الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

تداعيات العلاقات العربية الإسرائيلية وانعكاساتها على مستقبل الصراع العربي الاسرائيلي

اعداد : انتصار صابر محمد – باحثة ماجستير في العلوم السياسية

  • المركز الديمقراطي العربي

المقدمة.

بعد مرور ما يزيد على 30 عامًا من توقيع اتفاقيات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وما تلاها من اتفاقيات وخطط لاستكمال المسار السلمي الذي كان من المفترض ان ينتهي بقيام دولة فلسطينية على حدود 1967، إلا أن هذا المسار لم يحقق الهدف وبقي متعثرًا طيلة هذه السنوات، بل وتراجعت الاطروحات التي تتحدث عن حل الدولتين وقيام دولة فلسطينية إلى مشاريع باتت تعرف بالسلام الاقتصادي الذي يتجاهل الحقوق الشرعية والمشروعة للشعب الفلسطيني، ويفتح الأبواب أمام تطبيع العلاقات بين باقي الدول العربية والكيان الصهيوني دون أي مقابل، وهو الأمر الذي يهدد بنهاية القضية الفلسطينية حسب  صرح ترامب للسلام تحت مسمى “صفقة القرن”.

حيث تميزت العلاقات العربية– الإسرائيلية في السنوات الأخيرة بتحولات كبيرة لم يحدث لها مثيل من حيث السرعة والتأثير والعلنية منذ بداية الصراع العربي- الإسرائيلي قبل أكثر من سبعين عاماً. فحدوث اختراقات محدودة في جدار العمود العربي قبل هذا التاريخ لم يكن خافياً على أحد، مستفيداً من الانقسام الفلسطيني والتشتت والتمزق العربي والتراجع الإقليمي والدعم اللامحدود الذي تقدمه الولايات المتحدة لدولة إسرائيل، وصعود اليمين المتطرف الي الحكم في إسرائيل. حتى اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ووادي عربه مع الأردن واوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية لم تتعدي علاقات فاترة بين الحكومات لم تمتد الي الشعوب.

إن مواقف الدول العربية انقسمت فيما يخص التطبيع مع إسرائيل الي ثلاث مجموعات؛ مجموعة اندفعت نحو التطبيع دون الاهتمام بالانتقادات التي وجهت اليها من قطاع واسع من الشعوب العربية وقامت بتطبيع العلاقات السياسية والدبلوماسية بينها وبين إسرائيل. مجموعة ثانية خطت خطوات في علاقاتها مع إسرائيل بتكرار الزيارات واللقاءات بعضها سرية واخري علنية وفتحت الأجواء لعبور الطائرات الإسرائيلية لكنها لم تصل لمرحلة تطبيع العلاقات السياسية والدبلوماسية. ومجموعة ثالثة ما زالت ثابتة في مواقفها المتمثلة في الالتزام بالمبادرة العربية رافضة للتطبيع قبل معالجة القضية الفلسطينية حسب القرارات الدولية الداعية لحل الدولتين.

الإشكالية:

تسارعت التحولات في العلاقات العربية الإسرائيلية بعد مبادرات السلام العربية وحتى عام 2021 واتسعت لتشمل كافة المجالات خاصة في السنوات التي تولى فيها الرئيس دونالد ترامب السلطة في الولايات المتحدة مع استمرار حكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل وقد تضمنت التحولات الجوانب الأمنية والاقتصادية والسياسية، ووصلت لدرجة التطبيع الكامل للعلاقات بالتوقيع على معاهدات سلام بين كل من الإمارات والبحرين مع إسرائيل برعاية الرئيس الأمريكي ترامب في واشنطن عام 2020.

حيث ظهرت ملامح استراتيجية عربية جديدة للتعامل مع الصراع العربي- الإسرائيلي، أبرزها تراجع أولوية وأهمية الصراع من سياسات وأجندات كثير من الدول العربية لحساب المصالح الوطنية أو الارتباطات الإقليمية المصالحة أو الاقتراب المعلن من الكيان الإسرائيلي، للتطبيع العربي الإسرائيلي انعكاسات عديدة على المنطقة وباعتبارها دولة محتلة للأراضي العربية، وأنها تمثل تهديد استراتيجي ودائم للأمن العربي.

