند في كل مرة يحتاجون فيها إلينا” , وكلام Desalegn هذا يُرسخ رؤية بعض مسئولي صوماليلاند ومفادها أن إثيوبيا حليف قوي مُوثوق فيه مُتجاهلين أطماع إثيوبيا التوسعية في الصومال التي هي حقيقة لا مفر منه , وهذه المرونة الإثيوبية في التعامل مع وحدات الصومال السياسية الثلاث سيكررها الصهاينة مع صوماليلاند وPuntland وهي مزية تفتقدها الدبلوماسية المصرية التي مازالت مُتمسكة بثوابت ذابت بفعل حرارة الواقع , إذ كيف يكون لإثيوبيا وتركيا وجيبوتي تمثيل قنصلي في صوماليلاند في ظل عدم الإعتراف الدبلوماسي الكامل بها ولا تفعل مصر ذلك ؟ بالرغم من أنها إتخذت قرارات مُعاكسة لثوابت الصراع العربي الصهيوني ووقعت معاهدة سلام تضمنت الإعتراف بالكيان الصهيوني كدولة وتبادلت تمثيل دبلوماسي كامل مع هذا الكيان الذي ما يزال يُنكر علي الفلسطينيين حقوقهم في إقامة دولتهم القدس عاصمتها ؟ لذلك أري أنه لا مبرر أمام مصر يجعلها تتمسك بمبدأ يتآكل خاصة وأن صوماليلاند ستكون إن تواجدت مصر بها ولو حتي بتمثيل قنصلي في Hargeisa في أقرب نقطة يمكن لمصر منها متابعة بؤرة صراعها المصيري الحالي مع إثيوبيا والذي لا يقل في خطورته عن الصراع العربي / الصهيوني , بل إن إثيوبيا لم تقتصر في حركتها النشطة في الصومال علي التعامل مع مقديشيو و Hargeisa بل تعاملت أيضاً مع Garowe (عاصمة Puntland) , ففي 26 أكتوبر 2020 أُعلن عن زيارة Said Abdullahi Deni رئيس ما يُسمي بجمهورية Puntland لإثيوبيا ناقش خلالها مع مسئولين بحكومة أبي أحمد قضايا مختلفة منها تنمية التجارة , وقبل هذه الزيارة كان رئيس رئيس Puntland قد زار نيروبي ومقديشيو ثم الإمارات العربية المتحدة التي التقى فيها مسؤولين إماراتيين (هناك إتفاقية وُقعت عام 2017 بين Puntland وموانئ دبي العالمية قال الرئيس Deni بشأنها أمام الدورة 47 لبرلمان Puntland في أكتوبر 2020 “نحن نعمل بجد لإيجاد حل ودي لتعقيدات اتفاقية ميناء بوساسو مع موانئ دبي العالمية دون تعريض علاقات بونتلاند مع الإمارات العربية المتحدة للخطر”. خلاصة القول أن للكيان الصهيوني تطلع ورغبة مُستعرة للوصول إلي أهم شواطيء القرن الأفريقي والمُتاخمة بل المُؤدية مباشرة لمدخل البحر الأحمر وبالتالي فسيكون من أهم التحالفات الإستراتيجية للكيان الصهيوني التحالف مع أي من الوحدات الثلاث التي يتكون منها الصومال أو مع ثلاثتهم , والصهاينة الأرض ممهدة لهم لتخريب الصومال فبين مقديشيو و Hargeisa تنافس وتوتر في مسألة البحر الأحمر ففي 4 ديسمبر 2020 أُعلنت حكومة الصومال / مقديشيو عن تعيين ممثل خاص للقرن الأفريقي والبحر الأحمر وخليج عدن , وهو ما أعتبرته صوماليلاند تجاهلاً ومن ثم إهانة لها , لذلك أصدرت وزارة خارجيتها بياناً تساءلت فيه عن كيفية تمثيل الصومال وهي لا تسيطر علي المسارين البحريين (خليج عدن والبحر الأحمر) , وأشار البيان إلي ما نصه : “إن جمهورية صوماليلاند دولة مستقلة تسيطر بشكل كامل على حدودها البرية والبحرية والجوية., وهي تقع في موقع استراتيجي في إفريقيا ولا سيما في البحر الأحمر وخليج عدن ,وأن صوماليلاند لن تقبل أي تمثيل دولي لشئونها من قبل مبعوث تعينه الحكومة الصومالية” , ويلي هذه المنطقة في الأهمية تحالف صهيوني آخرمُحتمل مع دول منطقتي الساحل والصحراء ( G 5 Sahel) ومنطقة الجنوب الأفريقي بقيادة أنجولا وليس جنوب أفريقيا التي مازالت تحافظ علي موقفها المبدئي من القضية الفلسطينية (في يونيو 2016 أصدر حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم ANC بياناً يدين فيه حزب التحالف الديموقراطي لإستمراره في تأييد إسرائيل وأشير في البيان إلي ” إننا لمصدومين أكثر من أن (هذا التأييد) يحدث في مقاطعة شهدت مظاهرة قوامها 200,000 مواطن جنوب أفريقي ضد سياسة إسرائيل في الفصل العنصري وظلم الفلسطينيين ” .
