الشرق الأوسطتقدير الموقفعاجل

ملامح السياسة الخارجية الأريترية وعلاقاتها مع دول الجوار

اعداد : عفاف ممدوح  – باحثة دكتوراه في العلوم السياسية بكلية الدراسات الافريقية العليا – جامعة القاهرة

  • المركز الدمقراطي العربي

 

تُفهم السياسة الخارجية على أنها عمل هادف من جانب الدول في محاولة لتعزيز مصالحها ، وتعرّف السياسة الخارجية بشكل أكثر تحديدًا على أنها “قرارات محددة تعكس سلوك الدول تجاه العالم خارج حدودها” ويعني السلوك هنا الهوية الأساسية أو القيم والمبادئ التي تلعبها الدولة في مجال علاقاتها الدولية وعلى الرغم من أنه من المتفق عليه عمومًا أن السياسة الخارجية تعكس المصالح الوطنية للدولة ، إلا أنها تعكس أيضًا تصور القادة الذين يحكمون الدولة ومن يمثل إرادة الشعب ، وفي حالة إريتريا أثر التاريخ الوطني والثقافة السياسية الناتجة بشكل كبير على التفاعل بين صورتها الذاتية الوطنية وموقفها تجاه السياسة الخارجية لجميع الدول تعبيرا عن مصالحها الوطنية ، فولادة إريتريا كدولة جديدة في عام 1993 بعد ثلاثين عامًا من الصراع المسلح مع إثيوبيا تستحق الاستكشاف لأسباب عديدة وهي؛

أولاً : كدولة صغيرة ذات موارد محدودة فإنها توفر أداة تحليلية مثيرة للاهتمام لاستكشاف مدى محاولات تفاعلها مع العالم الخارجي.

ثانيًا : موقع إريتريا ذاته في القرن الأفريقي كمنطقة معرضة للصراع حيث تحاول إريتريا تأكيد سيادتها مما يشكل حافزًا إضافيًا لتحليل تأثير ذلك على علاقاتها مع العالم الخارجي.

ثالثًا : عامل الجوار المباشر وخاصة لإثيوبيا والذي لا يزال العامل المهيمن في كل من السياسة الخارجية الإريترية والديناميكيات المحلية مما يجعل اكتشاف العلاقة بين ديناميكيات السياسة الخارجية وانعكاساتها أمرًا مثير للاهتمام.

وتحلل هذه الورقة البحثية طبيعة السياسة الخارجية الأريترية تجاه دول الجوار وما هي المحددات التي تؤثر على هذه السياسة ، وتنقسم هذه المقالة إلى عدة محاور هامة وهى كالتالى ؛

المحور الأول : محددات السياسة الخارجية الإريترية

أدى حصول إريتريا الرسمي على الاستقلال في عام 1993 إلى زيادة الاهتمام الدولي بالبلد ، فقد أصبحت إريتريا على الفور عضوًا في الأمم المتحدة كما حصلت إريتريا على صفة مراقب في جامعة الدول العربية ، فخطابات الرئيس أفورقي على المستوى الدولي والتي ركز فيها على الاعتماد على الذات جعلت منه وإريتريا رمزًا لـ “النهضة الأفريقية” التي روج لها في ذلك الوقت الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ، ويتطلب صنع السياسة الخارجية فهما دقيقا لمختلف العوامل والمحددات المؤثرة بشكل مباشر أو غير مباشر في صنع هذه السياسة وتنقسم محددات السياسة الخارجية الإريترية إلى ؛  

اولا : المحددات الاقتصادية

تواجه إريتريا منذ انفصالها عن إثيوبيا عام 1993 عدة مشاكل اقتصادية وذلك بسبب صغر مساحتها وشدة فقرها حيث إن اقتصادها يعتمد بشكل كبير على الزراعة ، فلا تزال إريتريا واحدة من أقل البلدان نموا في العالم ولم ينتعش الاقتصاد من آثار الحرب مع إثيوبيا التي دامت 30 عاما، مما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة وارتفاع مستويات الفقر ويعتمد البلد بشكل كبير على الزراعة، مما يجعله عرضة لانعدام الأمن الغذائي وقد أدت حالات الجفاف الدورية إلى تدهور الوضع في البلاد ويعاني حوالي 65 في المائة من سكان الريف في إريتريا من الفقر، ويعاني 37 في المائة من انعدام الأمن الغذائي .

ثانيا : المحددات الجيوبوليتيكية

      تتفرد إريتريا بموقعها الاستراتيجي الفريد فهي تتحكم على نقطة العبور الرئيسية في الجزء الجنوبي الغربي من ساحل البحر الأحمر بين قارتي إفريقيا وآسيا مما مكنها من لعب أدوار تاريخية مهمة في تاريخ المنطقة ، فكانت الجسر الذي عبرت من خلاله الحضارة العربية إلى الهضبة الشمالية الشرقية في القارة الأفريقية قبل آلالاف السنون واستوطنتها لتتنشأ فيما بعد البلاد التي عرفت بالحبشة ، أيضا نفذ من خلالها الدين الإسلامي في أولى مراحل انتشاره في القارة الافريقية ليتشكل من ذلك أن الثقافة العربية والديانة الإسلامية مكونين رئيسيين أصيلين في شرق إفريقيا بشكل عام والحبشة بشكل خاص وتشكل تضاريس إريتريا الطبيعية الوعرة مصدرا أساسيا لحماية السكان من الغزو الخارجي مما مكنها من أن تظل بعيدة عن أي غزو خارجي، وأتاح لها سبل العيش باستقرار شبه دائم  .

ثالثا : المحددات الإثنية واللغوية

بحكم الموقع الجغرافي والإستراتيجي لإريتريا فقد شكلت نقطة التقاء ومساحة عبور لموجات متتالية من الهجرات البشرية ، لذلك تتسم إريتريا بالتنوع والتعدد الإثني واللغوي، فهذه الهجرات البشرية قد تركت بصماتها على الكيان الإريتري الأنثروبولوجي، فصار متباينًا، بحيث تكاد تستقر كل مجموعة بشرية إقليما جغرافيًا مميزًا، ويشترك أفراد المجموعة البشرية الواحدة في صفات معينة، كاللغة والدين والطرق المعيشية ويتوزع سكان إريتريا تاريخيًا بين ثلاث مجموعات لغوية هي الحامية والسامية والنيلية ، وبالإضافة لتعدد اللغات هناك تعدد آخر يرتبط بالديانة، فسكان إريتريا الذين يشكلون نحو خمسة ملايين نسمة يقسمون إلى 55% مسلمين و 30% من المسيحيين الأرثوذكس و10% مسيحيين كاثوليك و3% مسيحيين بروتستانت، و2% الباقية ديانات تقليدية محلية فالتركيبة السكانية (الديموغرافية) تعد غنية بتنوعها وتعددها .

المحور الثانى : السياسة الخارجية الإريترية تجاه دول الجوار

تعد أسمرا هي العاصمة الوحيدة التي تحتفظ بعلاقات متوترة مع كل دول إقليم القرن الإفريقي وتحتفظ بأعداد كبير من القوى المسلحة المناوئة لدول الجوار الإريتري، فبعد الاستقلال ، حافظت على علاقات سيئة مع الدول المجاورة ، ويمكن القول انه حدثت عدة تطورات في إريتريا أشارت إلى أن البلاد مصممة على التخلص من العزلة من أجل المشاركة الإيجابية في سياستها الخارجية ، فبداية من عام 2009 رفع مجلس الأمن العقوبات التي كانت مفروضة علي إريتريا ، وفي عام 2010 استعادت إريتريا مقعدها في الاتحاد الأفريقي الذي هجرته لفترة طويلة ، وفي عام 2013 أصدر المسؤولون الإريتريون في أسمرة والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بيانات أنهم يريدون الخروج من فترة طويلة من العزلة الإقليمية والعداوة مع جيرانها ، وتتشكل السياسة الخارجية الاريترية تجاه دول الجوار كالتالى ؛

اولا : السياسة الخارجية الاريترية تجاه إثيوبيا

تحظي العلاقات الإريترية الاثيوبية بأهمية كبيرة لعدة اعتبارات اهمها ان إريتريا أحد الدول المطلة على البحر الأحمر وتقع ضمن منظومة دول القرن الإفريقي ، وتمتد على طول الساحل الغربي للبحر الأحمر ويوجد بها العديد من الجزر وهو ما جعل لموقعها أثره على تكوين ملامح البلاد السياسية والاقتصادية ، فهذا الموقع الإستراتيجي كان له بالغ الاثر في جعلها محطة لأنظار العالم لتشهد صراعات واستعمارات دولية اهمها صراع جمعها بدولة الجوار إثيوبيا وتمثل كلا من الدولتين من الاهمية والتأثير على المستوى الإقليمي والقاري ما يجعل دراسة العلاقات بينهما امرا ضروريا فالدولتان تعتبران من دول حوض النيل وتتداخل علاقاتهما مع أكثر من دولة من دول حوض النيل ومنها مصر حيث تنبع أهمية الدولتان من إمكانية تأثيرهما على الأمن القومي المصري وخاصة في المسألة المتعلقة بالمياه .

ولتحليل العلاقات الارتيرية-الاثيوبية علينا الرجوع تاريخيا الى فترة الاستعمار الإيطالي حيث كانت إريتريا مستعمرة ايطالية بل مركز إيطاليا في القارة الافريقية وهى الفترة التي يمكن اعتبارها ايضا فترة بداية المشكلات بين الدولتين بسبب السياسات الاستعمارية التي أدت إلى وضع بذور الخلافات والتوتر بين الدولتين بدمجهما في اتحاد فيدرالي منذ عام 1952 وحتى استقلال إريتريا عن إثيوبيا عام 1993 ، فرغم استقلال إريتريا عن إثيوبيا الا ان العلاقات بين الدولتين شهدت صراع استمر لفترة نتيجة عدة عوامل منها الأوضاع الاقتصادية والقيادة السياسية في كلتا الدولتين، وبعد استقلال إريتريا الرسمي عام 1993 لم تكن النزاعات التي اثيرت بين الدولتين نتيجة لسوء الاوضاع الاقتصادية او السياسة فقط وانما جاء عاملا اخر ليزيد من فجوة العلاقات بين الدولتين تمثل في رغبة كل منهما في إعادة ترسيم الحدود بينهما فالجانب الأثيوبي يرغب في عودة الحدود الى فترة الوصاية البريطانية وهو ما سيدعم الوضع الأثيوبي في الخروج من دائرة الدولة الحبيسة في ذات الوقت الذي يرفض الجانب الإريتري ذلك الوضح ويرغب في عودة حدوده إلى ما كانت علية اثناء فترة الاستعمار الإيطالي وقبل الضم الى الجانب الأثيوبي في اتحاد فيدرالي.

ورغم ان العلاقات التاريخية بين الدولتين إلا ان هناك العديد من العوامل والمحددات التي تلعب دورا كبيرا في تشكيلها كالمحددات الداخلية لكل من الدولتين والتي تمثلت في اهمية كل من الدولتين الجيوبولتيكية وقدراتها الاقتصادية والعسكرية والنظام السياسي في كلا منهما هذا بالإضافة إلى الروابط الثقافية واللغوية والدينية والتي لها ايضا دورا محددا في طبيعة العلاقات التي بين الدولتين ، وفي عام 2018 أدى التغيير السياسي في إثيوبيا المجاورة إلى تحسن سريع في علاقات ذلك البلد مع إريتريا حيث قام رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الذي تولى منصبه في أبريل من ذلك العام بتمديد غصن زيتون كبير لإريتريا عندما أعلن في 5 يونيو أن إثيوبيا ستلتزم ببنود اتفاقية السلام لعام 2000 التي كانت تهدف إلى إنهاء حربها مع إريتريا وتعهد بقبول وتنفيذ حكم ترسيم الحدود المثير للجدل لعام 2002.

