الشرق الأوسطتقارير استراتيجيةعاجل

موقع إثيوبيا الجغرافي وتأثيره على سياستها الخارجية

أعداد: شاكر علي دومان – باحث في العلوم السياسية والجغرافية – جامعة صنعاء باليمن

  • المركز الديمقراطي العربي

 

المقدمة:

يشكل الموقع الجغرافي لدولة إثيوبيا أهمية حيوية بالنسبة لها حيث يحدها من الشمال والشمال الشرقي إريتريا ومن الشرق جيبوتي والصومال ومن الجنوب كنيا ومن الشمال الغربي السودان ومن الجنوب الغربي جنوب السودان وتقدر مساحتها ب1.104.300 كيلو مترا مربعا وتمثل أديس ابابا العاصمة المركزية  لها  كما انها تتميز بنظام حكم برلماني اتحادي وتعتبر سهلورق زودي رئيسة للدولة وأبي أحمد علي رئيس لمجلس الوزراء الأثيوبي[1] ،ويبلغ عدد سكان إثيوبيا 120مليون نسمة بحسب إحصائيات عام 2022م[2] وتماشيا مع تم ذكره تتعدد الديانات فيها بين المسيحية والاسلامية وغيرها من الديانات المحلية وتعد المسيحية بكافة مذاهبها أكبر الديانات في اثيوبيا حيث يعتنقها 66.5 % يليها الاسلام بنسبة 30.9٪ من اجمالي سكان البلاد[3]

يتناول التقرير أثر الموقع الجغرافي في السياسية الخارجية لدولة إثيوبيا وذلك من أجل تحديد  واستكشاف عوامل القوة والضعف بالنسبة لموقعها الجغرافي ومدى تأثيره على سلوكها السياسي تجاه الدول المحيطة بها.

ويتبلور التقرير في ثلاثة محاور رئيسية, يتناول أولها نبذة  مختصرة عن الموقع الجغرافي لدولة إثيوبيا, في حين يتناول المحور الثاني نقاط القوة والضعف بالنسبة لموقعها الجغرافي, بينما يتناول المحور الثالث تأثير الموقع الجغرافي على السياسة الخارجية الإثيوبية.

أولا: نبذة مختصرة عن الموقع الجغرافي لدولة إثيوبيا:

  • الموقع الفلكي:

تقع دولة إثيوبيا بين دائرتي عرض (18،3شمالا) وبين خطي طول (48،33شرقا)[4]وهذا الموقع قد أكسبها ميزة التنوع والاختلاف المناخي من منطقة الى أخرى فأغلبية مناطقها المرتفعة طقسها بارد جدا بشكل عام, وتختلف البرودة بحسب درجة ارتفاع تلك المناطق عن مستوى سطح البحر, بسبب العوامل الطبوغرافية الواسعة والمختلفة التي تتسم بها دولة إثيوبيا[5]

2- الموقع بالنسبة لليابسة والماء:

إثيوبيا هي دولة قارية (حبيسة) أي لا تمتلك  منفذ بحري وذلك بعد استقلال أرتيريا عنها عام 1993م, فهي عبارة عن هضبة مرتفعة يصل أعلى ارتفاع فيها الى 4000 متر فوق مستوى سطح البحر إضافة الى وجود بعض المنخفضات والأراضي السهلية البسيطة  فيها التي تشكل ما بين 16-25% من أجمالي مساحتها, وتتوزع الأراضي الأثيوبية على ما يعادل 750-800 كم من الأراضي الزراعية, وحوالي 89.000 كم غابات ومراعي, وحوالي 700-900 كم مباني وأراضي سكنية, وقمم جبلية إضافة الى ما يقارب 121.000 كلم من المجاري والمسطحات المائية[6]

وتنقسم إثيوبيا من الناحية الهيدرولوجية الى 14 حوضا مائيا جميعها تجري فيها عددا من الأنهار تتشارك بهم مع 12 دولة أفريقية وهم (السودان, كينيا, اريتريا, الصومال, الكنغو, مصر, جنوب السودان , جيبوتي, أوغندا, تنزانيا) لتصبح هذه الانهار مياه دولية إقليمية ذات نظام مائي محدد, ومن أكبر هذه الأنهار: النيل الأزرق وأواش وبارو وأوما وتكيزي وويب شيلي وغينيل., وبهذا الصدد نجد الإشارة الى ان مساحة حوض النيل(الأزرق) تمثل حوالي 25% من إجمالي مساحة إثيوبيا, كما تمثل نحو 30% من إجمالي مواردها المائية, وتبلغ مياه الأنهار الإثيوبية بخلاف الأنهار الدولية نحو 90 مليار[7]

وتتميز تلك المرتفعات الجبلية والأنهار المائية بأنها شديدة الانحدار والخطورة ولا تصلح أن تكون قابلة للملاحة البحرية.

الموقع بالنسبة للدول المجاورة:

وفقا لموقعها الاستراتيجي تعبر إثيوبيا قلب القرن الأفريقي فهي تقع ضمن دول شرق أفريقيا  وتتشارك بحدودها مع ست دول منها ثلاث دول عربية وثلاث دول أفريقية, حيث يحدها من الشمال ارتيريا بحدود طولها (912) كم, ومن الجنوب كينيا بطول (830) كم, ومن الشرق الصومال وجيبوتي بحدود طولها (1626) كم, و(337) كم على التوالي, إضافة دولتي جمهورية السودان وجنوب السودان اللتان تحدانها من الشمال الغربي والغرب على التوالي بحدود طولها (1606) كم[8] وبهذا يصل إجمالي طول الحدود لإثيوبيا (5311) كم, لتكون بتلك الحدود أكثر دول القرن الأفريقي مشاركة  للحدود مع دول القرن الأخرى.

ثانيا: نقاط القوة والضعف بالنسبة للموقع الجغرافي لدولة إثيوبيا:

نقاط القوة

  • منابع مياه الأنهار:

بالرغم من ان إثيوبيا دولة حبيسة الا انها تعتبر ثاني أغنى دولة مائية- بعد دولة الكنغو الديمقراطية- فقد مثلت الانهار أهمية جيواقتصادية بالنسبة لها نتيجة لموقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي مكنها من استغلال مياه الأنهار التي تمر وتنبع من قمم أراضيها في بناء السدود لتوليد طاقة كهرومائية هائلة الحجم لإنتاج الكهرباء والسعي في تحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال مع إمكانية التصدير للدول المجاورة الأمر الذي يجعل من إثيوبيا مركزا وقوة إقليمية في انتاج الطاقة الكهربائية وتصديرها[9] وبالإشارة الى هذا الجانب نخص بالتحديد ملف سد النهضة وعملية بناءه وتشييده وهو السد الذي يعتبر من اكبر و اضخم السدود في افريقيا و الذي تسبب لدول الممر “السودان” ودول المصب “جمهورية مصر” الكثير من الضرر وجعل اثيوبيا تتحكم في القرار الافريقي و تضغط في اتجاه تنفيذ مصالحها وتستفيد من كونها موقع استراتيجي  منبع لمياه الأنهار الافريقية.

  • موقع جيوسياسي:

تعد إثيوبيا -المحاطة بست دول-  قلب منطقة القرن الأفريقي بشكل خاص وعاصمة للقارة الأفريقية بشكل عام، وانطلاقا من ذلك سعت إثيوبيا ان تحافظ على استقرار أراضيها الداخلية  لتكون محطة مهمه في فض النزاعات والاضطرابات المحيطة بها ولأعب يمكن الاعتماد عليه وهو ما تجسد في عضويتها وترأسها لبعض المنظمات الإقليمية والدولية و احتضانها المقر الرئيسي للأمانة العامة ولجنة منظمة الاتحاد الأفريقي (African Union) سيما دورها المهم في الهيئة الحكومية للتنمية (إيغاد) وعضويتها غير الدائمة سابقا في مجلس الأمن الدولي. إضافة الى مساهمتها الكبيرة في عمليات وجهود الأمم المتحدة لحفظ السلام ومكافحة الإرهاب في منطقة القرن الإفريقي ، الشي الذي منحها وجود وثقل سياسي دبلوماسي مميز  -عن غيرها من الدول –  على المستوى القاري والدولي.