إن المرحلة القادمة والتالية لحصول الصهاينة علي صفة العضو المُراقب بالإتحاد الأفريقية في منتهي الخطورة خاصة مع تآكل مفاهيم الصراع العربي في أذهان الفريق الحالي من القادة العرب , ولا شك في أن الكيان الصهيوني سيعيد في المرحلة القادمة والمسرح الأفريقي خال من الخصوم / المنافسين العرب التقليديين بناء التحالفات التي بين الدول الأفريقية في مناطق القارة الخمس لصالحه ولخدمة أهدافه وستجد الدبلوماسية المصرية والجزائرية والمغربية صعوبة في التحرك في أفريقيا إذ سيضطرد تدريجيا أمامها حيز الحركة الصهيونية بأفريقيا بعد أن كانت هذه الأذرع الثلاث الرئيسية التي يمتد من خلالها العالم العربي لأفريقيا تتحرك مُتحررة إلي حد كبيرمن الحركة الصهيونية المدعومة من الولايات المتحدة (دعمت الولايات المتحدة النفاذ الإسرائيلي إلي دول أفريقية بعينها من خلال تعيين اليهود الأمريكيين الإسرائيليين في بعثات وكالة التنمية الدولية الأمريكية USAID ببعضها وهو أمر لم يكن سرياً بل معلناً ولم يقتصرعلي USAID فقط , ففي 14 أكتوبر 1969 أعلنت السفارة الأمريكية في تل أبيب أن الأمريكيين الذين أصبحوا إسرائيليين يمكنهم الإحتفاظ بالجنسية الأمريكية بما في ذلك الذين يخدمون في القوات المُسلحة الإسرائيلية) وما أعنيه أن المنافسة لن تكون مُتكافئة بالمرة في المرحلة القادمة خاصة مع تردي الاوضاع الإقتصادية بمصر والجزائر والمغرب وإنحسار الدور الأفريقي لليبيا .
نــتــيـجــة :
بالإضافة إلي أن كون قبول الإتحاد الأفريقي للكيان الصهيوني عضواً مراقباً به دليل إضافي علي إزدواجية معايير الإتحاد الأفريقي وضعفه أمام الضغوط الدولية خاصة تلك التي مارستها الولايات المتحدة وفرنسا بالتنسيق مع الكيان الصهيوني لتحقيق هذه العضوية بعد فشل محاولتين سابقتين لتحقيقها , ولا يمكن إعتبار هذا التطور محدود أو عادي فحيازة الكيان الصهيوني لعضوية المُراقب بالإتحاد الأفريقي تدشين لإستراتيجية صهيونية جديدة ومُقتحمة للقارة الأفريقية ولها نتائج مختلفة علي مُستقبل التعاون العربي / الأفريقي والعلاقات الثنائية بين دول القارة والدول العربية وبصفة خاصة تلك المعنية بالعلاقات الأفريقية لتأثيرها علي أمنها القومي مثل مصر والجزائر والمغرب , والخشية كل الخشية أن لا يتوقف الطموح الصهيوني عند هذا الحد ولا يتقدم نحو إقصاء فلسطين من عضوية المُراقب بالإتحاد الأفريقي ولاحقاً إقصاءها عن عضويتها كمراقب بالأمم المتحدة التي حازها الفلسطينيون في 29 من نوفمبر2012 , , فعضوية الكيان الصهيوني كمراقب بالإتحاد الأفريقي لا يجب أن يأخذها الحادبين علي القضية الفلسطينية علي أنها عمل مُستقل أو مُنعزل عن الهدف الأسمي الذي يطمح االصهاينة إلي تحقيقه وهو محو القضية الفلسطينية بقضها وقضيضها ولذلك فهذه العضوية ستكون جزءاً من إستراتيجية صهيونية أوسع مدي تُنفذ بالتوازي مع جهود صهيونية مُنسقة مع الولايات المتحدة وبعض القوي الدولية والإقليمية بل والعربية التي إرتقت هرم الخيانة حتي وصلت لذروته لتغيير معني ومبني القضية الفلسطينية حتي تصل إلي إعتبارها مجرد قضية لاجئين وهو ما فعلته الولايات المتحدة إبان عهد الرئيس الأمريكي السابق D . Trump الذي إختزل القضية بشكل تجاري فيما يُسمي بصفقة القرن .
عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي ونحن هنا نتناول القضية الفلسطينية فإن الأخذ بأسوأ السيناريوهات والعمل عليه يخقق أمن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وكلاهما في ضمير الشعوب العربية أما قادة العرب فلا وزن لهم ليُعتد به في القضية الفلسطينية فهم السبب الرئيسي لإنتصارات الصهاينة العسكرية والديبلوماسية .
الــــــــســــفــــيـــر بــــــلال الـــمــــصـــري – تـحـريـراً في 29 يـولـيـو 2021