بعد مرور سنة على الحرب الروسية الأوكرانية، ما حجم تأثير الأقطار العربية بهذه الحرب
اعداد : تقى خالد العربي – باحث اقتصادي ومحلل مالي بشركة زالدي للاستثمار
- المركز الديمقراطي العربي
مقدمة:
بالكاد كان العالم على أهبة الافاقة من تداعيات وباء كرونا الذي أدى الى ازمة اقتصادية مازال حتى الان العالم يعاني من اثارها حتى فوجئ الجميع بأزمة جديدة تنذر بوجود ازمة اقتصادية على أهبة الحدوث، بدت هذه الازمة بوادرها عندما اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية بالإضافة الى ان العالم لم يكن متوقعا حجم التبعات التي اسفرت عنها الحرب الروسية الأوكرانية منذ بداية الحرب حتى الان.
أودت الحرب الروسية الأوكرانية العالم اجمع الى طريق يمتلئ بالصراعات السياسية والأزمات الاقتصادية ،فقد بدأت الحرب الروسية الأوكرانية عام 2014 تلاها تصعيدات مستمرة أدت الى مرحلة غزو روسيا لأوكرانيا بداية عام 2022 وبالطبع كان لهذا تأثيرا سياسيا واقتصاديا كبيرا على المنطقة العربية فلم يتسبب الصراع في تعطيل طرق التجارة وسلاسل التوريد وطرق التجارة فحسب، بل أدى أيضًا إلى انخفاض النشاط الاقتصادي في أوكرانيا وروسيا ، كما نتج عن هذه الحرب فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا وتأثر دوائر الإنتاج وموانئ التصدير الأوكرانية كل هذا له تأثير أيضًا على التجارة العالمية ومنها المبادلات التجارية بين الدول العربية وكل من روسيا وأوكرانيا، حيث تتعامل الكثير منها مع طرفي النزاع تصديراً واستيراداً.
تطورات أربكت العالم:
تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية لم تكن يقتصر تأثيرها في قارة، لكنها امتدت لتشمل العالم ككل، وهو الأمر الذي أدى إلى تزايد تأثير وتباعيات الحرب الروسية:
- أمن الطاقة:
تمثل روسيا أهم مصدر طاقة ونفط لكثير من الدول الاوربية كما تؤكد الاحصائيات ان روسيا أكبر مصدر للغاز الطبيعي وثاني أكبر مورد للنفط الخام وثالث أكبر مصدر للفحم على مستوى العالم، كما تساهم روسيا بثلاث ارباع ونصف أجمالي النفط الخام المصدر الى القارة الأوربية، ويشكل النفط الروسي حوالي ربع واردات الاتحاد الأوربي من النفط عام 2020، لذلك لم تكن ازمة الحرب تقتصر فقط على زيادة عدد اللاجئين ولكن تحمل في طياتها الكثير من التهديدات من ضمنها تهدد امن الطاقة
لذلك بدأ سعى الاتحاد الأوربي في انهاء اعتماده على مصادر الطاقة الروسية عقب الغزو الروس لأوكرانيا وأعلنت المفوضية الاوربية عن عزمها على انهاء اعتماد الاتحاد الأوربي على مصادر الطاقة الروسية بحلول عام 2030.
- ازمة الغذاء:
كان من أهم تداعيات الازمة الروسية الأوكرانية هي ازمة الغذاء العالمية والتي تفاقمت عقب ازمة كرونا، والذي أدى الى اعلان برنامج الغذاء العالمي ان ازمة الغذاء العالمية جاءت نتيجة الاثار المتتالية للصراعات والصدمات المناخية والاوبئة كما زادت الازمة عقب الاثار المترتبة على الحرب
من أحد اهم أسباب تفاقم ازمة الغذاء عالميا عقب الغزو الروسي هو لان أوكرانيا تعد واحد من اهم سلاسل الغذاء في العالم كما تنتج حوالي نصف الاستهلاك العالمي من زيت دوار الشمس وقرابة 15% من الذرة و 10% من صادرات القمح على مستوى العالم، لذلك عندما أدى الصراع الى توقف حركة صادرات أوكرانيا من الحبوب خاصة في ظل الحصار الروسي للموانئ الأوكرانية تأثرت الكثير من الدول التي تعتمد بشكل رئيسي على واردات الحبوب الأوكرانية بهذا الغزو
- تذبذب أسعار العملات عالميا:
في وسط ازمة الطاقة ونقص سلاسل الامداد وزيادة الطلب على الدولار باعتباره الملاذ الامن عالميا، شهد اليورو هبوطا الى ما دون دولار واحد لأول مرة منذ 20 عاما
أوجه تأثر مبادلات التجارة بين الدول العربية وروسيا وأوكرانيا:
مما لا شك فيه ان العالم أجمع تأثر بتأثير اضطرابات سلاسل الامداد عقب غزو أوكرانيا، ولكن كان الشرق الأوسط من بين اقطاع العالم الأكثر تضررا وذلك لأن يأتي حوالي ثلث القمح في العالم من روسيا وأوكرانيا، كما ان بعض دول الشرق الأوسط تعتمد على هذين البلدين في أكثر من نصف وارداتها، كما أدى ارتفاع معدلات التضخم إلى ضرب عدد من اقتصادات الشرق الأوسط غير المستقرة. دفع ارتفاع أسعار السلع في العراق وإيران الكثيرين إلى الشوارع للاحتجاج. وفي مصر، حيث قبل عقد مضى فقط أطاحت انتفاضة بالنظام تحت شعار “الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية”، تشهد الأسر من جميع مستويات الدخل تآكلًا سريعًا في قدرتها الشرائية.
كيف تأثرت مصر بالأزمة الروسية الاوكرانية:
تأثرت مصر بشكل عنيف بتداعيات الحرب وذلك لأنها أكبر مشتر للقمح في العالم وتعتمد بنسبة 80% من وارداتها على روسيا وأوكرانيا لذلك عندما انخفضت الواردات نتيجة للحرب عانت الحكومة وواجهت تحديات نتيجة نقص سلاسل الامداد أدى الى ارتفاع أسعار الغذاء وذلك لان مصر تعتمد اعتمادا كبيرا على الدولتين في استيراد الحبوب وخاصة القمح (80% من واردات القمح من روسيا وأوكرانيا ) لذلك في ظل ارتفاع أسعار القمح العالمية وباعتبار مصر من اكبر مستوردي القمح تأثر مصر كثيرا بالأزمة ، كما تأثرت صناعة السياحة في مصر بالسلب والتي تشكل مصدراً رئيسياً للتوظيف والعملة الأجنبية على حد سواء.
حاولت الدولة تبنى إجراءات طارئة لتلافى الاثار المباشرة لارتفاع أسعار الغذاء الناتج عن نقص سلاسل الامداد فقد حظرت السلطات تصدير المواد الغذائية الأساسية مثل القمح، والفول، والعدس والمعكرونة كما قدمت حوافز وفرضت أنظمة جديدة على منتجي القمح المحلي في محاولة لتعزيز الإمدادات المحلية رض الرئيسي عبد الفتاح السيسي حداً أعلى لسعر الخبز غير المدعوم. وبالتالي فإن الآلام المترتبة على الارتفاع الكبير في الأسعار على السكان بشكل عام ينبغي أن تبقى محدودة في الوقت الراهن. إلا أن ارتفاع أسعار الواردات وانخفاض عائدات السياحة أدى الى وجود عجز في الميزان الجاري وارتفاع مستويات التضخم بعدها جاء دور السياسة النقدية فقد عملت على رفع أسعار الفائدة وخفض معدل سعر الصرف في محاولات مستمرة لكبح تداعيات الازمة.