لاسيما في ظل حالة الضعف النسبي التي يشهده الوطن العربي من انقسامات وعدم القدرة على توحيد الشعوب وتجاوز التحديات الداخلية، ولقد أثر أيضًا تطبيع بعض الدول العربية على موقف الدولة الفلسطينية، حيث تزايد التعنت الإسرائيلي تجاه مسار السلام وشعورها أن انخراطها في الوطن العربي ما هو إلا مسألة وقت فقط، وتحول المساومة إلى السلام مقابل السلام بدلًا من السلام مقابل الأرض.

وإن التفكير ببناء علاقة مع إسرائيل من باب التكتيك والمناورة، أو الاعتماد عليها في العلاقة مع الغرب، أو للوقوف مع العرب في قضايا فرعية وربما تكون غير موضوعية.

ويمكننا القول بأن تداعيات تطبيع بعض الدول العربية مع إسرائيل مع تسارع وتيرته، يشكل الدعم الأساسي لإسرائيل للمضي قدماً في تعنتها ورفضها لإعطاء الفلسطينيين أي حقوق، ويعمل أيضا على زيادة التغول الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.

أما على الصعيد الاقليمي تكون إسرائيل دولة صديقة في العالم العربي، ويتبدل مفهوم العداء إلى صداقة وعلاقات طبيعية، وأن العدو الرئيسي لبعض الأطراف العربية هو الإسلام السياسي أو إيران أو الإرهاب وليس إسرائيل، لتستغل إسرائيل تلك التحولات في صياغة مفاهيم جديدة لطبيعة الصراع في الشرق الأوسط، ولتكون القضية الفلسطينية آخر أولويات تلك الدول.

فمن الناحية السياسية: تهدف إسرائيل في المقام الأول إلى انتزاع اعتراف الدول العربية بيهودية الدولة الإسرائيلية، وما يتبع ذلك من تداعيات تساهم في تنفيذ مخططاتها وأهدافها بالمنطقة، ومن المحتمل أن يساهم التطبيع في التراجع النسبي للوزن الإستراتيجي لدول الثقل السياسي العربي التي كانت متمثلة في مصر وسوريا والعراق في التفاوض مع إسرائيل وحلول دول أخري متحالفة مع اليمين الإسرائيلي و اليمين الأمريكي، كذلك تراجع قدرة فلسطين في الـتأثير في المجتمع الدولي بسبب افتقارها إلى الأدوات المؤثرة والمصالح التي يمكنها تقديمها ، فيما كانت في السابق مكسبا لأي دولة تتبني القضية الفلسطينية .

من جانب أخر تكمن الخطورة ليس فقط في الاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات دبلوماسية معها، بل في تبني البعض للرواية التي تزعم بأن إسرائيل كانت دوما تسعى للسلام وأن المقاطعة العربية والمقاومة الفلسطينية هما العائق أمام تحقيق سلام يشمل المنطقة والعالم.

وقد وظّفت إسرائيل سياسة التطبيع لتحسين صورتها أمام العالم وتوسيع مساحة علاقاتها الدولية ومواجهة حملات المقاطعة الدولية من منطلق وجود مسيرة سلمية.

كما شكّلت عملية التطبيع مع الدول العربية إضعافًا للموقف الفلسطيني في عملية التسوية السياسية لأنها عززت تشكيل سلطة فلسطينية خاضعة للابتزاز الإسرائيلي وفاقدة لروح المبادرة الوطنية نتيجة دعم التنسيق الأمني جوهر اتفاق أوسلو بين الجانبين، وأعطى التطبيع المجالَ لإسرائيل للسيطرة على مقاليد الحكم في السلطة الفلسطينية عبر حزمة متنوعة من أدوات الضغط لا تقوى السلطة على مواجهتها، مثل سيطرتها على الحدود والمعابر والأموال الفلسطينية، والسيطرة على الموارد والثروات الطبيعية ومصادر المياه، وحرمان الفلسطينيين من حقوقهم في هذه الثروات والمصادر.

ومن هذا المنطلق يحاول البحث الإجابة على تساؤل رئيسي هو أثر تداعيات العلاقات العربية الإسرائيلية وانعكاساتها على مستقبل الصراع العربي الإسرائيلي؟

تساؤلات :

ومن هذا التساؤل الرئيسي تنبثق مجموعة من الأسئلة الفرعية.

  • ما هو الفرق بين مفهوم معاهدة السلام ومفهوم التطبيع؟
  • ما أسباب قيام الدول العربية بالتطبيع مع إسرائيل؟
  • ما إثر العلاقات العربية الإسرائيلية (التطبيع) على النظام الإقليمي العربي؟
  • رصد انعكاسات العلاقات العربية الإسرائيلية على مستقبل القضية الفلسطينية؟
  • ما هي السناريوهات المحتملة لعملية التطبيع فب المنطقة؟

مداخل :

المداخل النظرية المُفسرة للعلاقات الدولية:

مدخل المصالح القومية يتضمن هذا المدخل عدد من الركائز الرئيسة التي تتمثل في تحديات مفهوم المصلحة القومية، وتحليل العلاقة التي تربط بين المصلحة القومية وقوة الدولة، والبحث في أنسب السياسات والاستراتيجيات والآليات التي تستخدمها الدول في حماية مصالحها القومية

ويمكن تقسيم المصالح على النحو التالي:

  • مصالح قومية أساسية وتشمل هذه المصالح حماية الكيان المادي والسياسي والثقافي للدولة، وتأمين بقائها وهذا النوع من المصالح لا يقبل التفاوض.
  • مصالح قومية ثانوية وهذه المصالح أقل من سابقتها في مستوى الأهمية كحماية مواطني الدولة في الخارج.
  • مصالح دائمة أي أن هذه المصالح تدوم لأطول فترة ممكنة.
  • مصالح متغيرة ويقصد بها المصالح التي تختارها الدولة ثم تغيرها من حين لآخر.
  • مصالح قومية عامة وهي التي يمكن أن تبناها الدولة في نطاق جغرافي واسع.
  • مصالح قومية خاصة ومحددة ويقصد بها المصالح المحددة في زمانها ومكانها، أما بالنسبة للمصالح القومية فهي تكون مصالح متكاملة أو متطابقة أو متنازعة.

وفي حالة تعرض المصالح القومية للدولة إلى أي خطر فإنها تستخدم العديد من وسائل الدفاع التالية للحفاظ على تحقيقها وتأمينها وهي: المفاوضات الدبلوماسية، التحالفات الدولية، أو الحرب إذا كان هنالك ما يحول دون تحقيق المصالح القومية السياسية.

يذهب مدخل المصالح إلى التمييز بين أشكال ومجالات متعددة لصراع المصالح. في دائرة صراع المصالح بين الدول، فإن الفرض الرئيسي لهذا المدخل يتمثل في أن القوة الرئيسية المحركة لسياسات الدول الخارجية تتمثل في السعي المستمر نحو حماية وتنمية المصالح القومية وأن السبيل إلى تحقيق ذلك إنما يتمثل في “مضاعفة الدولة لمواردها من القوة

وهنا تجدر الإشارة إلى أن مفهوم المصلحة هنا وكما عرفه مورجانزو في هذا الخصوص، يصبح مرادفا وقرينا للقوة”، وتشمل القوة الأدوات العسكرية، والتأثير السياسي الدولي، وقوة الضغط الاقتصادي، ووسائل الحرب النفسية والدعائية، وأساليب التفاوض الدبلوماسي … الخ.

الموضوع :

قبيل نهاية عهد إدارة الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، بدأ الإعلان عن سلسلة من اتفاقيات التطبيع بين دول عربية وإسرائيل الإمارات في 13 أغسطس2020 والبحرين في 11 سبتمبر ثم السودان في 23 أكتوبر. إن اتفاقيات التطبيع نوع من تغيير قواعد اللعبة لكن في الاتجاه الخاطئ بالنسبة لحل القضية الفلسطينية، حيث جاءت اتفاقيات التطبيع الجديدة تحت عناوين متعددة، كسرت فيها الدول المطبّعة كافة القيود بشأن العلاقة بـ “إسرائيل”، وعلى نحو غير مسبوق، منها جاء  التحالف الخليجي الإسرائيلي، خوفاً من التهديد الإيراني كدولتي الإمارات والبحرين، وأخرى جاءت تحت عنوان المقايضة في مقابل اعتراف واشنطن بسيادة الرباط على الصحراء الغربية مثل دولة المغرب، وأخرى تحت الإغراء أو الابتزاز كالسودان من أجل رفعه من تصنيف قوائم الإرهاب الأميركية.

وعلى الرغم من احتفاء أنظمة التطبيع باتفاقياتها مع “إسرائيل”، فإن هذه الاتفاقيات قوبلت برفض واسع وكبير من أحزاب وهيئات ومؤسسات داخل الدول الأربع.

وفي هذا السياق، إن البيئة السياسية للأنظمة العربية الحالية التي التزمت الصمت أو الحياد تجاه التطبيع مع “إسرائيل”، تُعَدّ بيئة سهلة الاستقطاب والاختراق الإسرائيلي، من أجل جرّها إلى مربّع التطبيع في أي لحظة، إذا ما نشطت الدبلوماسية الإسرائيلية، أو تعرضت لدور أميركي مؤثّر، قد يشجّع على الانضمام إلى اتفاقيات تطبيع جديدة وذلك بسبب ضعف النظام الإقليمي العربي ومؤسساته، كمجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية، والتي دورها غير مؤثّر وغير رافض لمسار التطبيع بصورة صريحة، وأصبح هامشياً ومنساقاً في كثير من المحطات، وأقرب إلى مسار التقارب مع “إسرائيل”. مع غياب وجود كابح للدول العربية، سينشط السلوك الفردي لتلك الدول، وسيجعل الأرضية خصبة للتغلغل الإسرائيلي، عبر جرّها إلى مربّع التطبيع ومحاولة إقناعها بفكرة توقيع اتفاقيات تطبيع من أجل المحافظة على أنظمتها ومصالحها.

بدت الدول العربية خلال تلك المرحلة جاهزة ومستعدة نفسياً وعملياً لتسوية سياسية شاملة مع إسرائيل. ورغم افتقاد النظام العربي إلى إستراتيجية موحدة لإدارة التسوية مع إسرائيل.

علي الرغم من أن العديد من الدول العربية أقدمت خلال هذه المرحلة على فتح قنوات اتصال مع إسرائيل. إلا أن معاهدات السلام الرسمية مع إسرائيل ظلت قاصرة على “دول الطوق”. ولم تجرؤ أي من الدول العربية من خارج نطاق هذه الدائرة على إبرام معاهدة سلام رسمية معها.

تعامل النظام العربي مع عملية التطبيع التي قامت بها دول الطوق عبر موجتي التطبيع الأولى مع مصر والثانية مع كل من منظمة التحرير الفلسطينية والأردن، ومن ثم لا يجوز للدول العربية الأخرى أن تحتذي به. وهكذا راح النظام العربي يتمسك بمبادرة قمة بيروت باعتبارها الأساس الوحيد المقبول لأي تسوية. ومن ثم لأي عملية تطبيع قادمة، غير أن ذلك لم يكن كافياً لتمكين النظام العربي من المحافظة على تماسكه في مواجهة إسرائيل، ثم بدأت مرحلة الانهيار والاستسلام للشروط الأميركية الإسرائيلية أسهم عاملان في إضعاف التماسك العربي في مواجهة إسرائيل

الأول: فشل ثورات الربيع العربي» التي انتهت باشتعال حروب أهليـة فــي بعض الدول العربية. وبعودة الاستبداد بأقسى مما كان عليه في بعضها الآخر، وبتعميق الانقسامات بين المحاور العربية المتصارعة واشتعال الحروب البينية، وبفتح الباب واسعاً أمام الاختراق الخارجي للعالـم الـعـربـي مــن مختلف الجبهات.

 الثاني: وصول دونالد ترامب إلى السلطة في الولايات المتحدة الأميركية بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التي جرت في نوفمبر2016. فمنذ اللحظة الأولى لدخوله البيت الأبيض في كانون يناير 2017، أعلن أن لديه خطة لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي أطلق عليها “صفقة القرن”، ثم تبين لاحقاً أنها ليست صفقة تبرم عبر التفاوض بين الأطراف المتنازعة ولكنها أقرب إلى عقد يتبنى بالكامل وجهة نظر اليمين الإسرائيلي المتطرف، ومطلوب من الدول العربية أن تقبل به دون شروط.

أدى التفاعل بين هذين العاملين في النهاية إلى انهيار الدفاعات العربية في مواجهة إسرائيل، وانطلاق ما يمكن أن نطلق عليه «موجـة التطبيع الثالثة» بين العرب وإسرائيل، وهي الموجة التي قادتها هذه المرة كل من الإمارات والبحرين وتختلف هذه الموجة عن سابقتيها من زوايا عديدة فهي تجري مع دول من خارج الطوق العربي ولم تكن فـــي حـالــة حــرب معها في أي يوم من الأيام وفي وقت يبدو فيه النظام العربي  في أسوأ حالاته وتبدو مدفوعة بعوامل أخرى كان أهمها إقامة حلف عسكري في مواجهة إيران وليس البحث عن تسوية تنهي حالة حرب قائمة أو حتى تشجيع إسرائيل على تبني مواقف أكثر مرونة تجاه القضية الفلسطينية. لذا يتوقع أن تكون لهذه الموجة التطبيعية تداعيات أكثر حدة وخطورة على النظام العربي وذلك على كافة الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والفكرية

يعد التطبيع العربي الإسرائيلي تغيراً إستراتيجياً هاماً وخطيراً في المنطقة العربية، إذ يعتبر نقطة قوة وإنجاز لصالح إسرائيل، في المقابل فإن التطبيع العربي قد أضعف موقف القضية الفلسطينية وسط تخلي أكثر الدول العربية تأثيرا في المنطقة عن دعمها لفلسطين، وانتقال دعمها لصالح إسرائيل، ومن أهم تداعيات التطبيع العربي على القضية الفلسطينية مستقبلا، هو تراجع مكانة السلطة الفلسطينية وتعجيل انهيارها، مما يؤدي إلى حدوث توتر في الشارع الفلسطيني، خاصة في ظل الانقسام السياسي الداخلي الذي يعاني منه الفلسطينيون منذ عام2007، والذي كان له دورا كبيرا في نجاح التطبيع في ظل تراجع وتخبط الموقف الفلسطيني في المنطقة العربية.

فضلاً عن أن التطبيع من المؤكد سيكون له دوراً في إنجاح صفقة القرن، والمخطط الإسرائيلي لضم مناطق من الضفة الغربية إلى إسرائيل وتوسيع المستوطنات الإسرائيلية.

الخاتمة.

تسببت حالة التفكك العربي والانقسام بين الفصائل الفلسطينية، ركائز اساسية للتحولات الكبيرة التي حدثت في العلاقات العربية- الإسرائيلية بعد مبادرة السلام العربية خاصة في السنوات الخمس الأخيرة، بالإضافة إلى توتر العلاقات مع إيران وقيادة “دونالد ترامب” للولايات المتحدة الامريكية، وبنيامين نتنياهو لإسرائيل، ولقد أتاحت البيئة الداخلية والإقليمية والدولية لإسرائيل أن تحدث اختراقات تطبيعيه مع بعض الدول العربية والتي وصلت لمستوى التطبيع الكامل في كل المجلات عام 2020.

بالتحديد الدول الخليجية التي قامت بتطبيع علاقتها مع إسرائيل، وأكبر مثال على ذلك إعلان الإمارات قيام علاقات دبلوماسية كاملة مع الكيان والتطبيع الكامل معه، وهناك العديد من الأسباب التي تدفع السعودية للتقرب من إسرائيل وتطوير علاقتها معها ولعل أبرزها الخطر الإيراني كما تعتقد السعودية، وكذلك الخطر الحوثي في الجنوب. وفي هذا السياق يضعف التطبيع أي اتفاق مستقبلي مع دول عربية أخرى حاضنة للقضية الفلسطينية، ويقدم الاتفاقات مع الاحتلال على أي تسوية مستقبلية للقضية، خاصة في ضوء اللقاءات مع الاحتلال في السنوات الأخيرة، والانقسامات والصراعات التي تشهدها الدول العربية، وأبعادها التي انعكست على مكانة القضية الفلسطينية في الأجندة العربية

مما لا شك فيه أن هناك مسافة كبيرة بين قبول الشعوب العربية لفكرة التطبيع مع إسرائيل وأفكار وتوجهات الحكومات التي تتحرك وفق خطوات سياسية مختلفة وضغوط تفرض عليها قرارات تصب في المصالح المشتركة، رغم إدراكها بماهية الرأي العام الشعبي المرتبط بذاكرة تاريخية عدائية مترسخة تجاه إسرائيل.

لقد أصبح التقارب والتطبيع الإسرائيلي العربي أمرًا واقعًا، وأصبحت الدول المطبعة تحاول بطرق عديدة إدخاله في جوانب كثيرة لديها وخاصة الجانب الاجتماعي وتوجيه أنصاب الإعلام إلى أنه أمر طبيعي ومحاولة جذب الدول الأخرى الغير المطبعة إلى التطبيع والعمل على تحسين العلاقات.

والجدير بالذكر أن الإدارة الأمريكية الحالية تقوم بمواصلة البناء على جهود الإدارة السابقة لمواصلة مسيرة التطبيع إلى الأمام. وستساعد في تعزيز علاقات إسرائيل المتنامية مع البحرين، والمغرب، والإمارات العربية المتحدة -وكذلك مع السودان، كما ستعمل على تعميق علاقات إسرائيل الطويلة الأمد مع مصر والأردن خاصة أنهما شركاء مهمين للولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيين على حدٍ سواء.

قد يكون من الصعب التنبؤ بمسارات مستقبل التطبيع العربي مع إسرائيل مع الإدارة الأمريكية الحالية، ونظراً للمتغيرات التي قد تحدث بالمنطقة العربية وجوارها الإقليمي وعلى الصعيد الدولي. ويجب ضرورة دعم صمود الدول العربية أمام الضغط الأمريكي للتطبيع مع إسرائيل بعيداً عن القضية الفلسطينية وتكثيف تحركاتها وتوحيد موقفها الداعم للشعب الفلسطيني في المحافل الإقليمية والدولية المختلفة لاستخدامه كأوراق ضغط أو مقايضة لتحقيق خطوة إيجابية في مسار السلام.

ختاماً: دخل النظام العربي رسمياً، في ظل موجة التطبيع مرحلة غير مسبوقة تهدد بتفككه وانهياره التام وتدفع في اتجاه تحوله من نظام «قومي إلى مجرد نظام إقليمي» يتكون من دول متجاورة وغير متجانسة دينياً وعرقياً وطائفياً. لذا فسيكون باستطاعة إسرائيل أن تلعب في هذا النظام الإقليمي الذي يتحول تدريجياً إلى نظام شرق أوسطي دور القائد أو ضابط الإيقاع بعد أن يفقد تماما آخر ما تبقى من معالم هويته العربية أو القومية.

فبعد أن فشل النظام العربي في العثور على صيغة وحدوية أو تكاملية تمكنه من النهوض وتجاوز واقع التخلف والتجزئة ها هو يتخلى عن القضية الفلسطينية التي شكلت على الدوام محور تفاعلاته وإحدى أهم سمات هويته العربيّة، وما لم يتمكن الشعب الفلسطيني من إنهاء الانقسام وبناء حركة وطنية موحدة تتبنى رؤية إستراتيجية موحدة لمقاومة المشروع الصهيوني وتتمكن من إقامة جسور قوية مع الشعوب العربية فسيواصل النظام العربي تفككه إلى أن ينهار ويندثر تماماً.

المراجع.

اولاً: المراجع العربية.

  1. الأمين مصطفي عثمان، التحولات في العلاقات العربية – الإسرائيلية 2002-2021 وانعكاساتها على مستقبل القضية الفلسطينية، مركز دراسات الشرق الأوسط، الأردن، 2021.
  2. ميس فرح محمود حسون، تبعات العلاقات الإسرائيلية مع دول الخليج العربي على القضية الفلسطينية، رسالة ماجستير منشوره في التخطيط والتنمية، جامعة النجاح الوطنية، فلسطين،2021.
  3. د/ احمد الشحات، التقارب العربي الإسرائيلي بين التطبيع ومقايضة المصالح، مركز شاف للدراسات والأزمات والصراعات، ابريل 2022.
  4. حسن نافعة، مستقبل النظام العربي في ظل تعاقب موجات التطبيع مع إسرائيل، مركز أبحاث مؤسسة من مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، العدد281، 2020.
  5. وصال الطنطاني، التطبيع العربي الإسرائيلي واثاره على مستقبل القضية الفلسطينية، مركز دراسات الشرق الأوسط، أغسطس 2021.
  6. مايكل سينغ، محور “اتفاقيات إبراهيم”: التطبيع العربي الإسرائيلي قد يعيد تشكيل الشرق الأوسط، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط، ابريل 2022.
  7. دانييل شاتز، اتفاقيات إبراهيم: الحوافز والفرص السياسية والاقتصادية، أبو ظبي: مركز تريندز للبحوث والاستشارات، ديسمبر 2020.
  8. د/ ابتسام الكتبي، دلالات الزخم الاستراتيجي الذي تكتسبه الاتفاقات الابراهيمية، مركز الامارات للسياسات، ابوظبي، ابريل 2022.
  9. د/ محمود جرابعة، علاقات إسرائيل مع الدول العربية: نحو معادلة إقليمية جديدة، مركز الجزيرة للدراسات، نوفمبر 2022.
  10. https://www.bbc.com/arabic/53811801

المراجع الأجنبية.

  1. by Mohamed Galal Mostafa, Religion and the Israel-Palestinian Conflict: Cause, Consequence, and Cure, at link https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/religion-and-israel-palestinian-conflict-cause-consequence-and-cure
  2. Hugh Lovatt, Regional ripple effect: How escalating Israeli-Palestinian violence risks a new Arab-Israeli conflict, at link https://ecfr.eu/article/regional-ripple-effect-how-escalating-israeli-palestinian-violence-risks-a-new-arab-israeli-conflict/
  3. Michał Przygoda, Impact of the Israeli-Palestinian Conflict on the Security of the Middle East, at link, https://warsawinstitute.org/impact-israeli-palestinian-conflict-security-middle-east/
  4. Nabil Fahmy, Palestine, an Arab Issue, at link https://www.thecairoreview.com/essays/palestine-an-arab-issue/
  5. Mark Katz, The Arab Spring and the Israeli/Palestinian Conflict: international implications, at link https://eng.globalaffairs.ru/articles/the-arab-spring-and-the-israeli-palestinian-conflict-international-implications/
  6. https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/allaqat-alrbyt-alasrayylyt
  7. Dylan Kassin, David Pollock, Arab Public Opinion on Arab-Israeli Normalization and Abraham Accords, at https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/arab-public-opinion-arab-israeli-normalization-and-abraham-accords
  8. Marwan Muasher, Normalization of Arab Countries with Israel: Regional Geopolitical Aspects of the Agreements, at https://www.iemed.org/publication/normalization-of-arab-countries-with-israel-regional-geopolitical-aspects-of-the-agreements/
  9. https://press.un.org/en/2020/sc14315.doc.htm
  10. https://arabcenterdc.org/resource/israels-normalization-with-arab-states-slows-as-repression-of-palestinians-rises/
4.5/5 - (6 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى