الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

سياسة التعقيم النقدي (المفهوم ، الأنواع ) مع أشارة خاصة للعراق

إعداد : د. محمد عبد الرسول لطيف/ باحث علمي/ الشركة العامة للتجهيزات الزراعية – مكتب السيد المدير العام

  • المركز الديمقراطي العربي

 

تمهيد:

هناك بعض المتغيرات الاقتصادية يكون لها اثر جانبي سلبي على متغيرات اقتصادية أخرى مما يتطلب الأمر أن تكون هناك سياسة مناسبة لمواجه تلك الآثار السلبية ، ولهذا فأن معظم السلطة النقدية في اقتصاديات دول العالم ولغرض المحافظة على استقرار سعر صرف عملاتها وخاصة في بداية التسعينات من القرن الماضي ونتيجة زيادة عمليات الإقراض التي ذهب جزءا منها لتمويل العجز التجاري المزمن لهذه الدول مما نتج عنه حصول فائض في ميزان مدفوعاتها وعليه فأن الحفاظ على نظام سعر صرف ثابت أصبح يواجه عدة صعوبات أهمها حدوث اضطرابات في الدول التي تعتمد هذا النظام كأساس في تحقيق الاستقرار في سعر الصرف لهذا تتدخل معظم البنوك المركزية من اجل حد تأثيرات التدفقات على زيادة المعروض النقدي الذي سيؤدي إلى التضخم عن طريق القيام بسياسة تعقيم التدفقات النقدية ، بناءً على ما جاء أعلاه فأن سياسة التعقيم النقدي هو أجراء يتبع من لدن البنك المركزي لغرض الحد من اثر التدفقات النقدية الداخلة والخارجة على المعروض النقدي ويمكن تقسيمه إلى نوعين وكما يلي :

  • التعقيم النقدي الداخلي:

         تتمثل سياسة التعقيم النقدي الداخلي قيام البنك المركزي بعمليات بيع أو شراء أصول مالية بالعملة الأجنبية لغرض عدم المساس بالأساس النقدي وبالتالي الحد من اثر التضخم للتدفقات النقدية على الأساس النقدي ، بعبارة أخرى هو سياسة نقدية يتم عن طريقها مقابله الزيادة في صافي الأصول الأجنبية إنقاص صافي الأصول المحلية وبالتالي الحفاظ على ثبات الأساس النقدي (القاعدة النقدية) ويكون ذلك عن طريق تدخل البنك المركزي مستخدما أدواته المختلفة مثل عمليات السوق المفتوحة أو تغيير نسبة الاحتياطي القانوني وغيرها ، إي إن سياسة التعقيم النقدي تعبر عن الدرجة التي يعمل فيها التضييق من لدن السلطة النقدية على الائتمان المحلي لغرض الحد من التوسع في الأساس النقدي نتيجة لتراكم الاحتياط الأجنبي ، اذ ان يتحقق التوازن في البنك المركزي عند تعادل التغيير  في الاحتياط النقدي (الأساس النقدي) أو المطلوبات مع مجموع التغيير في صافي الائتمان المحلي وصافي الموجودات الأجنبية لدى البنك المركزي ، اي ان تغيير الموجودات الأجنبية يؤدي الى تغير عرض النقد ولذلك فان معظم البنوك المركزية في الدول تعمل على الحد من الآثار التي تسببها تغيرات الموجودات الأجنبية على الاحتياط النقدي عن طريق أجراء تعديل في الائتمان المحلي وهو ما يعرف بسياسة التعقيم النقدي.

  • التعقيم النقدي الخارجي :

يقصد به الإجراء المتخذ من قبل البنك المركزي لمواجهه التغيرات في المعروض النقدي الناجمة عن فائض أو عجز ميزان المدفوعات وهو أمر يتعلق بعمليات السوق المفتوحة المتبعة من قبل البنك المركزي لغرض تحديد الآثار الناجمة عن عمليات الصرف الأجنبي ، اذ ينتج عن التدفقات النقدية من والى البلد العديد من الآثار الايجابية والسلبية وتتمثل الآثار الايجابية للتدفقات المالية الداخلة إلى البلد برفع مستويات الاستثمار في مختلف القطاعات الاقتصادية وزيادة معدل النمو الاقتصادي للبلد أي تخفيض التفاوت في توزيع رؤؤس الأموال بين دول العالم من دول الفائض النسبي في الأموال إلى دول تعاني العجز في رؤوس الأموال وتظهر تلك التدفقات في ميزان المدفوعات في فقرة التحويلات الرأسمالية لميزان المدفوعات فإذا كانت بنودا دائنة فهي تدفقات نقدية خارجية أما إذا كانت مدينه فهي تدفقات نقدية داخلية إلى البلد , أما الآثار السلبية فقد تعمل على تحجيم منافسة الصادرات نظرا لارتفاع الأسعار وتعمل ايضا على رفع سعر صرف العملة المحلية ، فضلا عن انها تعمل على زيادة حالات التضخم وبالتالي نمو القاعدة النقدية بدون أن تكون هناك زيادة في الإنتاج لذلك يتم استخدام سياسة التعقيم النقدي على تعادل اثر التدفقات النقدية الأجنبية إلى الداخل بصورة مؤقتة بغية التخلص من الآثار السلبية سالفة الذكر .

لمحة عن سياسة التعقيم النقدي في العراق للمدة من (2003 – 2016) :

يمكن تصور عملية التعقيم النقدي التي يقوم بها البنك المركزي العراقي لغرض المحافظة على سعر الصرف الدينار العراقي مقابل العملات الأجنبية إذ يعمل البنك أعلاه بدور بائع للعملة الأجنبية تارة ومشتري لها تارة أخرى إلا أن السمة الغالبة هي دخول البنك المركزي بصفة بائع للعملة الأجنبية وحسب ما مبين في الجدول أدناه الذي يوضح مبيعات ومشتريات البنك المركزي العراقي من الدولار للمدة ( 2003-2016).

جدول يوضح مبيعات ومشتريات البنك المركزي العراقي من الدولار للمدة ( 2003-2016).

السنوات الإنفاق العام

  مليون دينار

مبيعات الدولار في النافذة (مليون دولار) مشتريات الدولار في النافذة

(مليون دولار)

معدل نمو الإنفاق العام معدل نمو مبيعات الدولار سعر الصرف النافذة سعر صرف السوق الفرق بين سعري الصرف
2003 9233000 293 1 —- —- —- —– —–
2004 32117491 6108 50 247.9 1984.6 1453 1453 0
2005 26375175 10462 76 -17.9 71.3 1469 1475 6
2006 38076795 11175 110 44.4 6.8 1467 1475 8
2007 39031232 15980 1413 2.5 43.0 1255 1267 12
2008 59403375 25869 350 52.2 61.9 1193 1203 10
2009 52567025 33992 13 -11.5 31.4 1170 1182 12
2010 70134201 36171 4 33.4 6.4 1170 1186 16
2011 78757666 39798 3 12.3 10.0 1170 1196 26
2012 105139576 48649 4 33.5 22.2 1166 1233 67
2013 119127556 55678 0 13.3 14.4 1166 1232 66
2014 113473517 54463 0 -4.7 -2.2 1188 1214 26
2015 70397515 44304 0 -38.0 -18.7 1190 1247 57
2016 67067437 33524 0 -4.7 -24.3 1190 1275 85
المجموع 416466 2024          
المتوسط     27.9 169.8 1249.8 1279.8 30.1

المصدر:المديرية العامة للإحصاء والأبحاث ، النشرة السنوية.

شكل يوضح الإنفاق العام في العراق ( مليون دينار ) للمدة ( 2003-2016)

المصدر: من عمل المعد بالاعتماد على الجدول أعلاه.

 شكل يوضح مبيعات الدولار في العراق ( مليون دولار )                              شكل يوضح مشتريات الدولار في العراق ( مليون دولار )

           للمدة ( 2003-2016)                                                                         للمدة ( 2003-2016)

 

 المصدر: من عمل المعد بالاعتماد على الجدول أعلاه.                           المصدر: من عمل المعد بالاعتماد على الجدول أعلاه.

يتضح من الجدول أعلاه أن مجموع مبيعات البنك المركزي للمدة (2003 -2016) بلغ نحو 416466 مليون دولار في حين ان مجموع الدولارات التي قام البنك المركزي بشرائها عبر النافذة خلال متوسط المدة نفسها 2024 مليون دولار ،فضلا عن انه في عام 2013 الى 2016 لم يقم البنك المركزي بأي عملية شراء للعملة الأجنبية خلال نافذة العملة. ويلاحظ أيضا أن البنك المركزي العراقي تحمل أعباء كبيره بهدف المحافظة على قيمة العملة خلال المدة اعلاه ، اذ ان زيادة الإنفاق العام بنسبة 27.9% في المتوسط رافقه زيادة في مبيعات البنك المركزي العراقي بنسبة 169.8% وذلك لغرض الحصول على سعر الصرف الدينار العراقي 1279.8 دينار للدولار الواحد بافتراض ثبات العوامل الأخرى ويوضح الجدول أيضا ان هناك اعوام انخفض فيها الإنفاق العام للحكومة لكن مبيعات البنك المركزي زادت في الوقت نفسه كما هو الحال في عامي 2005 و2009 (علاقه عكسية) بين معدل نمو الإنفاق العام ومبيعات البنك المركزي وهذا يعني وجود عوامل أخرى تؤثر على سعر الصرف غير الإنفاق العام وهي عوامل تتعلق بالعرض والطلب على سبيل المثال الوضع الأمني ونقص إمدادات المحروقات وعمليات تهريب العملة إلى الخارج ، فضلا عن عمليات المضاربة ، لهذا يقوم البنك المركزي بعملية التعقيم النقدي عن طريق التدخل في سوق العملة الأجنبية (الصرف) والتي هي عملية تعقيم جزئي وذلك لان مبيعات البنك المركزي من الدولار لا يمكن ان تساوي مقدار العملة المحلية المصدرة من البنك نفسه بسبب ضخامة الضخ النقدي سنويا بالتوازي مع أحكام الحكومة على إيراداتها من الدولار المتأتية من مبيعات النفط لإيفاء متطلبات الموازنة العامة ومع ذلك فان البنك المركزي عن طريق تدخله هذا يعمل على التخفيف من المعروض النقدي المحلي عن طريق طلبة المباشر على العملة المحلية وطرح الدولار مقابلها وهو ما يعمل على تخفيض معدلات التضخم .

ويمكن قياس درجة التعقيم النقدي في العراق على وفق الآتي:

  • طريقة الانحدار الخطي :

تم الإشارة إلى هذه الطريقة بواسطة صندوق النقد الدولي حيث تم  إجراء انحدار خطي لمدة اعلاه بين كل من صافي الموجودات الأجنبية كمتغير مُوضح وصافي الموجودات المحلية لدى البنك المركزي كمتغير موضَح وتم تحويل البيانات السنوية الى فصلية لغرض إجراء اختبار السكون (الاستقرارية) للمتغيرين في السلسة حيث استقر كلاهما عند الفرق الأول وكانت النتائج كما يلي :

NDA = 408.99- 0.48 NFA          (صافي الموجودات المحلية)
9.71 2.38 T
F=94 ADJUSTED R-SQUARED=67 R2=67
0.000 0.000 0.021 P-VALUE

المصدر:من عمل الباحث بالاعتماد على برنامج SPSS.

تعتبر نتائج هذه المعادلة منطقية من الناحية الاقتصادية اذ كانت معامل B  قيمة سالبة وبلغت نحو  -0.48 أي ان زيادة صافي الموجودات المحلية بوحدة واحدة سوف يؤدي الى تخفيض صافي الموجودات الاجنبية بمقدار       -0.48 وهو ما يعني ان البنك المركزي العراقي يمارس سياسة تعقيم جزئي للآثار المترتبة على الزيادة في الاحتياط الأجنبي من خلال قيامة بتخفيض رصيد الأصول المحلية أي هناك تغيير في الأساس النقدي نتيجة الجزء غير المعقم من صافي الأصول الأجنبية.

  • الطريقة النسبية:

يوضح الجدول أدناه درجة التعقيم النقدي عن طريق استخدام صافي الموجدات الأجنبية اذ يلاحظ أن اغلب الاعوام المختارة كانت قيمة معامل التعقيم بين (الصفر والواحد)  وهو ما يعني أن هنالك حالة من التعقيم الجزئي المتبع من قبل البنك المركزي العراقي ، بلغت قيمة معامل التعقيم في عام  2006 على سبيل المثال -0.6 وهو يعني ان كل زيادة في الأساس النقدي بوحدة واحدة بسبب صافي الاصول الأجنبية تعقم بصافي الأصول المحلية بمقدار بنحو 0.6 وهو ما يعني إتباع البنك المركزي العراقي سياسة نقدية توسعية ، اذا ان التعقيم الجزئي هو الوجه المقابل للسياسة النقدية التوسعية وبلغت قيمة معامل التعقيم خلال المتوسط مدة الدراسة -0.5 وهو يعني ان البنك المركزي مارس تعقيما جزئيا لعزل التغيرات في صافي الموجودات الأجنبية على الأساس النقدي .اما في عامي 2009 و 2016 فان هناك حالات تعقيم مفرط إذ كان معامل التعقيم النقدي يزيد عن  (1-) ونجم ذلك عن الانخفاض الحاصل في صافي الموجودات الأجنبية -8926.0 و -10371.0 على التوالي لذا اقتضى على البنك المركزي ان يتدخل لتعقيم اثر انخفاضها على الأساس النقدي عن طريق زيادة صافي الموجودات المحلية إلى 11337.0 و 15070.0 لعامي 2009 و 2016 على التوالي ، أما السنوات 2010 و2013 نلاحظ أن هناك حاله تعقيم مثبط أي لا يوجد أي اثر لعمليات التعقيم التي مارسها البنك المركزي إذ ان معامل التعقيم لكلا السنتين كان موجبا واكبر من الصفر.

جدول يوضح الطريقة لنسبية في قياس التعقيم النقدي للمدة (2004-2016)

السنة صافي الموجودات المحلية لدى البنك المركزي (مليون دينار) صافي الموجودات الأجنبية لدى البنك المركزي ( مليون دولار) نسبة التغيير في صافي الأصول المحلية نسبة التغير في صافي الأصول الأجنبية التعقيم
2004 1.477 10.742      
2005 3.571 17.366 -5048.0 6624.0 -0.8
2006 8.452 25.973 -4881.0 8607.0 -0.6
2007 9.409 38.217 -957.0 12244.0 -0.1
2008 15.859 58.718 -.6450.0 20501.0 -0.3
2009 4.522 49.792 11337.0 -8926.0 -1.3
2010 3.375 57.185 1147.0 7393.0 0.2
2011 10.681 69.379 -7306.0 12194.0 -0.6
2012 16.577 79.968 -5896.0 10589.0 -0.6
2013 15.352 88.611 1225.0 8643.0 0.1
2014 9.215 75.446 6137.0 -13165.0 -0.5
2015 5.618 63.506 3597.0 -11940.0 -0.3
2016 9.452 53.135 15070.0 -10371.0 -1.5
المتوسط         -0.5

المصدر :من عمل الباحث استنادا الى بيانات المديرية العامة للإحصاء والأبحاث .

4.5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى