المجلس الأعلى للشباب بالجزائر: تجربة ثانية يهددها صراع الانتماءات والمصالح
بقلم: د/ عبد المجيد رمضان (أستاذ باحث في العلوم السياسية – الجزائر)
- المركز الديمقراطي العربي
يعود المجلس الأعلى للشباب إلى واجهة الأحداث السياسية في الجزائر، بعد حله وتوقيفه عن النشاط منذ 17 سنة، بسبب الصراعات المحتدمة بين كبرى الأحزاب السياسية على الاستيلاء على مقاعده آنذاك، وضعف إنجازاته وحياده عن الأهداف المسندة إليه.
وقد ارتأت قيادة البلاد تجديد هياكل هذه الهيئة، في إطار الإصلاحات السياسية والدستورية التي باشرتها في أعقاب أحداث “الربيع العربي”، بينما يظل التخوف من عدم نجاح التجربة الثانية لهذا المجلس قائما، بالنظر إلى التسابق المحموم
من أجل الاستحواذ على مقاعده والاستئثار بالمزايا، على حساب أمر الانشغال بحلحلة مشكلات الشباب.
وينص الدستور الجزائري الجديد أن المجلس الأعلى للشباب هيئة استشارية تتبع لمصالح رئاسة الجمهورية، وتضم ممثلين عن الشباب والحكومة والمنظمات العمومية المكلفة بشؤون الشباب.
ويقدم هذا المجلس آراء وتوصيات حول المسائل المتعلقة بحاجات الشباب وازدهاره في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والرياضية، ويساهم في ترقية القيم الوطنية والضمير الوطني والحس المدني والتضامن الاجتماعي في أوساط الشباب.
ورفع المرسوم الرئاسي، الذي صدر مؤخرا، اللثام عن تركيبة هذا المجلس وتنظيمه وسيره، إذ سيضم 172 عضوا يشترط فيهم بلوغ سن 18 إلى 35 سنة، وإثبات مستوى تعليمي لم يتم ضبطه بالتحديد، والتمتع بالحقوق المدنية، وأن لا يمارس المترشح عهدة انتخابية وطنية أو محلية.
يكون في تعداده (96) عضوا بعنوان الشباب: اثنان بالتساوي بين الذكر والأنثى عن كل ولاية، و(24) عضوا من ممثلي جمعيات ومنظمات الشباب ذات الطابع الوطني ثلاثون بالمائة منهم إناث، و(16) عضوا من ممثلي شباب الجالية الوطنية المقيمة بالخارج ثلاثون بالمائة منهم أيضا إناث. كما يتكون من (10) أعضاء يعينهم رئيس الجمهورية، و(21) عضوا بعنوان الحكومة، و(5) أعضاء بعنوان المؤسسات المكلفة بشؤون الشباب.
يمارس أعضاء المجلس عهدة مدتها أربع سنوات قابلة للتجديد، ويُعيَّن رئيس المجلس بموجب مرسوم رئاسي، وتنهى مهامه حسب الأشكال نفسها.
وقد أثار الدستور، بعد إقرار استحداث هذه الهيئة، صراعا بين فعاليات شبانية في كواليس أحزابها وعبر شبكات التواصل الاجتماعي، حول من يمسك بزمام المجلس ويستحوذ على مقاعده، بحثا عن المزايا والمنافع.
وأبدى بعض المتتبعين تخوفهم من أن تحتكر الأطراف النافذة المحسوبة على كبار الشخصيات السياسية والعسكرية والاقتصادية والمالية مقاعد هذا المجلس، فتسيّر دواليبه وفق مصالحها وأهوائها.
وحذرت من سوء اختيار تشكيلة هذا المجلس وتمييعه بالصراعات الحزبية والمصلحية، ودعت إلى عدم فتح عضويتها إلا للشباب القادر على إحداث ثورة في الذهنيات، وعلى إقامة تغيير صائب في الرؤى.
وأعادت هذه الصراعات إلى الأذهان، إرهاصات تشكيل وفشل المجلس الأعلى للشباب في تجربته الأولىفي النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، بسبب إدماج السياسيين وكثرة الصراعات بين ممثلي أحزاب الموالاة وهي جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وحركة مجتمع السلم، بغرض التموقع والهيمنة عليه، فضلا عن تركيز أعضائه على البحث عن الامتيازات والمهمات إلى الخارج، اقتداء بمؤسسة البرلمان.
وقد تم حل هذا المجلس بناء على تقارير تفيد بتسجيل أعباء مالية كبيرة نجمت عن نفقات غير مؤسسة، إلى جانب محدودية تأثير تلك الهيئة، واقتصار نشاطها على إعداد تقارير سنوية رتيبة لم تكن ترقى لمستوى تطلعات وطموحات الشباب الجزائري في التخفيف من معاناته.
ويتوقف نجاح المجلس الأعلى للشباب في الجزائر مستقبلا على اختيار الإطارات الشابة المقتدرة على أساس الكفاءة بعيدا عن معيار الولاءات والانتماءات، والتي تتحسس وتعايش مشكلات الشباب، وتمتلك مؤهلات لتفعيل دور الشباب في التنمية، وإشراكه في صنع القرارات وتبوء المناصب القيادية العليا في أجهزة الدولة، وتوفير سبل التكفل بمشكلاتهوقضاياه لمحاصرة بؤر الانحراف الاجتماعي بجميع أشكاله، مع تدعيم القيم الخلقية وتعزيز روح الانتماء إلى الوطن.
ويشكل الشباب الجزائري نحو 60 بالمائة من مجموع السكان، ويعانينحو 10 بالمائة منه من البطالة، وفق التقديرات الرسمية، أغلبهم من حاملي الشهادات الجامعية. وارتفعت في وسط الشباب بالجزائر ظاهرة العزوف عن الزواج لما يتطلبه من مصاريف باهظة لا يتحملها أغلبهم، فضلا عن صعوبة الحصول على مسكن لبناء أسرة.
ما أدى إلى انتشار جملة من المشكلات الاجتماعية الأخرى على غرار الانحلال الخلقي، وانتشار العنف والجريمة والانتحار، وتعاطي المسكرات والمخدرات، والإقدام على الهجرة السرية عبر قوارب الموت إلى بلدان الضفة الشمالية من البحر الأبيض المتوسط أملا في مستقبل أفضل.
وتعيش فئة من الشباب الجزائري ضياعا لغويا وعقائديا وتيهانا في الهوية واستهتارا بالقيم الوطنية، ويعرف اغترابا وقطيعة مع السياسة وشؤونها، ويعزف بشكل واسع عن المشاركة السياسية، إذ يرى أن الأمر لا يعنيه بما أنه حرم من حقوقه الاجتماعية الأساسية، في ظل نقص المراكز العلمية والترفيهية والمرافق الرياضية، وانعدام قنوات الحوار والتعبير التي تسمح له أن يوصل رأيه وانشغاله إلى السلطات بحرية دون تضييق ومتابعة.
ولم تجد شريحة عريضة من هؤلاء الشباب بدا من اقتحام العالم الافتراضي للتعبير عن مكبوتاتهم الاجتماعية المترسبة ونشر أفكارهم بأساليب تتباين بين الجد والسخرية، وأصبح بعضهم قادرا على المنافسة والتفوق على الإعلام الحكومي وشبه الحكومي، بل على صناعة الرأي العام والتأثير عليه.