على الرغم من تأثر مصر بشكل ملحوظ جراء الازمة الروسية ولكن كان لمصر نصيب أيضا من الفرص الإيجابية التي اتيحت لها في وسط هذه الازمات تكمن الفرص في انتعاش سوق السماد المصري عالميا:
فمصر تعد واحدة من أهم الدول المنتجة والمصدرة للأسمدة بمختلف أنواعها (أزوتية، نيتروجينية، طبيعية، فسفوتية، مركبة وغيرها ….) ، فقد بلغ حجم تصدير مصر من الأسمدة عام 2021 مبلغ 2.296 مليار دولار ، محققة بهذا معدل نمو عن عام 2020 بنسبة 61% ، وبالنظر الى تداعيات الازمة الروسية الأوكرانية التي انعكست آثارها على العديد من الأسواق التي كانت تعتمد في وارداتها من الأسمدة على روسيا وأوكرانيا ، فقد بدأت هذه الدول في البحث عن أسواق بديلة لتوفير احتياجاتها من الأسمدة” .
وفى استكمالا لهذا السياق فتعتبر مصر واحدة من اهم الأسواق البديلة التي تلقت العديد من طلبات الاستيراد للأسمدة من العديد من الدول منها الدول الأوروبية مثل إيطاليا، فرنسا، بلجيكا، أسبانيا، ودول أميركا اللاتينية كالأرجنتين والبرازيل وكذلك دول إفريقيا مثل السنغال وأوغندا وكينيا وتنزانيا وأيضا من اليابان” ، من هنا تأثرت قطاعي الأسمدة والبتروكيماويات في السوق المصري بشكل إيجابي نتيجة لزيادة القدرة التشغيلية و الإنتاجية التي بدورها أدت الى زيادة الكميات لزيادة حجم التصدير بالإضافة الى زيادة الأسعار من هنا جاء انتعاش القطاعين.
كيف تأثرت دول الخليج العربي بالأزمة الروسية الأوكرانية:
على الصعيد الاخر فقد تأثرت دول الخليج بشكل اخر وذلك بوصفها دولاً مصدرة للنفط والغاز وقد ترتفع أرباح أسعار النفط والغاز في دول الخليج نتيجة الأزمة الأوكرانية
والجدير بالذكر السعودية تحتاج أن يكون سعر النفط الخام أقل من 70 دولاراً بقليل للبرميل حتى تحقق التوازن لموازنتها. بعد الغزو، ارتفع السعر بشكل كبير إلى ما فوق 130 دولاراً للبرميل، قبل أن يستقر على أقل من 100 دولار بقليل، ومن ثم ارتفع مرة أخرى بعد الحظر الذي فرضه الرئيس الأميركي جون بايدن على استيراد النفط الروسي. وبالنسبة لقادة الخليج، فإن زيادة الأسعار مرحب بها، بالنظر إلى أن دخل الحكومة كان قد تقلص خلال جائحة كوفيد-19. في الوقت نفسه، وبالنظر إلى عدد سكانها القليل، وزيادة حصة الفرد من الدخل ووجود منشآت تخزين قمح كبيرة، فإن لدى دول الخليج العربية أدوات عازلة أكثر من كثير من الدول الأخرى تحميها من صدمات الإمداد وزيادات أسعار السلع الزراعية. الإمارات العربية المتحدة، وقطر وعُمان تستورد كميات كبيرة من القمح من روسيا وأوكرانيا، لكنها هي والدول المجاورة ليس لديها دواعي القلق الأكثر حدة في مصر ولبنان على سبيل المثال.
في ضوء كل هذا يمكننا القول في الوقت الذي يبدو فيه أن أمد الحرب الروسية الأوكرانية سيطول، شرعت الكثير من الدول العربية في البحث عن حلول بديلة للتأقلم وللحصول على احتياجات شعوبها وخصوصا من الغذاء والطاقة.
وبالنسبة للاقتصاد المصري: البديل الأول – وهو ليس قصير الأجل – يتعلق بالسياسة الزراعية وعلاقتها بالتجارة الخارجية، “فدول مثل مصر وتونس والمغرب لديها قطاعات زراعية تنتج الفواكه والخضراوات لتصديرها للسوق الأوروبية بالأساس، ما كان له أثر سلبي على القدرة على إنتاج الحبوب للاستهلاك المحلي، وهو تناقض أساسي موجود دائماً في السياسات الزراعية بين أولويات التجارة الخارجية وأولويات الاكتفاء الذاتي، لذا نحتاج إلى بعض التغيير في التركيب المحصولي وهو أمر لن يحدث خلال عام أو اثنين”.
هذا بالإضافة الى البحث وجوب البحث عن بدائل للحبوب مثلاً لدى دول أخرى يأخذ وقتاً “لأن الأمر له علاقة بكثافة الإنتاج وبطبيعة الاتفاقات وهي في أغلبها تكون عقود آجلة وليست فورية، بالتالي فإن القدرة على هذه التغيرات مرتبطة الضغوط قصيرة الأجل والحلول متوسطة الأجل على أفضل الأحوال”.
وفى الختام يمكننا القول إنه عانت معظم دول العالم بتأثيرات اقتصادية جمة جاءت نتيجة ارتفاع أسعار الحبوب في أعقاب غزو أوكرانيا، وكان الشرق الأوسط من بين أكثر الدول التي كان لها النصيب الأكبر من الضرر وذلك لأنه يأتي حوالي ثلث القمح في العالم من روسيا وأوكرانيا.
لا يمكننا الحديث عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية دون الالتفات الى ما دفعه المواطن المصري من فاتورة جراء الأزمة الروسية الأوكرانية، حيث تجاوزت معدلات التضخم مستويات ال 25% خلال يناير الماضي، وذلك فضلا عن انخفاض قيمة العملة المحلية على نحو 96% منذ اندلاع الحرب، مما نتج عنه انعكاسات في الارتفاعات المتتالية لأسعار السلع والخدمات الاستهلاكية، وهذا وسط توقعات متزايدة بأن تستمر ضغوط الأزمة في ظل سياسة التشديد النقدي العالمية.
لذلك قامت مصر باتخاذ إجراءات عديدة للاحتواء الأزمة جاء على رأسها: الاتجاه الى اسواق بديلة لاستيراد الحبوب منها و ومحاولة تعزيز السياحة بالإضافة إلى الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على قرض بقيمة 4 مليارات دولار بالإضافة الى إطلاق وثيقة سياسة ملكية الدولة وهذا لتشجيع القطاع الخاص وغيرها من خطوات تسعى من خلالها الحكومة تقليل وطأة حرب على المواطن المصري وعلى الاقتصاد بشكل عام.
المراجع:
- د. محمد سيد محمد سيد، خطاب الصحف الالكترونية العربية تجاه التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية الأوكرانية , كلية الاعلام جامعة الازهر
- تقرير بعنوان “هل يستخدم الجوع كسلاح في الحرب الأوكرانية ” منشور في 28 مايو 2022 ، متاح عبر الرابط الاتي https://cutt.us/4Ru1y
- 3) محمد الرميحي ، “الخليج وتداعيات أوكرانيا” , منشور في صحيفة الشرق الأوسط في 26 مارس 2022م ، متاح عير الرابط الاتي : https://2u.pw/S8Pboo
- نبيل سالم , “إنقاذ رغيف الخبز العربي ” منشور على المصري اليوم في 4 مارس 2022م ، متاح على الرابط الاتى https://tinyurl.com/5xjkmwtt
- وليد خورى, “حرب أوكرانيا … أثار على الاقتصادات الدولية ” منشور في الشرق الأوسط يوم 25 فبراير 2022 متاح على الرابط الاتي https://tinyurl.com/4nnpfked