أدى قبول إثيوبيا لاتفاقية السلام وقرار الحدود إلى سلسلة من الإجراءات الدبلوماسية بين البلدين، بما في ذلك اجتماع أسياس وآبي في أوائل يوليو الذي عقد في إريتريا ووافق الزعيمان على إعادة فتح حدودهما وإعادة إقامة روابط الاتصالات والمواصلات. كما اتفقا على استئناف العلاقات الدبلوماسية والتجارية توج التقدم الدبلوماسي الذي أحرزه وفدا البلدين ببيان تاريخي مشترك، أصدره أسياس وآبي في 9 يوليو 2018 ، أعلن فيه انتهاء حالة الحرب التي كانت قائمة بين إريتريا وإثيوبيا لمدة 20 عامًا. في الأسبوع التالي، زار أسياس إثيوبيا ، وأشرف على إعادة فتح سفارة إريتريا هناك .

ثانيا : السياسة الخارجية الاريترية تجاه الصومال

لا تربط الدولتان علاقات دبلوماسية منذ ما يقرب من 15 عامًا، كانت الصومال خلالها مسرحًا لنزاع بالوكالة بين إريتريا وإثيوبيا ولطالما عارضت إريتريا التدخل العسكري الإثيوبي في جنوب الصومال والذي يعود تاريخه إلى أواخر التسعينيات واتُهمت كل من إريتريا وإثيوبيا بدعم الخصوم المسلحين لبعضهما البعض في الصومال ، كان الدعم الإريتري للعديد من المنظمات الإسلامية المعارضة للحكومة الفيدرالية الانتقالية الصومالية المدعومة من إثيوبيا دورًا أساسيًا في تبني مجلس الأمن الدولي لحظر أسلحة وعقوبات على القادة السياسيين والعسكريين الإريتريين في عام 2009 كما مدد تفويض مراقبة الأمم المتحدة المجموعة الخاصة بالصومال ، التي تم إنشاؤها في عام 2002 ، لمراقبة التزام إريتريا بمجموعة العقوبات الجديدة وقد تراجعت مشاركة إريتريا في الصومال في السنوات الأخيرة ولم تعثر مجموعة المراقبة التابعة للأمم المتحدة على أي دليل حديث على دعمها لميليشيا الشباب الإسلامية الصومالية الرئيسية .

وقد وقّعت إريتريا والصومال في عام 2018 في أسمرة اتفاقا لإقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء بعد علاقات متوترة أستمرت أكثر من عشر سنوات، مما يفتح صفحة جديدة من التقارب بين دول منطقة القرن الأفريقي ووقع الاتفاق خلال زيارة محمد عبد الله محمد، أول رئيس صومالي يتوجها إلى أسمرة منذ استقلال إريتريا في 1993 ويندرج الاتفاق في إطار تغيرات إيجابية تشهدها منطقة القرن الأفريقي بعد أن سُجل في الأسابيع الأخيرة تقارب مفاجئ بين إريتريا وإثيوبيا وينص الاتفاق بعنوان “بيان حول العلاقات الأخوية” على أن “البلدين سيقيمان علاقات دبلوماسية وسيتبادلان السفراء”، وقد وقعه الرئيس الإريتري أسياس أفورقي ونظيره الصومالي محمد عبد الله محمد.

