هل يستطيع رئيس وزراء تونس الجديد كسر لعنة الإصلاحات الاقتصادية المتعطلة ؟
-المركز الديمقراطي العربي
تراجع الاقتصاد التونسي خلال السنوات الأخيرة، ولم تتجاوز نسبة النمو 1٪ خلال الربع الأول من العام الجاري، فيما توقع البنك المركزي التونسي، قبل أيام، أن تبلغ نسبة النمو الاقتصادي في البلاد للعام الجاري، حدود 1.3٪، مقارنة مع نمو فعلي نسبته 0.8٪ للعام الماضي 2015.
كما تراجعت قيمة الدينار التونسي مقابل الدولار (1 دينار = 0.45 دولار)، وارتفعت معدلات البطالة التي بلغت في الربع الأول من السنة 15.4%.
وتوقع تقرير المركزي التونسي أيضًا، أن تواصل نسبة التضخم ارتفاعها إلى 4.3٪ خلال الربع الثالث من العام الحالي، مقارنة مع 3.9٪ للربع الثاني من نفس العام.
في الأعوام الخمسة التي تلت انتفاضة تونس عام 2011 تولت خمس شخصيات منصب رئيس الوزراء بدءا من سجين سياسي سابق وصولا إلى تكنوقراطي مستقل ولعب كل منهم دورا في الانتقال الديمقراطي الذي نال ثناء واسعا من قادة العالم.
وعلى الرغم من التقدم على هذا الصعيد الديمقراطي لم يتحقق شيء على الضفة الاقتصادية.. فلا فرص عمل للشبان العاطلين ولا نمو يلبي مطالب اليائسين ولا إصلاحات هيكيلة لسد العجز المتواصل في ميزانية البلاد.
وحتى قبل أن يشكل حكومته قدم يوسف الشاهد سادس رئيس وزراء بعد الانتفاضة وعودا جريئة أيضا ولكن خدمات الدين الكبيرة التي يتعين على تونس تسديدها العام المقبل وضعف إيرادات الدولة بشكل غير مسبوق وعدم الاستقرار السياسي داخل الأحزاب الكبرى قد تجعل مصير رئيس الوزراء الشاب مشابها لمصير سابقيه.
ومنذ انتفاضة 2011 التي أطاحت بزين العابدين بن علي حظيت تونس بالإشادة باعتبارها نموذجا يحتذى للديمقراطية بالمنطقة بعد دستور حداثي وانتخابات حرة في 2014 وروح من التوافق بين الخصوم السياسيين. لكن هجمات المتشددين أضرت بالحكومة كما أدى التناحر السياسي الداخلي إلى إبطاء التقدم الاقتصادي.
وتعطلت أيضا إصلاحات اقتصادية رئيسية تخص خفض الإنفاق والتقاعد والقطاع البنكي والجبائي بسبب احتجاجات على التقشف وضغط النقابات وتصدي السياسيين لها.
ويقول المحلل السياسي التونسي الجمعي القاسمي“السياسة هي عملية اقتصادية مكثفة ودون رؤية اقتصادية واضحة لا يمكن أن يتم تحقيق نجاح، وبالتالي يبقى الملف الاقتصادي من أبرز الملفات الحارقة التي تواجه تونس، ولكن الإشكال يكمن في البرامج الاقتصادية والتنموية المتبعة منذ 2011″، وفق القاسمي.
وشدّد المحلل السياسي التونس على ضرورة تغيير برامج التنمية وتحقيق الأمن والاستقرار القادر على تحريك القطاعات الأخرى كالفوسفات والطاقة وصولًا إلى تنشيط وتفعيل قطاع السياحة حتى تعود عجلة النمو إلى طريقها السليم.
وقام الرئيس الباجي قائد السبسي بتكليف الشاهد بتشكيل حكومة وحدة وطنية تكون لديها الجرأة الكافية لتطبيق دولة القانون في مواجهة موجة الاعتصامات والإضرابات وتنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها المقرضون الدوليون مثل صندوق النقد والبنك الدوليين.
وقال الشاهد -وهو قيادي بحزب نداء تونس العلماني- للصحفيين عقب تكليفه الأسبوع الماضي “نحن في مرحلة دقيقة. نحتاج قرارات استثنائية وتضحيات” مضيفا أن أولويته ستكون مكافحة الفساد وكسب الحرب على الإرهاب ودفع النمو وإيجاد توازانات مالية. وقال إنه سيكشف بصراحة للتونسيين حقيقة الوضع المالي والاقتصادي للبلاد.
ويتساءل كثير من التونسيين كيف يمكن للشاهد -وهو كفاءة محترمة حاصل على تعليم فرنسي تونسي في المجال الزراعي ومقرب من السبسي- أن يحشد الدعم السياسي لحكومته للمضي قدما في التغييرات التي فشلت الحكومات السابقة في تحقيقها.
والشاهد (41 عاما) واجه بالفعل انتقادات واسعة من المعارضة بأنه أداة طيعة في يد السبسي وأنه اختير لعلاقته القريبة بالرئيس وليس لكفاءته. ويواصل الشاهد مشاوراته لتشكيل حكومته قبل عرضها على البرلمان للحصول على الثقة.
وقال الصحفي جمال العرفاوي “الشاهد تلقى هدية ملغومة والوضع المالي شبه كارثي. سيجد خزينة الدولة فارغة وسيواجه كثير من المطالب والاحتجاجات في نفس الوقت الذي يتعين عليه تنفيذ الإصلاحات”.
ويأتي تغيير رأس الحكومة في وقت اقتصادي صعب وحرج لتونس. وأدت ثلاث هجمات شنها متشددون إسلاميون العام الماضي منها هجومان بالأسلحة النارية على سائحين أجانب -أحدهما في متحف باردو بالعاصمة والآخر في منتجع سوسة الساحلي- إلى إلحاق ضرر بالغ بصناعة السياحة التي تمثل نحو ثمانية في المئة من الاقتصاد وأحد المصادر الرئيسية لفرص العمل.
وتسببت أشهر من الاعتصامات قام بها عاطلون عن العمل في تعثر إنتاج الفوسفات وهو مصدر هام لجلب العملة الأجنبية. وقال السبسي إن تونس خسرت حوالي ملياري دولار في السنوات الخمس الأخيرة بسبب تراجع صادرات الفوسفات بشكل حاد.
وحذر مسؤولون من أن تونس ستواجه أوقاتا صعبة في 2017 مع تسديد ديون تصل إلى ثلاثة مليارات دولار العام المقبل. وقال محافظ البنك المركزي الشاذلي العياري الأسبوع الماضي إن موارد الدخل لن تكفي لتسديد رواتب موظفي القطاع العام.
وتمثل كتلة الأجور في تونس حوالي 13.5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وهي من أعلى المعدلات في العالم حسب ما ذكرته كريستين لاجارد مديرة صندوق النقد الدولي.
وقال العياري “عائدات الجباية في 2017 لن تكون كافية لتغطية رواتب حوالي 700 ألف موظف في القطاع العام والبالغة حوالي مليار دينار شهريا. نحتاج لتمويلات خارجية أكبر في ظل الوضع الاقتصادي مع تراجع عائدات قطاعي السياحة والفوسفات”.
لن يجد الشاهد صعوبة على الأرجح في الحصول على ثقة البرلمان الذي يسيطر عليه حزب نداء تونس وحزب النهضة الإسلامي المتوافقان حول دعم حكومته.
لكن خارج أسوار البرلمان سيتعين عليه قيادة السفينة بتأن في مواجهة موجة صد نقابية واحتجاجات اجتماعية أسقطت محاولات الحكومات السابقة لتمرير مثل هذه “التضحيات المؤلمة”.
ومنذ 2011 تواجه تونس ضغوطا من المقرضين الدوليين لدفع الإصلاحات الاقتصادية وخفض العجز في الميزانية وتحسين مناخ الاستثمار والقطاع البنكي. ولكن بعض إجراءات التقشف واجهت اعتراضا قويا في قطاعات عديدة.
ويرفض المحامون والأطباء الانصياع لقانون جبائي جديد يجبرهم على إظهار قدر أكبر من الشفافية في دخولهم. ويرفض اتحاد الشغل ذو التأثير القوي مشروع قانون للرفع الإجباري لسن التقاعد. ويرقد قانون جديد للاستثمار في رفوف البرلمان منذ فترة طويلة.
وفي العام الماضي أمضى اتحاد الشغل والحكومة اتفاقا لرفع أجور العاملين بالقطاع العام مما يزيد الضغوط على الميزانية.
وسرعان ما تحول الضغط الاجتماعي المتعلق بالوظائف إلى احتجاجات عنيفة مطلع العام الحالي في مناطق داخلية مهمشة في أحداث كانت الأعنف منذ انتفاضة 2011 التي ألهمت انتفاضات أخرى في الشرق الاوسط.
وقال حمة الهمامي زعيم الجبهة الشعبية المعارضة “حكومة الشاهد تتجه لفرض الإصلاحات المؤلمة عبر ضرب الحريات. ستفشل هذه الحكومة لأنها لا تقدم شيئا جديدا. لن تختلف في خياراتها مع حكومة الصيد” مشيرا إلى الحبيب الصيد الذي تولى رئاسة الوزراء من يناير كانون الثاني 2015 حتى تكليف الشاهد الأسبوع الماضي.
تعهد الشاهد بشن حرب بلا هوادة على الفساد الذي استشرى في البلاد وكان ذلك ضمن أولوياته التي عرضها في خطاب ألقاه عقب تكليفه الأسبوع الماضي.
وتشير تقارير محلية ودولية إلى أن ظاهرة الفساد استشرت بشكل غير مسبوق وشملت كل القطاعات بما فيها القطاع الخاص وقطاع الخدمات والصحة والأمن والقضاء والجمارك.
ولا تبدو وعود الشاهد بخصوص مكافحة الفساد تسير في طريق سالكة ولا تبدو سهلة المنال والتطبيق.
وفي نهاية الشهر الماضي قال الصيد أمام البرلمان “الحرب على الإرهاب أسهل من الحرب على الفساد” في إشارة إلى تغلغل هذه الآفة في العديد من القطاعات مما يهدد الاقتصاد بفقد نقاط مئوية في النمو الاقتصادي.
وضمن مشاوراته لتشكيل حكومة التقى الشاهد برئيس هيئة مكافحة الفساد شوقي الطبيب الذي قال إنه يريد أن يرى فعلا حقيقيا في مكافحة الفساد مضيفا “أخيرا نرى أن حكومة تضع مكافحة الفساد ضمن أولوياتها”.
وكان الطبيب قد حذر الشهر الماضي من أن تونس على وشك أن تتحول إلى “دولة مافيوزية” بسبب استشراء الفساد في كل القطاعات خصوصا الفساد داخل أجهزة الدولة. وتلقت الهيئة أكثر من تسعة آلاف ملف يتعلق بشبهات فساد حتى الآن.
ولكن لا يخفي البعض شكه في قدرة الشاهد على مواجهة اخطبوط الفساد الذي استفحل بسبب استشراء الفساد والمحسوبية وتفشي الفقر والبطالة.
وقال محسن مرزوق مؤسس حركة مشروع تونس إن على رئيس الحكومة أن يثبت جديته في التصدي لآفة الفساد مضيفا “ننتظر حربا على الفساد وعلى الرؤوس الكبيرة للفساد التي يعرفها الجميع وليس فقط على التجار الصغار للسلع المهربة”.
من جهته يتوقع الصحفي جمال العرفاوي ألا يجد رئيس الوزراء المكلف طريقا سالكة في هذا الاتجاه وأن يواجه مقاومة وصدا من بعض ذوي النفوذ حتى داخل حزبه نداء تونس.
جدير بالذّكر أنّ تونس عرفت بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، 7 حكومات وهي حكومة محمد الغنوشي الأولى، والثانية، وحكومة الباجي قائد السبسي (2011)، وحكومة حمادي الجبالي، وعلي العريض (في ظل حكم الترويكا بين عامي 2011 و2013 والمكونة من حركة النهضة وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات)، وحكومة المهدي جمعة (حكومة تكنوقراط في 2014 ) وحكومة الحبيب الصّيد (2015 -2016).المصدر:وكالات