  • عمق جغرافي:

يشكل الموقع الجغرافي لإثيوبيا عمق دفاعي استراتيجي لها في منطقة القرن الافريقي, فقد أحتلت إثيوبيا المركز الثاني من حيث مؤشرات الدفاع في العمق ولا يسبقها سوى دولة كينيا من الدول المجاورة لها[10]  يتيح لها ذلك العمق الكبير من إمكانية المناورة في القتال، وإعادة تنظيم القوات، من خلال الانسحاب التكتيكي داخل أراضيها, كم يمكنها ومن خلال جر القوات المعادية إلى السطح الجغرافي الذي يعرفه الجنود ويدركون خفاياه ومميزاته. وذلك نتيجة شكل دولة إثيوبيا الجغرافي الذي يقترب من الشكل الدائري المندمج.

نقاط الضعف

  • دولة حبيسة:

إثيوبيا دولة حدودها برية تماما ولا تمتلك واجهة مطله على البحر واتصالها بالعالم الخارجي يعتمد على الدول المجاورة لها الأمر الذي جعلها تعاني من أزمات ومشكلات اقتصادية ودفعها للدخول في اتحاد جمركي يستنزف نفقاتها وتشن حروب وعلاقات صراعية مع بعض الدول المجاورة – أرتيريا والسودان-  نتيجة خلافات حدودية. إضافة الى ان بعدها عن البحر شكل لها عائق اقتصاديا في غاية الخطورة والأهمية, حيث جعلها دولة غير مناسبة نسبيا لإقامة الأنشطة الاقتصادية وفتح مجال الاستثمارات فيها, وذلك بسبب ارتفاع تكاليف أجور النقل.

  • تنوع التضاريس والطرق البرية:

تضاريس إثيوبيا الجغرافية تسودها الجبال والهضاب والغابات الاستوائية وتحيط بها المناطق الصحراوية والشبه صحراوية والمنخفضات المرتفعات التي تتسم بأنها شديدة الوعورة والانحدار …الخ, جميعها ميزت الطبيعة الإثيوبية عن سائر دول القرن الأفريقي.

هذا التنوع الطبوغرافي في الهضبة الإثيوبية لعب دور بارز في تردي مستوى شبكات الطرق والمواصلات الداخلية وقلة الموانئ البرية فيها التي تعتبر بمثابة شرايين لربط أقاليم البلاد ببعضها البعض من أجل تماسك الدولة سياسيا وتنشيط التبادل التجاري اقتصاديا[11]

وقد ساهم عامل المواصلات  بشكل او بأخر في حدوث عزلة نسبية بين المناطق الحضرية والريفية ومطالبة بعض أقاليم إثيوبيا بالانفصال عن كيان الدولة.

  • التركيبة السكانية والتعدد الاثني:

تحتوي إثيوبيات على حلقة معقدة ومتعددة من الأعراق اللغات والديانات المتنافرة, وهذا نتيجة توسعها الجيوبولتيكي نحو دول الجوار, فقد ضمت الى أراضيها وحدودها السياسية إقليم الدناكل في إريتريا ومنخفض العفر وإقليم الصوماليين أوجادين- إقليم الجالا – في الصومال, وبهذا أصبحت إثيوبيا دولة مختلطة تركيبها الديني والعرقي غير متجانس[12] نتج عن هذا التوسع تفشي النظام القبلي الذي يمتد الى ما وراء الحدود للدول المجاورة مثل قبائل تيجراي والعفر وساهو والصومالي التي تمتد الى جيبوتي والصومال وإريتريا, كذلك الدين على نفس المنوال فتمثل القبائل المسلمة -على سبيل الحصر- في إثيوبيا امتداد الى كافة الدول المجاورة عدا كينيا وجنوب السودان, اما اللغات المتعددة فأنها تتشابه وتتداخل كذلك مع كافة دول الجوار مثل اللغة العربية في إقليم صوماليا في إثيوبيا فأنها تتشابه مع الصومال, واللغة التجرينية في إرتيريا ويسكن أغلبية هذه القبائل والأقليات بالقرب من دول الجوار التي يشعرون بالانتماء إليها[13]

وتعتبر هذه التركيبة العرقية والدينية واللغوية العابرة للحدود والغير متجانسة مع بعضها البعض, عامل ضعف في البنية الأساسية للدولة من منظور الجغرافيا السياسة, وذلك لعدة تداعيات فمن ناحية أولى: أن سيادة النظام القبلي في الدولة يؤدي الى حالة من الانقسام والتشرذم بين أطياف المجتمع وبالتالي حدوث أزمة هوية ومواجهة صعوبة في بناء وحدة الدولة بجميع أقاليمها, كما يفتح مجالا للتدخلات الخارجية مثلما حدث بين الأوجادين وإريتريا, ومن ناحية ثانية: تؤدي الى كثرة الاحتكاكات والنزاعات الانفصالية التي تتسم غالبا بالعداء بين إثيوبيا وجيرانها وهو الأمر الذي جعل إثيوبيا في حالة الاستعداد والتأهب لأي مواجهة عسكرية ومهتمة ببناء قوة عسكرية ضخمة تمثل عبئا على ميزانيتها بدل من الاهتمام بمجال التنمية والتعليم ومحاربة الفقر….الخ

ثالثا: تأثير الموقع الجغرافي على السياسة الخارجية الإثيوبية:

عانت إثيوبيا كثيرا من موقعها المنغلق والمحاط ب ست دول, نتيجة الظروف الخانقة التي فرضتها الجغرافية السياسية عليها, وبطبيعة الحال أثر ذلك الأمر وأنعكس على سلوكها السياسي تجاه دول الجوار الإقليمي الذين سعت إثيوبيا الى تحقيق مصالحها الحيوية بواسطة العبور من أراضيهم للوصول الى المجال الحيوي الذي تنشده, كذلك لعبت العوامل الجغرافية (الطبيعية-البشرية-الاقتصادية) دورا مهم في صناعة سياساتها الداخلية والخارجية وعلاقاتها الدولية التي لم تتسم بالثبات واختلفت من مرحلة الى مرحلة أخرى ومن دولة الى دولة أخرى بحسب ظروف كل مرحلة.

بعد انتهاء الحرب الباردة وتولي الجبهة الثورية الديمقراطية الشعبية -المكون من ائتلاف ثلاثة إقليم- مقاليد الحكم بعد إسقاط النظام العسكري الذي سقط نتيجة فشل وانهيار النظام الماركسي الاشتراكي عام1990م, تحول نهج وهدف السياسة الخارجية الإثيوبية من القوة الصلبة (الدبلوماسية العسكرية) الى القوة الناعمة (الدبلوماسية الاقتصادية) بمعنى اعطاء الأولوية للقضايا الداخلية من عدم استقرار والفقر والجهل…ألخ والقضاء عليها وأحداث تنمية وديمقراطية كذلك معالجة التهديدات الأمنية الخارجية والتصدي لها عبر الوسائل السلمية كالحوار والتفاوض والسعي خلف تنوع شركائها من القوى الدولية  بهدف جذب المستثمرين والاستثمار  الخارجي الى البلاد وتوسيع الاقتصاد من خلال قطاع الزراعة والطاقة والقطاعات الأخرى التي ستدفع عجلة النمو الاقتصادي الى الأمام[14]

فعلى مدى تاريخ نشأة الدولة الإثيوبية الحديثة ركزت وانشغلت سياستها الداخلية وأنظمتها المتعاقبة على ارساء وترسيخ فكرة الدولة الموحدة بين شعبها المتعدد الإثنيات والقوميات والحفاظ على سلامة ووحدة أراضيها, وفي المقابل اعتمدت سياستها الخارجية بشكل كبير على التحالفات الدبلوماسية والعسكرية بهدف اعتراف المجتمع الدولي بشرعية حدودها الجغرافية التي توسعت وضمت مناطق على حساب دول الجوار[15]

وإنطلاقا من  طبيعة موقعها الجغرافي تبنت السياسة الخارجية الإثيوبية محورين أساسيين: أولها يتعلق بآليات التعامل مع دول الجوار(دول القرن الأفريقي) وتأمين حدودها أما الثاني فيتعلق حول تعزيز مكانتها وأدوارها كقوة إقليمية داخل الاتحادات والمنظمات والهيئات الأفريقية على رأسهم منظمة الاتحاد الأفريقي[16]