ثالثا : السياسة الخارجية الإريترية تجاه جيبوتي

خضعت الحدود بين جيبوتي وإريتريا للتدقيق لعقود عديدة، وقد ناقش كلا البلدين مكان الحدود بين المنطقتين وتصاعدت التوترات بين البلدين منذ عام 1996 عندما اتهمت حكومة جيبوتي إريتريا بإحراز تقدم عبر حدودهما ، التي حددتها فرنسا وإيطاليا في الأصل في وقت سابق وكان لإريتريا أيضًا نزاع حدودي مع إثيوبيا، حليف جيبوتي ، في عام 1998 ومع ذلك ، لم ينته الصراع حتى عام 2008 ، عندما زعمت جيبوتي مرة أخرى أن إريتريا تحقق تقدمًا مرة أخرى على الحدود بدأ الاشتباك بين الجانبين ما يعرفه الكثيرون اليوم باسم الصراع بين الجيبوتي الإريتري وكاد الصراع يتسبب في اندلاع حرب شاملة في القرن الأفريقي وانقطعت العلاقات الجيبوتية مع إريتريا في نوفمبر 1998 ، وجددت العلاقات مرة اخري في عام 2000 عندما قام الرئيس الإريتري أسياس أفورقي بزيارة جيبوتي في أوائل عام 2001 وقام رئيس جيبوتي إسماعيل عمر جيله بزيارة مماثلة إلى أسمرة في أوائل صيف عام 2001.

وفي عام 2010 ، وافقت قطر على أن تكون وسيطًا بين البلدين بعد تشجيع من الأمم المتحدة رداً على ذلك ، وقامت قطر بتثبيت قوات حفظ سلام على جانبي الحدود خلال هذه الصفقة ، عززت قطر اتفاقية سلام صغيرة بين جيبوتي وإريتريا في عام 2016 ومع ذلك ، بعد تنامي الوجود الأمريكي في جيبوتي مما أدى إلى تورط الصين في الصراع بين جيبوتي وإريتريا والضغط من دول الخليج الأخرى ، قطر تسحب قواتها في أواخر عام 2018 ، اتفقت إريتريا وجيبوتي على تطبيع العلاقات بينهما واستعادة التجارة بعد ذلك ، رفعت الأمم المتحدة أيضًا عقوباتها على إريتريا كما استعادت إثيوبيا وإريتريا العلاقات بينهما وبدأت التجارة بعد فترة وجيزة من إبرام الاتفاق .

المحور الثالث : الإنجازات والتحديات التي تواجه السياسة الخارجية الإريترية

هناك ملامح عامة للإنجازات التي حققتها الدبلوماسية الإريترية والتحديات التي تصادفها منذ عقدين من الزمن ويمكن سرد الإنجازات والتحديات كالتالي ؛

 اولا : الإنجازات التي حققتها السياسة الخارجية الإريترية

مباشرة بعد تحرير إريتريا ، بادرت الحكومة الإريترية المؤقتة وقتذاك بإرسال أمين علاقاتها الخارجية الشهيد محمد سعيد باري بغية المساهمة في تطويق نيران الأزمة الصومالية التي تأججت بعد سقوط نظام الرئيس الصومالي السابق محمد سياد بري، ونجحت في ترتيب أول لقاء بين الجنرال محمد فرح عيديد وخصمه على مهدي محمد، وكانت على وشك احتواء الأزمة وإرسال قوات فصل إريترية، ولكن ولسوء حظ الصومال ولحسابات مكيافيلية أمطر الصومال بوابل من المبادرات الإقليمية والقارية والعربية والأوروبية والأمريكية، وهكذا أجهضت المبادرة الإريترية وسط غبار تلك المبادرات من ناحية ، وتفاقمت حدة الازمة الصومالية من جراء تلك المبادرات المتنافسة والمتعارضة والمتضادة من ناحية أخرى.

ومن الجدير بالإشارة في هذا الصدد هو إن إريتريا شجبت وبشدة الغزو الأثيوبي للصومال في عام 2006، وأعربت مرارا وتكرارا عن موقفها من الأزمة الصومالية والذي يمكن إيجازها في التأكيد على استقلال ووحدة وسيادة الصومال وبأن حل الازمة الصومالية يكمن بين أيدي الصوماليين أنفسهم، ولا يمكن أن يحل محلهم ويحل لهم مشاكلهم بديل عنهم، وكل ما يمكن عمله هو مساعدتهم في إيجاد المناخ المناسب لمعالجة قضاياهم بأنفسهم .

كما استضافت اسمرا في عام 1992 اجتماعات بين الحكومة الأثيوبية ومعارضيها للحيلولة دون انزلاق إثيوبيا في مستنقع الحرب الأهلية بعد تخلصها من كابوس النظام العسكري ” الدرج” حيث بذلت الحكومة الإرترية جهودا دبلوماسية حثيثة بين عامي 1992_1993 لجمع الحكومة الجيبوتية والمعارضة المسلحة
” الفرود ” حول مائدة مستديرة وصول إلى حل تفاوضي بين الطرفين يجنب البلد الحرب الأهلية وعواقبها الكارثية على الشعب الجيبوتي كما قام الرئيس اسياس أفورقي وعدد من كبار المسؤولين الإريتريين بجولات مكوكية بين صنعاء وعدن في عام 1994 بهدف حل الخلاف بين الرئيس اليمني السابق الفريق علي عبد الله صالح ونائبه السابق علي سالم البيض للحؤول دون اندلاع الحرب الأهلية في اليمن وعلاوة على ذلك، لقد استقبل مطار اسمرا الطائرات المدنية اليمنية خشية ان تدمر في وسط دخان الحرب الأهلية .

كانت وما زالت الحكومة الإريترية لا تدخر أي جهد للمساهمة في حل مشاكل السودان العديدة نذكر منها أول لقاء بين الرئيس السوداني المشير عمر حسن أحمد البشير وزعيم التجمع الوطني الديمقراطي السابق محمد عثمان الميرغني الذي احتضنته العاصمة الإرترية اسمرا في 26 سبتمبر 2000 كما لعبت إريتريا دورا دبلوماسيا بارزا سواء عبر مبادراتها الذاتية أو في إطار المنظمات الإقليمية والقارية والدولية لإيجاد الحلول الناجحة للقضايا السودانية الداخلية فـلقد أنجز اتفاق ” سلم شرق السودان ” بمبادرة ووساطة إريترية خالصة في 14 أكتوبر 2006

ولقد عقب الرئيس السابق للسودان عمر البشير على هذا الاتفاق بمناسبة توقيع اتفاق سلم شرق السودان إنها لحظة تاريخية حاسمة لمسيرة السلم في بلدنا كخطوة  مكملة لمشوارنا منذ نيفاشا وابوجا والقاهرة ولتكتمل اليوم في اسمرا ” .درة القرن الإفريقي لتضع بصمة ناصعة جديدة في تاريخ قارتنا ” هذه الوقفة التاريخية شاهد ومبشر بمرحلة جديدة في نهضة أفريقيا وانعتاقها من كوبة الداخلي الذي أهدر علينا وقتا ثمينا وأضاع منا ثروة هائلة وافقدنا أرواح عزيزة وسواعد فتية وثابة ” وعقول نحن بأمس الحاجة إليها ” إن هذه الوقفة هي ليست وقفة لتوقيع السلم في شرق السودان فحسب، ولكنها علامة فارقة في تاريخ المنطقة برمتها ونموذجا ناصعا لكيفية حل النزاعات .

كما قام الرئيس الإريتري اسياس افورقي بجهود مضنية بذلها الوسيط الإريتري قيادة وشعبا من اجل سلم شرق السودان، وليس مستغربا على دولة جارة شقيقة بيننا وبينها الدم ذاته والمصير “وألن أسندت إريتريا ورئيسها هذه اليد البيضاء لبلدنا  ونحن نبادلها ودا بود ووفاء بوفاء ليس لترقية العلاقات الثنائية بين بلدينا وحدهما بل لصالح المنطقة بأثرها والقارة بكاملها بذلت دولة إريتريا مساعي دبلوماسية لسحب فتيل الأزمة بين السودان ودولة جنوب السودان أثناء الزيارة الرسمية التي قام بها الرئيس السوداني المشير عمر البشير لسمرا في 12 يونيو 2013، وأبان زيارة وزير الشؤون الخارجية عثمان صالح لجوبا ومقابلته للرئيس سلفا كير في 22 يونيو 2013 .

ثانيا : التحديات التي تواجهها السياسة الخارجية الإريترية

يمكن عرض أبرز التحديات التي تواجه سياسة إريتريا الخارجية الإقليمية في إحلال السلم في ثلاثة عوامل أساسية إلا وهي؛

1_ سعي بعض الدول وبشتى السبل الوقوف بالمرصاد لسياسة إريتريا الخارجية الإقليمية الرامية لإحلال السلم والاستقرار في منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر، لكونها تتعارض راديكاليا مع استراتيجيتها القاضية بتطبيق ما يسمى أو يعرف بـ ” الفوضى الخلقة ” بغية تأمين مصالحها الإستراتيجية والمنية والاقتصادية بتطبيق أجندتها السياسية في هذا الجزء من القارة الأفريقية وهنالك بعض الدول التي ترى بأن مصالحها الأمنية القومية تكمن  في ظل سيادة الأوضاع المتوترة في القرن الأفريقي، ولا تتردد في إجهاض مساعي إحلال السلم والأمن والاستقرار في المنطقة .

2_تعاني دول المنطقة من إشكاليات مزمنة ومتوارثة، والتي تكمن في إن الحكومات المتعاقبة عوضا عن العمل لمعالجتها بصورة عقلانية وشمولية وجادة وجذرية وبما يخدم مصلحة دولها وشعوبها، فإنها تعطي الأولوية لسلطتها على أنقاض المصلحة الوطنية العليا ، فإن إريتريا غير راضية عن الإنجازات الدبلوماسية التي حققتها في منطقة القرن الأفريقي وجنوب البحر الأحمر في ظل ظروف صعبة ومعقدة لكونها أبعد من أن تلبي طموحاتها السياسية والدبلوماسية.

3_ كما إن التحديات الكبيرة الماثلة أمامها لم ولن تثنيها عن عزيمتها في مواصلة تحقيق قناعتها المبدئية الراسخة في لعب دورها التاريخي والسياسي في المساهمة في إحلال السلم والأمن والاستقرار في المنطقة، والوصول إلى تضافر كل جهود شعوب المنطقة تحقيقا للتنمية الوطنية والإقليمية التكاملية الشاملة في عالم بات محكوما أكثر وأكثر بالتجمعات السياسية والاقتصادية الإقليمية والقارية والدولية .

خاتمة :

ناقشت هذه الورقة البحثية سياسات الحكومة الإريترية التي تدير من خلالها علاقاتها الخارجية مع الدول الأخرى منذ استقلالها ، وقد هيمن الصراع والمواجهة على العلاقات الخارجية لإريتريا على الصعيدين الإقليمي والدولي فقد حافظت إريتريا على علاقات مضطربة في كثير من الأحيان وعادة ما تكون عنيفة مع جيرانها بما في ذلك نزاعات مسلحة قصيرة مع اليمن وجيبوتي وحرب مدمرة مع جارتها الأكبر إثيوبيا على مدار العقد الماضي ، هذا بالإضافة إلى العلاقات المتشابكة بين إريتريا والصومال وحركة الشباب والتنظيم الجهادي المرتبط بالقاعدة ، والرد الأمريكي أن إريتريا “دولة راعية للإرهاب” وفرضت عليها عقوبات .

وفي الوقت الحاضر خرجت إريتريا من قوقعة العزلة التي كانت مفروضة عليها وأصبحت تتمتع إريتريا بعلاقات افضل مع إثيوبيا وجيبوتي والصومال المجاورتين وذلك عقب النجاح في توقيع اتفاق السلام بين إثيوبيا وإريتريا في عام 2018، زادت التوقعات حول إعادة انخراط أسمرة في تفاعلات النظام الدولي من جديد، وإعادة إحياء العلاقات مع القوى الدولية الفاعلة في المنطقة لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية التي شاركت في فرض مجلس الأمن الدولي حزمة من العقوبات ضد أسمرة في عام 2009 وقد عززت واشنطن هذا الاتجاه بزيارة بعض مسئوليها إلى أسمرة خلال عام 2018، والسماح بتمرير قرار أممي برفع العقوبات الأممية عن إريتريا في نوفمبر من العام نفسه.

قائمة المراجع

أولا: مراجع باللغة العربية

أ_ المقالات

  1. إدريس عبد الله أحمد، صراع إريتريا إثيوبيا: مدخل التحولات الأمنية في القرن الأفريقي، مجلة دراسات شرق أوسطية (مركز دراسات الشرق الأوسط، مجلد 5 عدد 12، 2000).
  2. طه حميد حسن العنبكي، تطورات الصراع الاريتري الاثيوبي ومواقف القوي والمنظمات الاقليمية والدولية ، مجلة القادسية للقانون والعلوم السياسية ( القادسية: جامعة القادسية، مجلد 3، عدد 1-2، يونيو 2010 ) .
  3. عبد الوهاب أيمن السيد ،إريتريا: إشكاليات بناء الدولة والتفاعل مع بيئة إقليمية مضطربة، آفاق سياسية ( القاهرة: الهيئة العامة للاستعلامات ، العدد 27 2016 (.
  4. فاطمة عمر العاقب، الدور الإقليمي الإريتري في ظل المتغيرات الراهنة، مجلة السودان (الخرطوم: مركز السودان للبحوث والدراسات الاستراتيجية العدد 2 ، 2008).

ب_ الرسائل العلمية

  1. رحمه كمال الدين موسى عثمان،  المنظور الاستراتيجي لسياسة السودان الخارجية إثيوبيا وإريتريا نموذجاً 1989- 2012م رسالة دكتوراه (الخرطوم: جامعة ام درمان الإسلامية، معهد البحوث والدراسات الاستراتيجية) 2014.
  2. رزان هاشم حسن محمد ، دور الدبلوماسية الثنائية في حل النزاعات الدولية: نموذج إثيوبيا – إريتريا في الفترة 1990-2018 ،  رسالة ماجستير ( الخرطوم : جامعة النيلين ، كلية الدراسات العليا)  2020  .

ج _الدراسات والبحوث المنشورة

  1. د. محمد صغيرون الشيخ فلكي، بناء أمم: إريتريا من الثورة إلى الدولة، المركز العالمي للدراسات الافريقية (الخرطوم، مارس 2010).
  2. محمود محمد على وطاهر محمد على، إريتريا خلال عقدين 1991_2011، مركز دراسات القرن الافريقي (التقرير الشامل رقم 1، 2013).

د_ مصادر الانترنت

  1. علاقات إريتريا الخارجية – رؤية تحليلية تقويمية،” عدوليس، 8 فبراير 2008، متاح على الرابط الإلكتروني http://www.adoulis.net/entry.php?id=1683
  2. بهاء الدين عباد،” أمن البحر الاحمر والقرن الافريقي على طاولة مباحثات اريترية مصرية”، جريدة الوطن، 3 ابريل 2019، تاريخ التصفح: 11 مايو 2019، متاح على الرابط الالكتروني https://www.elwatannews.com/news/details/4097042

ثانيا: مراجع باللغة الأجنبية

A _documents

  1. Eritrea: A Country Handbook, (Ministry of Information: Asmara, 2002) p. 23.

B_ books

  1. Redie Bereketeab, Eritrea: the making of a nation, 1890-1991 (Trenton NJ, 2007).
  2. Dan Connell, ‘The EPLF/PFDJ Experience: how it shapes Eritrea’s regional strategy’, in Reid (ed.), Eritrea’s External Relations.

D_PAPERS

  1. International Crisis Group, beyond the fragile peace between Ethiopia and Eritrea: averting new war, (Brussels: African Report N.141, 17 Jun 2006).
  2. Terrence Lyon , avoiding conflict in the Horn of Africa- U.S policy towards Ethiopia and Eritrea, (New York: Council on Foreign Relations, CSR No 21, and December 2006).
5/5 - (4 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى