الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

ماذا تريد ايران وامريكا من العراق ؟

بقلم : أ.د هاني الحديثي – المركز الديمقراطي العربي

أدى الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003م الى فتح واسع لايران بعد ان استعصى عليها الامر في حرب الثمانية سنوات حيث خرجت منها مهزومة عسكريا ليبقى العراق نظيفا من التغلغل الايراني رغم كل المساعي التي بذلت ، وكان ألمؤمل بعد تلك الحرب ان يكون للعراق دورا اقليميا كبيرا لولا الخطأ الكارثي في قرار غزو الكويت 1990 ،ورغم الحصار الشامل طيلة عقد التسعينات ولغاية الاحتلال ، ظل العراق عصيا على ايران لولا الاحتلال الامريكي.

الاحتلال الامريكي للعراق زامله نفوذ واسع لايران حتى صار مايحدث فيه يبدو وكانه تنسيق امريكي – ايراني بطريقة التخادم في المصالح والاستراتيجيات و في جميع مجالات الحياة العراقية رغم مايبدو من اختلافات في المنهج . بعبارة اخرى فان الولايات المتحدة وايران اتجاه العراق يختلفان أيديولوجيا لكنهما متفقان استراتيجيا ، ولعل في ذلك تفسير واضح للتاييد الذي حضيت به الولايات المتحدة من المراجع الدينية والمذهبية في كل من ايران والعراق وفق مانشر من وثائق مؤكدة  وما ترتب عن ذلك من تقاسم النفوذ والمصالح بينهما.

ألان وبعد مرور عشرون سنة على الاحتلال الامريكي وتصاعد النفوذ الايراني في العراق ، وما ترتب عن ذلك من تداعيات ونتائج على عموم المنطقة العربية والعالم الشرق اوسطي والتي تبدو فيها بعض المصالح المتضاربة بين القوتين الامريكية و الايرانية داخل العراق وفي محيطه الاقليمي ، يثار التسائل : مالذي يريده الامريكان من العراق وما الذي تريده ايران منه  و الى اين ؟

الولايات المتحدة بنت امالها عمليا وفعليا ( تحت اطار كذبتها في اختلاق اسباب الغزو واحتلال العراق ) على امكانية بناء نظام سياسي يخدم مقاصدها الاستراتيجية التي تكمن في ثلاث مسائل جوهرية :

  • الاولى :السيطرة على مصادر الطاقة في بلد يعد من اكبر بلدان العالم من حيث خزينه من النفط والغاز.
  • الثانية : تأمين وضع العراق السياسي بما يحقق الامن ألاقليمي لاسرائيل .

الثالثة :وضع اليد على اهم موقع جيواستراتيجي يشكل عقدة المواصلات تتركز فيها مشاريع استراتيجية للسيطرة على حركة التجارة الدولية بين الشرق والغرب ومن بينها مشاريع الصين الاستراتيجية المتمثلة بالطوق والطريق وهو المشروع الذي تعارضه الولايات المتحدة وتسعى لفرض السيطرة المطلقة على عموم الشرق الاوسط ومرتكزاته الاستراتيجية لمنع شروع الصين ومعها روسيا بالتواجد في هذه المنطقة التي يشكل العراق فيها ركنا جيواستراتيجيا لايمكن التخلي عنه.

  • أين تكمن الاشكالية في هذه المسائل الثلاث حتى الان؟

يمكن تحديد الاشكالية في تفرعات اساسية و كالاتي:

1-استطاعت ايران وتحت نظر وموافقات ضمنية امريكية وتنسيق متكامل معها من صياغة نظام سياسي موالي لها في العراق بشكل شبه مطلق ، وهو النظام الذي مكنها من تجيير العراق بشكل شبه كلي اقتصاديا وجغرافيا وثقافيا واجتماعيا لصالح ايران . أن ماتقدم مكن أيران من اقامة قواعد عسكرية لها مرتبطة باذرع عسكرية لها امتداداتها العقائدية تنفذت ولعبت دورها في ازاحة النفوذ الامريكي في العراق الى درجة بعيدة بل ومنافستها على تواجدها الاقتصادي والعسكري ومواجهتها اينما تطلب الامر ذلك .ولعل من نافلة القول ان ذلك تم اثر التنسيق الوثيق بينهما للقضاء على و أجهاض المقاومة الوطنية التي تصدت للاحتلال الامريكي منذ الاسابيع الاولى اللاحقة للاحتلال أوقعت به خسائر كبيرة لم تمنى بها القوات الامريكية في افغانستان وهي التي اجبرت الامريكان على توقيع اتفاقية الانسحاب من البلاد عام 2011م.

2-أن ايران ذات صلات ومصالح بعيدة المدى ترتقي الى مستوى الحليف مع كل من الصين وروسيا الامر الذي يشكل عقبة جدية امام المصالح الامريكية في العراق وعموم الشرق الاوسط  خاصة ان الموقع الحيوي استراتيجيا لايران يمكنها بفعل ماتقدم من قضايا من التصدي لمشاريع الولايات المتحدة الهادفة الى الهيمنة المطلقة على الشرق الاوسط ، وهو الموقف الذي سيجد له مديات اوسع حال امتلاك ايران السلاح النووي الامر الذي تعارضه كل من أسرائيل و الادارة الامريكية وتسعيات للتصدي له عبر الاتفاقيات والمحادثات مع النظام الايراني.

3-لقد خلقت معارضة اسرائيل لمساعي ايران امتلاك السلاح النووي قدر من المعارضة وتضارب المصالح بين ايران واسرائيل الحليف الطبيعي والاستراتيجي للغرب عموما في الشرق الاوسط عامة والمنطقة العربية خاصة ، وهو الامر الذي يفسر طبيعة الصراع أو التنافس بين ايران و أسرائيل في عموم المشرق العربي ، خاصة و أن اسرائيل تدرك ان ايران لم يكن لها ان تمد نفوذها الى المشرق العربي كما هو الحال الان لولا تعاظم نفوذها في العراق ، والذي يشكل بدوره عقدة استراتيجية في امتداد ايران نحو عموم بلاد الشام وصولا الى موانئ البحر المتوسط حيث المشاركة في النفوذ مع روسيا وحزب الله اللبناني .

صحيح ان كلا القوتين يرغبان بعالم عربي ضعيف وهش يستطيعان عبره ان ينشرا نفوذيهما في ارجائه بصيغة تقاسم النفوذ ، الا ان بروباغاندا الاصطدام العقائدي بينهما جرت الى توسيع وتركيز القوى المسلحة الموالية لايران في عموم المشرق العربي وبصيغة الدائرة المحيطة بالكيان الاسرائيلي وهو الوضع الذي حول العراق الى جبهة امداد للاذرع الايرانية في عموم المشرق العربي وخاصة سوريا ولبنان بحكم الواقع الجغرافي .

تاسيسا على ماتقدم فان الولايات المتحدة تجد نفسها عن قصد او بدون تخطيط مسبق في حالة خصام مع ايران في العراق وما حوله في المحيط العربي كحاصل تحصيل للدور العراقي المجير لمصالح ايران الاستراتيجية.

وفي هذا الوضع لم يعد بامكان الولايات المتحدة تدارك نتائج اللعبة التي خلقتها بيديها في العراق بعد ان تنفذت ايران فيه ،الامر الذي اظهر الى السطح فرصا للاصطدام داخل العراق وخاصة المناطق غير المحسومة لصالح ايران حتى الان كما هو الشان في اغلب مناطق اقليم كوردستان العراق وبعض مناطق القواعد الامريكية في غرب الانبار ،  الامر الذي يفسر بوضوح اسباب تركيز ايران في اظهار عضلاتها في هذه المناطق بشكل مباشر عبر صواريخها الباليستية او عبر مجاميعها المسلحة ( تحت ذرائع كاذبة)  الامر الذي يحول هذه المناطق الخطرة والاستراتيجية الى فرص للصدام وتعريضها لفقدان الاستقرار واضعاف التنمية او ايقافها ،وهو مقصد ايراني تستثمره لصالحها كما فعلت في عموم المناطق الاخرى التي خضعت بشكل كبير للنفوذ الايراني، وليس عندي شك من فرصة توافقات امريكية – ايرانية مستقبلا عليها تبعا لطبيعة التخادم في المصالح وتبعا لطبيعة المتغيرات المحيطة ، وذلك  انطلاقا من واقع عدم الثبات لدى الادارات الامريكية على التعهدات والاتفاقيات مع الشركاء وحتى الحلفاء وهو امر لابد ان ياخذه اصحاب القرار بنظر الاعتبار ويستعدون له .

  • السؤال هنا ماهي التداعيات وكيف الخلاص من هذا الوضع المعقد؟

الولايات المتحدة بدأت تمارس الضغط عبر مسارين :

الاول : يتمثل في توجيه ضربات استئصالية لبعض القواعد ومناطق التواجد للقوى الايرانية او التابعة لها في العراق كما هو الحال ايضا في سوريا فضلا عن اليمن ، بيد انها لن تشكل عنصرا حاسما او نتيجة صفرية وهو امر اكدته جميع تجارب الولايات المتحدة في اي مكان بالعالم تواجدت فيه عبر الاحتلال او بالقوة والنماذج كثيرة منها على سبيل المثال افغانستان .

الثانية : رفع مطرقة الضغط الاقتصادي عبر التهديد برفع اليد عن حماية الاموال العراقية في مصارف الولايات المتحدة ، والتوقف عن دعم الحكومة العراقية والنظام السياسي الذي هي من شكلته تحت سلطة الحاكم المدني بريمر وتتحمل الان نتائجه ، مما يتسبب بخسائر مادية كبيرة للعراق تعيده الى وضعه عقد التسعينات.

وهنا لاارى ان النظام السياسي في العراق بتشكيلته الحالية سيكون تحت طائلة الانصياع بحكم طبيعة العلاقة بين اركان السلطة فيه وبين ايران  , وهو الامر الذي يعزز من فرص ايران داخل العراق على حساب المصالح الامريكية  بدليل التصريحات الرسمية العراقية بانها تمر في حالة اعادة صياغة العلاقات مع جميع دول التحالف الدولي اثر التمكن من اعادة صياغة القدرات الدفاعية للعراق، وهي صياغة تمت تحت اشراف سلطة القوى الحاكمة ذات العلاقات الموصوفة مع ايران ولصالحها.

لقد تشكل النظام السياسي وفق ارادات خارجية اصبح العراق بموجبه موضع تقاسم غير متساوي للنفوذ الخارجي ، وذلك امر طبيعي لنظام المحاصصات غير المتوازن وغير العادل ، وهو الامر الذي جعل مناطق العراق موزعة ليس على اسس حزبية او قومية او مذهبية حسب ، انما ايضا على اسس تعدد قوى النفوذ الخارجي .

أن قوى النفوذ الخارجي متعددة وان كانت غير متوازنة في القدرة ، فالى جانب اميركا و ايران ، فان تركيا ايضا قوة اقليمية نافذة ولها قواعد وقدرات نسبية في بعض مناطق شمال العراق تنافسها أيران في الجانب الاخر فضلا عن هيمنة الاخيرة على اغلب مناطق العراق وصنع القرار السياسي فيه.

لذلك فان الحفاظ على الذات المناطقية في ظل غياب القدرات الوطنية الجامعة يتطلب من الادارات المحلية المناطقية التنسيق النشط و الفاعل مع القوى الاقليمية المستفيدة  لتعزيز الامن مناطقيا .أما المناطق الهشة التي تتداخل فيها الارادات المتضادة فانها مناطق ستكون فيها الغلبة للاقوى من هذه القوى الخارجية وهو الامر الذي يتطلب من مكوناتها الاجتماعية ان تستعد لمرحلة الحسم بما يحقق لابنائها المصلحة في الوجود.

أن هذا الوصف يشمل جميع المحافظات العراقية الغربية وشمال بغداد وصولا الى كركوك و الموصل .

ربما يرى البعض ان في هذه الرؤية قدرا من الدفع نحو الاقلمة للعراق تشوبها حالة من التشاؤم   .

وهذا  حق لهم وربما تحت دوافع وطنية عليا جامعة شاملة ، لكني هنا اسال : اين هي القوى الوطنية الجامعة الشاملة ؟ وماهو فعلها ؟وما مساحة تاثيرها؟ ومن هي رموزها او قياداتها عدا مايكتب على الورق؟؟؟

ولن نغفل هنا من يتصدى لهذه الرؤية أيضا من منطلق الولاءات الخارجية التي تدفع العراق كله تحت مضلة خارجية واحدة لها مصالحها الاستراتيجية التي تدفها للعمل على طي العراق كله تحت جناحيها وان استخدمت شعارات تبدو وطنية جامعة ولكنها لللاسف ليست كذلك بدلالة سياسات التهجير والتغيير الديمغرافي التي تعتمدها بالقوة اينما حلت واستقرت ولو الى حين .

في ضوء ماتقدم وفي حال استمرار الوضع على ماهو عليه اعود واكرر ان المنهج الاسلم للعراق والعراقيين على اختلاف مكوناتهم المجتمعية  في مواجهة مايراد له و منه هو الذهاب الى نظام الاقاليم الفدرالية .

وهنا سنكون في موضوع او تحت عنوان اخر بحثنا فيه سابقا، ولنا الان دراسة اخرى بشانه قد تظهر لاحقا بعد العرض لها في مؤتمر علمي مخطط له سلفا من قبل احد المعاهد الاكاديمية العالمية .

5/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى