الشرق الأوسطعاجل
التحالف الوطني العراقي يحذر :الخلافات العميقة باتت تعصف بالبيت الشيعي وتهدد حكمهم
قال ممثل المرجع الديني السيد علي السيستاني، والذي يلقي الخطب نيابة عنه، إن المرجع الديني لن يتطرق إلى أمور السياسة بعد اليوم.
ويعَدُّ هذا الإعلان غير المسبوق، الأول من نوعه، منذ أن كشف في الخامس من يناير/كانون الثاني 2004 عن رؤيته السياسية بشأن إجراء أول انتخابات لتشكيل أول مجلس وطني عراقي، والذي انبثقت منه أول حكومة عراقية.
والسؤال هنا:
– هل سحب السيستاني يده بشكل كامل من العملية السياسية، التي رعاها بفتاواه منذ 12 سنة؟
– هل يعد توقفه عن الخوض في شؤون السياسة، توقفا عن رعاية التحالف الوطني؟
علماً أن ذلك سيكون ذا تأثير كبير، باعتبار أن السيستاني شخصية دينية لها وزنها في العراق؛ إذ يتمتع بنفوذ شعبي واسع، لا يملكه أحد من السياسيين، أو رجال الدين في البلاد.
وكان لتداعيات سحب السيستاني يده أن دعا رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى تغيير جوهري في العملية السياسية، يتمثل باختيار وزراء تكنوقراط من خارج التشكيلة الحزبية لأطراف العملية السياسية الحالية. وقد لاقت دعوة العبادي تأييداً كبيراً من زعيم “التيار الصدري” السيد مقتدى الصدر، لكنها ووجهت بتردد من قبل بقية المكونات العراقية.
وقد حذر قادة في التحالف الوطني العراقي الحاكم من أن الخلافات العميقة التي باتت تعصف بالبيت الشيعي تهدد حكمهم للبلاد، في حين كشف مصدر مطلع داخل التحالف (الذي يضم غالبية الكتل الشيعية) أن رفض حزب الدعوة تجميد عضوية رئيس الوزراء حيدر العبادي كان السبب وراء فشل اجتماعكربلاء يوم الأحد الماضي.
وأعلن التحالف في البيان الختامي للاجتماع الذي ضم أبرز قادة التحالف وغاب عنه رئيس الوزراء السابقنوري المالكي، رفضه تفرد أي فصيل بالقرار السياسي، وحمل السلاح في العاصمة بغداد وباقي المحافظات.
ودعا البيان إلى سلمية المظاهرات والالتزام بالقانون فيما يخص الأماكن المحددة لحمايتها، وعبر المجتمعون عن دعمهم للإصلاحات والتغيير الوزاري الذي دعا إليه العبادي.
غير أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر انتقد ما جاء في بيان الاجتماع ببيان آخر شديد اللهجة أصدره أمس الاثنين معلنا أن بيان اجتماع كربلاء لا يمثله، وأنه لم يخرج بأي نتائج تذكر، رافضا رغبة المجتمعين في تشكيل حكومة حزبية.
وقال مصدر طلب عدم كشف هويته إن التفاهمات الثلاثية (بين الصدر وزعيم المجلس الأعلى الإسلاميعمار الحكيم والعبادي) مهدت لعقد الاجتماع الذي حضره الصدر، لافتا إلى أن موافقة الصدر على حضور الاجتماع جاءت بعد تطمينات بموافقة العبادي على مبادرة التيار والمجلس الأعلى الإسلامي.
ويشترط التيار الصدري والمجلس الأعلى مشاركة الجميع في تنفيذ مشروع الإصلاح الحكومي، وأن يتم الأمر عبر لجنة موثوقة بعيدة عن التحزب والشخصنة.
واعترف المصدر نفسه بأن جميع الأطراف قدمت تنازلات من أجل حسم ملف الإصلاحات والتغييرات التي يطالب بها العبادي، مشيرا إلى أن طلب تجميد عضوية رئيس الحكومة في حزب الدعوة كشرط للإبقاء عليه على رأس الحكومة والمضي بالتغييرات، لم يرض كلا من رئيس التحالف إبراهيم الجعفري والقيادي في حزب الدعوة علي العلاق.
كما اعترف المصدر بأن موقف قادة حزب الدعوة أربك الاجتماع، ما حدا بالصدر إلى أن يطلب من الحكيم فض الاجتماع دون التوصل إلى اتفاق يذكر. وسبق للجعفري أن نفى انسحاب الصدر من اجتماع كربلاء، مشددا على أن الاجتماع قرب وجهات النظر إلى حد كبير.
ويبدو أن المخاوف من عودة نهج حزب الدعوة في الاستيلاء على السلطة بات أمرا واقعا وفقا لرأي الكاتب والمحلل السياسي سرمد الطائي، إذ يقول إن التحالف الوطني أمام مشكلة كبيرة تتمثل في رغبة حزب الدعوة السيطرة على السلطة، وإلغاء التوافقات التي باتت تقلق الجناح الشيعي المعتدل الذي يؤمن بالحوار السياسي.
وعن تداعيات التصعيد الأخير، اعتبر الطائي أن الأمور وصلت إلى مرحلة كسر العظم، وهو أمر لا يمكن معالجته إلا بتدخل المرجعية الدينية، مضيفا أنه في الحالة المعاكسة فإن الصراع داخل المكونات الشيعية سيتطور بشكل متسارع، وسيكون المستفيد منها الجناح المقرب من إيران.
وتعليقا على سؤال عما إذا كان الشيعة سينجحون في احتواء الأزمة، قال القيادي الصدري أمير الكناني إنه لا يمكن التكهن بهذا الأمر، خاصة في ظل حجم التحديات التي تواجه التحالف الذي بات لا دور له كمؤسسة إلا عند تشكيل الحكومة.
استمرار الخلافات
وحذر الكناني من أن استمرار الخلافات ستهدد وجود الشيعة على رأس السلطة في العراق، معللا ذلك بعوامل خارجية وداخلية مؤثرة ستضعف موقفهم، وشدد على أنه “يمكن إقصاء الشيعة بكل سهولة إذا ما اتفق السنة والأكراد والجناح المدني ممثلا بزعيم القائمة الوطنية إياد علاوي على تشكيل أغلبية سياسية في البلاد”.
ويتفق الناطق باسم المجلس الأعلى الإسلامي حميد المعلة مع الكناني بشأن التحديات الخطيرة التي يمر بها التحالف الشيعي، ووصف ما يمر به الأخير بأنه “صراع المخاض”، ويعترف بأنه صراع “مؤلم ولكنه سيؤدي إلى ولادة قادمة باتجاه عراق آمن ومستقر”.
واستبعد المعلة أن يؤدي الصراع الحالي إلى انفراط عقد التحالف الشيعي، إذ إن اختلاف وجهات النظر عادة ما يفضي إلى إبرام اتفاق يحل المشاكل.
والجدير بالذكر أن مظاهر مسلحة ظهرت مع مظاهرة الجمعة الماضية وقبلها، عندما نزلت “سرايا السلام” التابعة للصدر إلى الشارع بدعوى تعرّض السيد مقتدى الصدر لمحاولة اغتيال سابقاً.
ولعله لن يكون بمقدور أحد إيقاف أي تطور سلبي بهذا الاتجاه، إلا عبر تدخل السيستاني ببيان جديد، يدعو إلى حل “التحالف الوطني”، ويطالب العبادي بحل البرلمان ويدعو الأمم المتحدة إلى إجراء انتخابات تحت رعايتها.
العملية السياسية وصلت إلى طريق مسدود في ظل خواء الميزانية، التي كانت تستر عوار العملية السياسية. فلما خوت الميزانية، وهبطت أسعار النفط، “ذاب الثلج وبان المرج”، ويئس الجميع من إصلاحها، وأصبحت العملية السياسة مشكلة بحد ذاتها، وليس لها من حل إلا بالخروج من عباءة المحاصصة الحزبية والطائفية ومن عباءة المليشيات.
وبانتظار السابع والعشرين من مارس/ آذار الجاري – تاريخ نهاية مهلة الصدر للعبادي، يبدو أنه لا بد من تصفير عدّاد العملية السياسية في العراق بتسوية سياسية، وتنازل يقابله تنازل؛ إذ إن هذا الحل هو الوحيد، الذي يمكن أن يجمع قوى الاعتدال من كل المكونات ضد قوى التطرف والخروج على القانون.