مؤخرا ومع صعود الحكومة الجديدة بقيادة آبي أحمد سنة 2018م, تبنت إثيوبيا سياسة خارجية عرفت باسم (دبلوماسية الموانئ) التي من شأنها تعطي إثيوبيا امتيازات في استخدام الموانئ البحرية للدول المجاورة وامتلاك حصص فيها خصوصا ان هناك عدة اتفاقات أجريت في الماضي بين الحكومة الإثيوبية وحكومات دول الجوار لاستخدام موانئها و قد أسهمت دبلوماسية الموانئ في تعزيز تلك الشراكة بين إثيوبيا وجيرانها ومن تلك الموانئ ميناء جيبوتي الذي تعتمد علية إثيوبيا بنسبة 95% من إجمالي صادراتها و وارداتها, ومينائي مصوع وعصب في إرتيريا, وميناء لأمو في كينيا, وميناء بورتسودان في السودان وإضافة الى أربع موانئ بحرية في السودان[17] وبهذا تكون إثيوبيا قد تخلصت بشكل شبة كلي- على أقل تقدير- من عقدة الحصار البري الأمر الذي يعزز من مصالحها التجارية والاقتصادية ولكن تبقى تلك الامتيازات مرهونة باستقرار علاقات التعاون  بينها وبين جيرانها. علاوة على ذلك وظفت إثيوبيا سياستها الخارجية في تعزيز علاقات التعاون بدول الجوار في مجالات الطاقة والمياه والبنية التحتية, إضافة الى ترويجها لسد النهضة الذي من خلاله سيتم تصدير الكهرباء لدول الحوض التي تعاني من شحة في الطاقة الكهربائية وهو الشي الذي سيحقق لها الريادة الاستراتيجية والقوة الإقليمية الرادعة في منطقة القرن الأفريقي[18] ويمكننا بشكل مختصر الإشارة الى سلوك السياسة الخارجية الإثيوبية الناتج عن طبيعة موقعها الجغرافي, تجاه بعض دول الجوار المؤثرين.

ففي إطار علاقتها مع السودان, يعتبر السودان امتدادا للأمن السياسي والاجتماعي لإثيوبيا بشهادة التاريخ فمنذ القدم والعلاقات الإثيوبية السودانية تتسم بالشك والحذر المتبادل بين الدولتين الذي أدى الى اجتذابهما كثيرا الى صراعات إقليمية متشابكة وجزء من تلك الصراعات بين إثيوبيا والسودان يرجع الى استخدام مياه النيل وترسيم الحدود[19] ونظرا للجوار الجغرافي ركزت إثيوبيا على عمل مشاريع مشتركة مع السودان في عدة مجالات على الحدود كمشروع الخط الحديدي بين مدينة بورتسودان وشمال إثيوبيا وهي المنطقة التجارية الحرة لإثيوبيا في بورتسودان (ميناء حر تتمتع به إثيوبيا وفق اتفاق مبرم بين الدولتين), إضافة إلى تحقيق الربط الكهربائي بين الدولتين, كما ان هناك اتفاق تبادل لمد إثيوبيا بحاجاتها النفطية وأخذ السودان لحاجته من الكهرباء, وهذا التبادل والاعتماد جعل السياسية الخارجية الإثيوبية تسعى وتحرص على إقامة علاقة تعاونية معها وتنشط بعثات دبلوماسية تعاونية لاستمرار السلام مع السودان من أجل بناء شراكات، تحقق لإثيوبيا مصالحها الاستراتيجية في المنطقة وإجهاض أي مشاكل تأتي في إطار التدخلات الحدودية لخلق حدود أمنة بينهما[20]

اما بالنسبة لجنوب السودان-بعد انفصاله- فالعلاقات بينها وبين إثيوبيا يشوبها التخوف من الانقسامات والنزاعات داخل جنوب السودان فتلك الصراعات تشكل مصدرا لعدم الاستقرار في إثيوبيا كون الأخيرة تربطها مصالح أمنية واستراتيجية بسبب حدودها مع جنوب السودان, فالسياسة الخارجية الاثيوبية لعبت دورا في دعم المعارضة (قبيلة النوير)، ودور الوسيط لإنهاء أي أزمة في جنوب السودان لتحقيق السلام والحيلولة دون سقوط الدولة في حرب أهلية خوفا على أمنها ومصالحها[21]

وعلى صعيد العلاقة مع إرتيريا, استقلت ارتيريا عن إثيوبيا عام 1993م, ومنذ وقتها فقدت إثيوبيا منفذها الحيوي المطل على البحر الأحمر وأصبحت دولة حبيسة لترتسم بعدها علاقات عدائية مع ارتيريا انفجرت في حرب عسكرية حدودية تمثلت في ثلاث جولات من المعارك في فبراير1999م, يونيو1990, مايو2000م, ليتم فض ذلك  النزاع في ديسمبر2000م بإتفاقية سلام دولية عرفت بأسم (إتفاقية الجزائر) لترسيم الحدود بين البلدين, وبالرغم من ذلك الاتفاق, أستمرت السياسية الخارجية الإثيوبية في تبني علاقات عدائية تجاه إرتيريا واعتبارها عدو إثيوبيا التاريخي لتظل العلاقات بينهم مقطوعة ومشحونة بالتوترات[22]  قرابة عقدين من الزمن, الى حدوث اتفاق أسمرة للسلام والصداقة في يوليو2018م والذي بكل تأكيد سيعزز من تغذية الاقتصاد الإثيوبي، وسيخرج إثيوبيا من عنق الزجاجة الحبيسة، لتنطوي بعد ذلك صفحة من الخلاف والنزاع بين البلدين تسببت في التوتر الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي وقد كانت هذا المصالحة نابعة من تبني السياسية الخارجية الإثيوبية سياسة (صفر مشاكل) مع دول الجوار من أجل خلق مناخ إقليمي جديد بعيدا عن الصراعات والنزاعات[23]  ولا مناص من القول ان إثيوبيا بقيادة الحكومة ابي أحمد تعي أهمية أنهاء هذا الخلاف مع إرتيريا لكونها تعد منفذا مهما لاتصالها بمياه البحر الأحمر.

وفيما يتعلق بالعلاقة مع الصومال تربط إثيوبيا علاقة ودية مع الصومال مراعية للظروف الأمنية، فقد ركزت السياسة الخارجية الإثيوبية تجاه الصومال في تقسيمها الى دويلات ضعيفة غير متحدة لتعمل على مد نفوذها وأغلاق ملف قضية إقليم الأوجادين الذي سلمه الاحتلال البريطاني في 1954م الى إثيوبيا, والذي يمثل أهمية اقتصادية لها, لحماية الأمن القومي الإثيوبي وذلك عبر حماية حدودها مع الصومال[24] أيضا السيطرة على موانئ البحرية الصومالية وتملك حصص فيهم وذلك ضمن استراتيجية دبلوماسية الموانئ لتنويع منافذها البحرية[25] وجميع ما سبق قد انطلق في الظاهر تحت شعار تحقيق السلام في الصومال, ولكن في حقيقة الأمر كان تحقيق مصالحها الوطنية وبسط نفوذها من أولويات أهداف إثيوبيا الغير معلنه, لذلك هدفت السياسة الخارجية الإثيوبية الى استمرار حالة الانقسام وتدهور الأوضاع  في الصومال وبتالي ضمان عدم قيام نطام سياسي قوي يسعى في المستقبل الى استعادة الأوجادين ويمنعها من استخدام تلك الموانئ.

وفي نفس الصدد تسود بين إثيوبيا وجيبوتي علاقة استثنائية تعاونية فالأولى تنظر الى الثانية كحليف وشريك استراتيجي لها, لاسيما بعد الحرب الإثيوبية الإرتيرية (1998م-2000م) التي أجبرت إثيوبيا لتحويل تجارتها الخارجية نحو ميناء جيبوتي  وبناء سكة حديدية تمتد من أديس أبابا الى الميناء, إلى جانب ذلك اتفاقيات تجارية أبرزها تصدير الكهرباء الى جيبوتي، وبرتوكولات في حركة وإقامة مواطني البلدين وهذا التعاون بين البلدين انبعث عن حاجة إثيوبيا الى جيبوتي في اعتمادها بوابة بحريا لها كمنفذ مهم لتجارتها الخارجية وحاجة جيبوتي الى إثيوبيا لتمدها باحتياجات المياه والكهرباء في إطار استراتيجية إثيوبيا لبناء شراكات إقليمية في القرن الأفريقي تعزز من دورها الإقليمي وتحمي مصالحها الاستراتيجية في المنطقة [26]

قائمة المراجع

أولا- المراجع العربية:

  1. إثيوبيا | دول- موقع الجزيرة, https://cutt.us/B45wI
  2. الهرم السكاني لإثيوبيا لعام 2022م، https://cutt.us/VNSmq
  3. نسما, الديانات في إثيوبيا, 1أغسطس2022م, موقع المرسال, https://www.almrsal.com/post/873459
  4. حسام صادق, شبكات النقل في دولة إثيوبيا: دراسة في جغرافيا النقل, معهد البحوث والدراسات الاستراتيجية لدول حوض النيل2021م-جامعة الفيوم, https://cutt.us/gt6HE
  5. الطقس والمناخ في إثيوبيا, وجهات سياحية, على الرابط https://cutt.us/mJVhH
  6. مؤتمر علاقات السودان بدول الجوار- رؤية مستقبلية- مركز البحوث والدراسات الأفريقية, أكتوبر2011م.
  7. رضوى سيد أحمد محمود عمار, السياسة الإثيوبية تجاه نهر النيل من منظور القوة الجيواقتصادية المائية, جامعة بني سويف, كلية السياسة والاقتصاد, 2022م.
  8. محمود توفيق, المدخل الجنوبي للبحر الأحمر،1983, دراسة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكس، دار المريخ للنشر.
  9. علياء الحسين محمد كامل، التعددية العرقية والصراع في إثيوبيا، 2014، أعمال المؤتمر السنوي, معهد البحوث والدراسات الإفريقية.
  10. هاشم علي حامد, رؤية إثيوبية: إثيوبيا والقرن الإقريقي, 13سبتمبر2019م, المعهد المصري للدراسات, على الرابط https://shortest.link/aABw
  11. الشافعي ابتدون, إثيوبيا: المتغيرات الجيوسياسية ومستقبل التوازن في القرن الإفريقي, 9يوليو2018م, مركز الجزيرة للدراسات, على الرابط https://2u.pw/On5qlg
  12. الشافعي أبتدون, “تصفير المشاكل”.. إثيوبيا على طريق زعامة أفريقيا بنكهة تركية, 11يوليو2018, مركز الجزيرة للدراسات, على الرابط https://shortest.link/a67s
  13. محمد مورو, الصراع الدولي والإقليمي في الصومال, 2006, الجزيرة نت, https://2u.pw/Ob3jK2
  14. أحمد عسكر, السياسة الخارجية الإثيوبية في عهد آبي أحمد… الاستمرارية والتغيير, 28يونيو2018, مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية, على الرابط https://shortest.link/a6xN
  15. محمد عبدالغني السعودي, أفريقيا المعاصرة, مكتبة الأنجلو المصرية, القاهرة, 2005م.

 ثانيا-المراجع الأجنبية:

  1. Negera Gudeta Adula. Ethiopian Foreign Policy Under Military and EPRDF Regimes: Changes and Continuities. Journal of Political , Science and International Relations.
  2. Edmond J. Keller (1987): The Politics of State Survival: Continuity and Change in Ethiopian Foreign Policy, The Annals of the American Acadey of Political and Social Science (AAPSS)
  3. Amare Tekle (2008): The Determinants of the Foreign Policy of Revolutionary Ethiopia, The Journal of Modern African Studies, p.482
  4. Kidist Mulugeta (2014): The Role of Regional Powers in the Field of Peace and Security, The Case of Ethiopia, Friedrich-Ebert-Stiftung, https://www.fes.de/
  5. Harry Verhoeven (2011): Black Gold for Blue Gold? Sudan’s Oil, Ethiopia Water, and Regional Integration, Africa Programme, Briefing Paper, Chatham House, London.

[1] إثيوبيا | دول– موقع الجزيرة, تاريخ الدخول 26أكتوبر2022م, الساعة 4:55م, https://cutt.us/B45wI

[2] الهرم السكاني لإثيوبيا لعام 2022م, تاريخ الدخول 27أكتوبر2022م, الساعة 11:30م، https://cutt.us/VNSmq

[3] نسما, الديانات في إثيوبيا, 1أغسطس2022م, موقع المرسال, تاريخ الدخول:27أكتوبر2022م, https://www.almrsal.com/post/873459

[4] حسام صادق, شبكات النقل في دولة إثيوبيا: دراسة في جغرافيا النقل, معهد البحوث والدراسات الاستراتيجية لدول حوض النيل2021م-جامعة الفيوم, ص798 على الرابط https://cutt.us/gt6HE

[5] الطقس والمناخ في إثيوبيا, وجهات سياحية, تاريخ الدخول:27أكتوبر2022م, الساعة2:22م, على الرابط https://cutt.us/mJVhH

[6] مؤتمر علاقات السودان بدول الجوار– رؤية مستقبلية- مركز البحوث والدراسات الأفريقية, أكتوبر2011م, ص218

[7] رضوى سيد أحمد محمود عمار, السياسة الإثيوبية تجاه نهر النيل من منظور القوة  الجيواقتصادية المائية ص163, جامعة بني سويف, كلية السياسة والاقتصاد, 2022م.

[8] مؤتمر علاقات السودان بدول الجوار– رؤية مستقبلية- مركز البحوث والدراسات الأفريقية, أكتوبر2011م, ص217

[9] رضوى سيد أحمد محمود عمار, مرجع سابق, ص161

[10] محمد عبدالغني السعودي, أفريقيا المعاصرة ص441, مكتبة الأنجلو المصرية, القاهرة, 2005م.

[11] حسام صادق, شبكات النقل في دولة إثيوبيا, مرجع سابق

[12] محمود توفيق, المدخل الجنوبي للبحر الأحمر،1983, دراسة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكس، دار المريخ للنشر, ص260

[13] علياء الحسين محمد كامل، التعددية العرقية والصراع في إثيوبيا، 2014، أعمال المؤتمر السنوي, معهد البحوث والدراسات الإفريقية, ص447-452.

[14] Negera Gudeta Adula. Ethiopian Foreign Policy Under Military and EPRDF Regimes: Changes and Continuities. Journal of Political , Science and International Relations. Vol. 2, No. 1, 2018, p.28

[15] Edmond J. Keller (1987): The Politics of State Survival: Continuity and

Change in Ethiopian Foreign Policy, The Annals of the American Acadey of Political and Social Science (AAPSS), p.77

[16] Amare Tekle (2008): The Determinants of the Foreign Policy of Revolutionary Ethiopia, The Journal of Modern African Studies, p.482

[17] Kidist Mulugeta (2014): The Role of Regional Powers in the Field of Peace and Security, The Case of Ethiopia, Friedrich-Ebert-Stiftung, https://www.fes.de/

[18] Harry Verhoeven (2011): Black Gold for Blue Gold? Sudan’s Oil, Ethiopia Water, and Regional Integration, Africa Programme, Briefing Paper, Chatham House, London.p.3

Harry Verhoeven, op. cit., p. 3 [19]

[20] هاشم علي حامد, رؤية إثيوبية: إثيوبيا والقرن الإقريقي, 13سبتمبر2019م, المعهد المصري للدراسات, تاريخ الدخول: 15نوفمبر2022, الساعة 4:11م, على الرابط  https://shortest.link/aABw

[21] هاشم علي حامد, رؤية إثيوبية, مرجع سابق

[22] الشافعي ابتدون, إثيوبيا: المتغيرات الجيوسياسية ومستقبل التوازن في القرن الإفريقي, 9يوليو2018م, مركز الجزيرة للدراسات, تاريخ الدخول: 29نوفمبر2022م, الساعة 7:94م على الرابط  https://2u.pw/On5qlg

[23] الشافعي أبتدون, “تصفير المشاكل”.. إثيوبيا على طريق زعامة أفريقيا بنكهة تركية, 11يوليو2018, مركز الجزيرة للدراسات, تاريخ الدخول: 28نوفمبر2022م, الساعة 7:40م على الرابط  https://shortest.link/a67s

[24] محمد مورو, الصراع الدولي والإقليمي في الصومال, 2006, الجزيرة نت, تاريخ الدخول 29نوفمبر2022م, الساعة 4:13م على الرابط  https://2u.pw/Ob3jK2

[25] Kidist Mulugeta, مرجع سابق

[26] أحمد عسكر, السياسة الخارجية الإثيوبية في عهد آبي أحمد… الاستمرارية والتغيير, 28يونيو2018, مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية, تاريخ الدخول: 1سبتمبر2022م, الساعة 10:44م على الرابط  https://shortest.link/a6xN

4.7/5 - (28 صوت)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى