الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

اتفاقات السلام بين صنعاء-الرياض في ظل التصعيد في البحر الاحمر: رهانات الفشل وامكانيات الصمود؟

اعداد : عمرو سعد – باحث سياسي – المركز الديمقراطي العربي

 

تثور الكثير من التساؤلات حول انعكاس التصعيد العسكري لجماعة انصار الله في للبحر الاحمر على مسار المفاوضات اليمنية لبحث السلام، سيما المحادثات الجارية منذ سنتين بين كلا من (صنعاء والرياض). اذ يرى العديد من المراقبون ان التوترات الامنية في البحر الأحمر ستعطل جهود التوصل الى تسوية سياسية بين الاطراف اليمنية، علاوة على انها ستقضي على طموحات المحادثات الجارية بين (الرياض وصنعاء) اللذان كانا قد احرزا تقدما ملفتاً ضمن تفاهمات بينية أمنية وسياسية واقتصادية، اواخر العام 2022 والمستمرة حتى اليوم. والتي يحرص الجانبين “الرياض وصنعاء” على نجاحها باعتبارها نهاية مقبولة للحرب المستمرة 8 سنوات بينهما. وفي ظل الحديث عن الارتدادات الخطيرة للتصعيد العسكري في البحر الأحمر الذي يرى الكثيرون انه سيعطب مسار التفاهمات والمحادثات الجارية بين صنعاء والرياض. الا ان هناك من يستبعد ان يكون لهذه الأحداث الأمنية أثر بارز على هذه الاتفاقات، نطراً للعديد من العوامل ولارتباطها بالعديد من الملفات الاستراتيجية في الاقليم والعالم. سنستعرض في هذه الورقة جانبي الرؤية والتحليل.

الخطوط العريضة لمفاوضات السلام اليمنية “خارطة الطريق”

كان المبعوث الاممي الى اليمن السيد “هانس غروندبرغ” قد أعلن في نهاية ديسمبر من العام الماضي عن توصل الاطراف اليمنية الى اتفاقات “مهمة”، ضمن مفاوضات السلام برعاية الامم المتحدة، والتي بحسب بيان غروندبرغ “تبشر بقرب التوصل الى وقف دائم لإطلاق النار والتوصل تسوية سياسية بين الأطراف اليمنية”  وبهذا الصدد فإن الرياض حينها كانت قد باركت ما اسمتها الرياض “خارطة طريق” المفضية الى السلام في اليمن، والتي بدأتها مع جماعة الحوثي في محادثات غير معلنة بين الجانبين فحسب، باجراء اشتمل على عدد من الملفات الانسانية والاقتصادية السياسية والعسكرية، غير ان باقي تفاصيل هذه المحادثات ظلت طي التكتيم الإعلامي. ولم يصرَّح سوى بالملف الانساني، والذي تضمن فتح الطرقات بين المحافظات وفك الحصار عن المطارات والموانئ والافراج عن الاسرى، غير ان ما تم تداوله على مستوى وسائل اعلامية رفيعة ومقربة من الجانبين، فإن الطرفين “الرياص وصنعاء” قد اتفقا على التزام جماعة الحوثي بوقف هجماتها العسكرية مقابل توقف السعودية والتحالف العربي عن عملياتهم العسكرية ضد الجماعة، وفك الحصار المفروض برا وبحرا وجوا على الجماعة، وهو ما التزمت به الرياض.اذ يعد هذا الالتزام بمثابة ضامن لنجاح باقي مراحل الاتفاق الذي سيفضي بالنهاية الى التسوية السياسية الشاملة بين الاطراف اليمنية، كما تقول الرياض.

حيث كان قد اشاد المبعوث الاممي الى اليمن بهذا التقدم ووصفه بالانفراجة والتقدم الفريد من نوعه في مسار التفاوض بين الاطراف اليمينة.

من جانبها رحبت الحكومة اليمنية المعترف بها بجهود ومباحثات السلام الجارية بين الرياض وصنعاء برعاية الامم المتحدة، يومها ووصفتها بالخطوات البناءة للتوصل الى السلام الشامل في اليمن.

  • امكانيات صمود الاتفاق

اولاً:  مصالح الطرفين من الاتفاق

حيث ان كلا الجانبين قد اتجها لخيار التهدئة والسلام باعتباره حلا أنجع من استمرار الصراع،  لا سيما الرياض. فجماعة الحوثي التي تبحث عن نفسها في كل هذه الحرب، تعتبر حصولها على التمكين الشامل “سياسي، اقتصادي، عسكري..” من حيث الاعتراف بها كسلطة رسمية على مناطقها وتم دعمها اقتصاديا وما الى ذلك فإنها ستقدم الكثير، وبالمقابل الرياض التي تبحث عن أمنها اولا واخيرا فإنها مستعدة لتقديم كل شيء لضمان أمنها. وهذا ما تم الاتفاق عليه بالفعل بين الرياض وجماعة الحوثي، حيث ابرم اتفاق “الأمن مقابل التمكين”. اذا انه وبعد ثمان سنوات من الحرب الذي انهكت الطرفين فإن كلاهما يسعى لتحقيق أهداف حربهما بوضع حد للخسائر وبدون ضياع أكثر للوقت. اذ بدا للجانبين ان هذا الاتفاق يعد فرصة سانحة للخروج منتصراً من هذه الحرب! ولذلك فليس اي منهما مستعد لتفويت هذه الفرصة.

ثانياً: ضمانة بكين لاستدامة الاتفاق

حيث ان التنين الصيني قد قفز الى المنطقة ووضع له مكانا فيها، حيث تخطو بكين خطوة استراتيجية نحو الدخول في الشرق الأوسط من اوسع ابوابه وهي العلاقات السعودية الايرانية، الخصمين التقليديين الكبيرين في المنطقة، باعتبار الصين راعيا لتطبيع علاقتهما، وهي الضامن لهذا السلم بينهما. والذي يؤكد محللون سياسيون بأن تقارب الرياض وجماعة الحوثي الحليفة لإيران تعد أبرز محصلات تطبيع العلاقة بين الرياض وطهران الذي رعته بكين، ولذا فإن بكين لن تسمح بحدوث ما يهز توازنات وعوامل استمرار هذا الاتفاق، لما توليه من أهمية بالغة، باعتباره موطئ قدم متين لاستثمار الصين في المنطقة على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية والاستراتيجية.

ثالثاً: الموقف السعودي من واشنطن

لقد ازداد تصدع العلاقات بين الرياض وواشنطن بشكل كبير منذ العام2019   عندما ادارت واشنطن وجهها عن الرياض، عند تعرض المنشآت النفطية للملكة لهجمات عسكرية نفذتها جماعة الحوثي، ما عده السعوديون تنكر من واشنطن عن الوفاء بالتزاماتها الأمنية الاستراتيجية تجاه المملكة، وكانت واشنطن قد بدأت استراتيجية للانساحاب من المنطقة تدريجياً، اذ يرى الكثير من الخبراء والمحللين السياسيين ان هذه الخطوة قد دفعت الرياض لوقف حربها على الحوثي والبحث عن طريق للسلام معه، بأي ثمن.

حيث يرى الكثير ان هذا العامل وغيره من العوامل قد قادوا الرياض الى اتجاه الشرق “الصين الشعبية” العدو الاستراتيجي الأخطر للولايات المتحدة ووقعت معها عدة اتفاقيات استراتيجية عسكرية واقتصادية وتكنولوجية..الخ. مناوأةً للبيت الأبيض! وتشهد العلاقة السعودية الامريكية واحدة من اسوأ مراحلها فتوراً منذ عقود!

رابعاً: محدودية ما يستعد الطرفين تنفيذه من الاتفاقية

باعتبار ان “المرحلة الاولى من خارطة الطريق” (الملف الانساني) والذي يتضمن فتح الطرقات وتخفيف المعاناة الانسانية لليمنيين، كفتح الطرقات والمطارات والموانئ والافراج عن المعتقلين، ثم يأتي الملفين الاقتصادي والسياسي.

وهو ما يوافق عليه الطرفين، اذ يؤكد محمد عبدالسلام ناطق الجماعة في حواره مع صحيفة الشرق الاوسط، “ان هذا الاتفاق قد اخذ بمخاوف الجميع في اعتباره، ولن يتأثر بأحداث البحر الأحمر، وان خارطة الطريق المتفق عليها ستستمر خصوصا فيما يتعلق بالملف الانساني وكمرحلة اولى”.

وأخيراً فإن التزام الرياض بموقف “الحياد” 

تجاه أحداث البحر الاحمر، وما تبعه من تصعيد عسكري امريكي بريطاني ضد الجماعة،  يؤكد على صحة الطرح المتعلق بالتزام الطرفين بمضامين الاتفاق والهدنة بينهما، ورفض الطرفين العودة الى مستنقع الحرب بينهما ابدا، علاوة على عدم رغبة الرياض في خسران هذا الاتفاق.  وفي الحقيقة فإن الأمر يتعلق بالعقل السياسي في المنطقة، في وجود شكوك حول الأهداف الغربية من المواجهة بجنوب البحر الأحمر؛ فالقوة الغربية التي انسحبت من دورها التقليدي التاريخي في أمن الخليج، لا يمكن الاطمئنان بأنها ستقوم بمثل هذا الدور في البحر الأحمر، حسب محللون سياسيون.

رهانات الفشل وشروطه

يرى كثير من المراقبين ان التوتر الامني الذي تصعّده جماعة الحوثي في البحر الاحمر والمهدد لخط الملاحة الدولية سيكن له ارتدادات خطيرة على اليمن، وعلى مسار مفاوضات السلام التي كانت قد أحرزت تقدماً مؤخراً خصوصاً.

سيما مع تحرك واشنطن الذي بدا انه أكثر جدية في التعامل مع تصرفرت الجماعة -في سابقة امريكة- للتصدي لجماعة الحوثي والقيام بالتصعيد العسكري المضاد والمباشر ضد الجماعة الامر الذي يراه مراقبون انه قد يفضي الى عرقلة مسار السلام في اليمن.

خصوصا في حال قامت واشنطن بالضغط على الرياض،  لاتخاذ موقف مندد بهجمات الحوثي في البحر الاحمر او التعاون مع القوات الامريكية في مسعاها لايقاف تصعيد الجماعة في البحر الاحمر الذي سيقود الجماعة لاتخاذ موقف مضاد من الرياض الأمر الذي سيلقي بموسدة الاتفاقات بين الرياض وصنعاء الى سلة المهملات!!  حسب رأي مراقبون.

اعادة واشنطن تصنيف الحوثي كمنظمة ارهابية “من نوع خاص”

يرى كثير من المراقبون ان اعادة واشنطن جماعة الحوثي الى قائمة الارهاب يعد خطوة خطيرة على مسار السلام في اليمن، باعتباره سيؤدي الى ما يشبه العزل للجماعة التي يتطلب ان تتهيأ للحوار والاتفاق على خارطة الطريق للسلام التي برعاية الامم المتحد،  باعتبار الجماعة طرفاً فيه. بيد ان الخبراء يوكدون ان تصنيف واشنطن الجماعة كمنظمة ارهابية “من نوع خاص” يختلف عن التصنيف السابق الذي كانت ادارة ترمب قد اعتمدته، في 2021، باعتبار هذا التصنيف أقل خطورة على الوضع العام لليمن، سيما على الوضع الانساني للشعب اليمني، باعتبار تذا التصنيف يتضمن حضر الأموال النابعة للجماعة في البنوك الأمريكية، اضافة الى فرض حضر على التحويلان المالية الممولة للجماعة، فحسب، ولن يتضمن فرض حضر على دخول السلع والمساعدات الى مناطق الجماعة. اذ يرى السيد “هورويتز” وهو خبير امريكي يتركز مهتم بدراسات الشرق الاوسط، “أن إعادة تصنيف الحوثيين على اللائحة الأمريكية في هذه المرحلة “يعد إشارة للحوثيين وتحرك سياسي، أكثر من أي شيء آخر”. مضيفا: “لا ترغب الولايات المتحدة في تنفيذ العقوبات بطريقة تزيد من صعوبة الوضع الصعب بالفعل في اليمن، الأمر الذي يخفف أيضًا من تأثير العقوبات ككل.

شروط الفشل:

أ) سيناريو المبحاثات المكثفة بين الرياض وواشنطن والتي ستتمكن فيه واشنطن بإقناع الرياض بالانضمام الى صف واشنطن بإيقاف تهديدات الحوثي في البحر، والتخلي عن اتفاق السلام المتبادل الذي ابرمته مع الحوثي،  الأمر الذي وبالضرورة سيستلزم على واشنطن قبول شروط الرياض التي باتت معلنة،  وهي عقد اتفاق أمني بين كلا من الرياض وواشنطن، اتفاق يشبه اتفاق الناتو، حسب خبراء، يتضمن التزام واشنطن الأكيد بالدفاع عن المملكة ضد أي تهديدات أمنية على المملكة،  سواء من جماعة الحوثي او من ايران وحلفاؤها او من غيرهم. ولكن السؤال الذي يثار هنا هو  ما مدى استعداد البيت الابيض لعقد مثل هذا الاتفاق في الوقت الراهب “في ظل ادارة بايدن” الديمقراطية؟ وبالمقابل ما مدى ثقة بن سلمان بجدية ادارة بايدن للعدول عن سياستها الجديدة في الشرق الاوسط، واستعدادها للوفاء بالتزاماتها الأمنية تجاه المملكة؟!

وما يزيد من ضعف هذا الاحتمال هو  استبعاد ان تسمح “بكين”  بحدوث مثل هذا الاتفاق بين الرياض وواشنطن، لتخرج خالية الوفاض من المنطقة، دون اعتبار من الرياض لاستراتيجياتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية المشتركة مع الصين سيما الموقعه مؤخراً.

ب) سيناريو تصعيد الجانب الغربي “الامريكي” تجاه الحوثي عسكريا وسياسياً دون الاكتراث لمحددات الرياض في ذلك. لاسيما سيناريو دعم واستمالة الحكومة اليمنية المعترف بها الى صف واشنطن وتعزيز الخيار العسكري لديها واشراكها بالمواجهة العسكرية التي تقودها واشنطن ضد الحوثي، لإبطال أجندات السلام التي توافقت عليه الرياض وصنعاء، اي في حال سعت واشنطن بجد نحو عرقلة مسار السلام والتوافق في اليمن.

ويبدو ان هذا الهاجس يسكن اذهان الحكومة اليمنية المعترف بها، اذ يرى المستشار في الرئاسة اليمنية احمد الصالح، ان الضربات الجوية على الحوثي ستظل بلا فاعلية مالم تتبعها خطوات عملية،  هو ما تأمله الحكومة.”

مشيراً الى “رغبة الحكومة اليمنية بعمل غرفة عمليات مشتركة لتحالف حماية الازدهار والقوات الحكومة اليمنية لردع الحوثي واحداث الاثر القوي، مضيفاً ان خيار دعم القوات اليمنية لتحرير الحديدة سيقصم ظهر الجماعة وسيكون اثر جدوى في ايقاف هجماتها على الملاحة الدولية”.

ان معظم التقديرات تشير وتؤكد على استمرار مباحثات خارطة الطريق بين الرياض وصنعاء رغم التوترات بالبحر الأحمر، لثبات الأسس التي انبنت عليها هذه الاتفاقات، ابرزها حاجة الطرفين لمقتضايته باعتباره نصراً لحربهم الدامية، كما ولارتباطها باستراتيجات دولية كبرى كاستراتيجية الصين في الشرق الأوسط، المتكأة على الهدنة والسلام بين ايران والسعودي.

3.3/5 - (3 أصوات)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى