الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

المرأة السعودية فى أزهى عصورها … لازالت تعيش فى العصور المظلمة

اعداد الباحثة : ياسمين يحيى رياض محمد  – كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة

  • المركز الديمقراطي العربي

 

مقدمة:

قامت السعودية فى السنوات الأخيرة بجهود عديدة فيما يتعلق بتمكين المرأة ومساعدتها فى التغلب على العادات والأعراف التى تقيد حقوق المرأة وخروجها للحياه بصفة عامة وليس فقط الحياه السياسية, ولكن هل تضمنت هذه الجهود إصلاحات حقيقية أم أنها كانت مجرد تغييرات شكلية ؟

على الرغم من أن المملكة العربية السعودية صدقت على اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في عام 2000 وتعهدت بكفالة المساواة بين الجنسين بما يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية, إلا أنه وفقا لدراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي حول كيفية مشاركة المرأة في المشاركة الاقتصادية والسياسية والصحة والتعليم تم تصنيف المملكة العربية السعودية كواحدة من أكثر دول العالم التي تعاني من التمييز بين الجنسين، فقد جاءت فى المرتبة 138 من بين 144 دولة في الفجوة العالمية بين الجنسين لعام 2017.

ومن التغييرات التى قامت بها السعودية فى السعى نحو تمكين المرأة هى السماح للنساء بقيادة السيارات, بجانب السماح لهن بخوض الانتخابات البلدية كمرشحات وناخبات, وهذا إلى جانب رؤية 2030 والتى تسعى لتمكين المرأة – كما هو مزعوم- على نطاقات واسعة, والأمر لا يقتصر على هذا الحد وإنما أيضا أصبح من الممكن للمرأة الذهاب للمدرجات, والمشاركة فى سباقات للدراجات النارية, وأيضا تم إدخال تعديلات على نظام الوصاية بما يسمح للمرأة بمساحة من الحرية فى وسط هذا النظام السلطوى الأبوى.

وسيتناول هذا المقال ثلاثا من هذه التغييرات والتعديلات التى قامت بها المملكة العربية السعودية, لمعرفة ما إن كانت هذه الإصلاحات المزعومة هى إصلاحات حقيقية تؤثر فعلا على وضع الرأة السعودية وتعزز تمكينها أم أنها مجرد إصلاحات شكلية؟؟!!!!!

أولا: نظام الوصاية:

يعد نظام الوصاية من أكبر العقبات التى تواجه المرأة السعودية, ولشدة تأصله فى المجتمع قد يُخيل إلى البعض أنه قديم قدم الدولة, ولكن فى حقيقة الأمر قبل عام 1979 كانت هناك وصاية اجتماعية، ولكن لم تكن هناك وصاية قانونية بالشكل الحالى الموجود فى السعودية.

وقد أصدرت  Human Rights Watchتقريراً يعيب نظام الوصاية الذى يفرض على النساء من جميع الأعمار – حتى البالغات- الحصول على إذن من ولي الأمر الذكر سواء للقيام بأكثر الأمور تعقيدا أو أبسطها كالسفر إلى الخارج أوالزواج أوإطلاق سراحهن من السجن (وهو ما يعنى تعرضها للبقاء في السجن لمدة اطول في حال قرر ولي امرها عدم الحضور لإستلامها فى ميعاد الإفراج عنها)، بل وقد يُطلب منهن تقديم موافقة ولي الأمر على العمل أو حتى الحصول على رعاية صحية, وتخضع المرأة السعودية لنظام الوصاية طوال حياتها, وهو ما جعل البعض يقول أن”النساء في نظر الدولة السعودية قاصرات قانونيون دائمون”, وقد جعل نظام الوصاية المرأة السعودية تعانى كثيرا, ليس فقط من حاجتها لإذن ولى الأمر فى أبسط الأمور بل لأنها أحيانا كانت تتعرض للابتزاز من ولى الأمر نفسه.

وقد دفع هذا الوضع الملك “سلمان بن عبدالعزيز” لإصدار قرار أمر فيه بعدم مطالبة المرأة بالحصول على موافقة ولي أمرها, وقد جاء فى نص القرار: “حال تقديم الخدمات لها ما لم يكن هناك سند نظامي لهذا الطلب وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية”, و قد أمر الملك بتعميم القرار على جميع الجهات الحكومية المعنية.

ولكن هل كان تدخل الملك سلمان ناتج عن شعوره بأهمية دور المرأة وتمكينها وممارستها لهذه الحقوق والحريات الأساسية؟؟ فى الحقيقة لا, لقد تم إصدار هذه القرار تحت ضغط ففي سبتمبر 2016  تم تقديم طلب يحتوي على 14000 توقيع إلى الديوان الملكي، بعد أن أثار هاشتغ “المرأة السعودية تريد إلغاء نظام الوصاية” على موقع Twitter ضجة كبيرة, وقد وصف المفتي الأكبر “عبدالعزيز آل الشيخ” هذا الطلب المقدم بأنه “جريمة ضد دين الإسلام وتهديد وجودي للمجتمع السعودي”، لكن بعد خمسة أشهر أصدر الملك سلمان مرسومًا يسمح للمرأة بالوصول إلى الخدمات الحكومية دون الحاجة إلى الحصول على موافقة ولي الأمر.

قد يبدو هذا القرار فى ظاهره انتصار نسبى للمرأة السعودية على نظام الوصاية, ولكن فى الواقع قد تم إصدار هذا القرار تحت ضغط مما يعنى أن الإرادة السياسية الحاكمة ليس لديها أى اهتمام أو توجه فعلى وحقيقى نحو تمكين المرأة, فعلى سبيل المثال, على الرغم من ان الحكومة لم تعد تطلب موافقة الرجل لتوظيف المرأة، الا ان منظمةHuman Rights Watch  أكدت في تقرير ان العديد من الدوائر الحكومية لاتزال تشترط هذه الموافقة لتوظيف النساء, مما يعنى أن هذا التعديل البسيط لم يتضمن تغيير فعلى لموقف المرأة السعودية فى ظل هذا النظام المتأصل والضارب بجذوره فى المجتمع السعودى.

ثانيا: حق الانتخاب والترشح فى المجالس البلدية:

قد يعتقد القارىء أن من أعطى المرأة السعودية حق الانتخاب والترشح فى المجالس البلدية لأول مرة هو الملك سلمان نظرا لأن المرأة شاركت لأول مرة بالفعل فى عهده, ولكن ذلك كان بناءا على قرار أصدره الملك السابق”عبدالله بن عبدالعزيز” فى 2011 سمح بموجبه للمرأة بالاقتراع والترشح للانتخابات البلدية في 2015، وعندما تولى الملك سلمان الحكم فى قام بالالتزام بقرار الملك عبدالله, أى أنه ليس من اصدر القرار بالسماح للمرأة السعودية بالانتخاب والترشح فى المجالس المحلية, ووفقا لذلك قام الناخبون والناخبات باختيار ثلثي أعضاء المجالس البلدية بينما تم تعين السلطات الثلث المتبقى.

وفى الانتخابات البلدية لعام 2015, نجحت 20 مرشحة منبين 979 مرشحة فى شغل20 مقعداً فقط من مقاعد المجالس المحلية السعودية البالغ عددها 2000 مقعد, وهو ما يوحى بأن نسبة تمثيل النساء فى المجالس المحلية ضئيل للغاية, وبجانب ذلك فقد أُعتبر هذا الإصلاح أو التعديل شكلى وغير متضمن لمبادىء الديمقراطية وخصوصا بعد أن تم استبعاد اثنين من الناشطات البارزات في مجال حقوق المرأة من الترشح(وهما لجين حثلول, ونسيمة السعادة) لأسباب غير محددة.

ولكن صورية هذه الانتخابات لم تقتصر على ذلك, حيث:

  • يرى البعض أن إنجاز مشاركة المرأة السعودية في الدورة الأخيرة للانتخابات البلدية ليس بالضخامة التي صورتها به وسائل الإعلام السعودية، ويرون أن المجالس البلدية في الأساس هيم جالس بلا سلطة, ومن ثم لم تنطوى الانتخابات على أيه اصلاح جدي وحقيقي بما يساهم فى تمكين المرأة.
  • ويتعجب البعض كيف لمشاركة المرأة فى المجالس البلدية السعودية أن تمثل إصلاح حقيقى فى حين أن مشاركة الرجال ذاتها فى هذه المجالس تُعد كالعدم, إذ أن قرارات مجلس الشورى أو المجالس البلدية لا تؤثر مطلقا على عملية صنع القرار فى السعودية وإنما “يقتصر دورهم على الاستماع وتمرير ما يقدم لهم من قرارات”.
  • ويرى البعض الأخر أن إشراك المرأة فى المجالس البلدية لم يكن سوى وسيلة لتجميل صورة المملكة العربية السعوية أمام العالم وتفادى انتقاد المؤسسات الدولية الدائم لوضع المرأة السعودية وضعف مشاركتها سواء في الحياة العامة أو الحياة السياسية.

ومن ثم فمشاركة المرأة السعودية فى المجالس المحلية لم تمثل أى تمكين حقيقى للمرأة سواء من ناحية نسبة مشاركتها الضئيلة أو من ناحية انعدام أهمية وتأثير هذه المجالس فى عملية صنع القرار, وبالتالى فتمكين المرأة السعودية لن يتم إلا بإشراكها فى مجالس صنع القرار الحقيقية !!

ثالثا: السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارات:

كانت المملكة العربية السعودية الدولة الوحيدة في العالم التي لا تسمح بالمرأة بقيادة السيارة، وقد استمر هذا الوضع إلى أن أصدر الملك سلمان بن عبدالعزيز في 26 من سبتمبر 2017 أمر ملكي بالسماح للمرأة بقيادة السيارة داخل المملكة, وقد نص القرار على “اعتماد تطبيق أحكام نظام المرور ولائحتها التنفيذية – بما فيها إصدار رخص القيادة – على الذكور والإناث على حد سواء على أن يبدأ التنفيذ في 10 شوال 1439هـ وفقا لضوابط الشرعية والنظامية المعتمدة”.

ولكن هذا القرار أيضا جاء بعد ضغط الحملات التى قامت بها النساء السعوديات على فيس بوك, وهذا ما دعى البعض للاعتقاد بأن إعطاء المرأة الحق في القيادة كان مجرد خطوة استراتيجية لعبتها الحكومة السعودية, وذلك لأن منع النساء من القيادة مثل سمعة سيئة للبلد, فقد احتلت السعودية المرتبة السابعة بين أكثر دول العالم عدم المساواة بين الجنسين في العالم من خلال مقياس للبنك الدولي، وهو ما ترتب عليه أن أصبحت السعودية تتعرض لضغوط دولية لتعديل هذه القوانين المتعسفة ضد المرأة, ولم يقتصر الدافع وراء السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارات على تحسين صورتها امام العالم وإنما أيضا كان ذلك زيادة نسبة القوى العاملة من النساء مما سيفيد الاقتصاد السعودى بصور متنوعة سواء كموظفات أو اصحاب اعمال ومشاريع بعد السماح لهن بحرية الحركة وتوصيل أنفسهم لاماكن العمل أو حتى كسائقات أجرة فى الشركات المشهورة ك(أوبر) و(كريم).

وهذا يدفعنا مرة أخرى للزعم بأن هذه الإصلاحات لم تكن فعلا بدافع احترام حقوق الإنسان أو حتى تحقيق المساواة بين الجنسين, وإنما كانت نتيجة للضغط وبدافع تحسين صورة المملكة السعودية أمام العالم, هو ما يثير الشكوك حول مصداقيتها وإمكانية تطوير هذه الحقوق وتعزيزها فى المستقبل.

وخلاصة القول أن الحديث عن هذه الأمور البسيطة مثل حق المرأة فى السفر والتنقل أو المشاركة فى الانتخابات أو قيادة السيارات باعتبارها خطوات نحو تمكين المرأة هو فى حد ذاته على مدى تردى وتراجع وضع المرأة السعودية, وهذا يعنى أن المرأة السعودية لازالت مقيدة ومكبدة بأغلال العادات والأعراف والقوانين السعودية, وأنه لازالت كذلك حتى بعد الضجة الضخمة التى شهدها العالم فى الأعوام الأخيرة والتى تسعى لتحسين صورة المملكة أمام العالم والإدعاء بأنه يتم اتخاذ خطوات حقيقية فيما يتعلق بتمكين المرأة, فى حين أن المرأة السعودية لم تحقق, ولن تحقق أى تقدم وتفعيل ومشاركة حقيقية إلا بعد أن يتم إلغاء نظام الوصاية تماما, وأن يتم إشراكها فى الاجهزة الحقيقية لصنع القرار, وأن تتمتع بحرية حقيقية فى الحركة مثل الرجال دون أى ضوابط تُفرض عليها كضوابط الملبس( حيث ينبغي أن تلبس عباءة تغطيها من قمة رأسها لأخمص قدميها), وأن يسمح لها بالاختلاط بالرجال حتى تستطيع أن تروج لبرامجها الانتخابية على نفس القدر من المساواة مثل الرجل, وإصدار مراسيم وقوانين تترجم المعاهدات الدولية فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين وحقوق الإنسان إلى واقع ملموس على أرض الواقع.

المراجع :

  1. Saudi Arabia to address abuse of male guardianship system: media reports, .reuters, FEBRUARY 4, 2019, https://www.reuters.com/article/us-saudi-women-guardianship/saudi-arabia-to-address-abuse-of-male-guardianship-system-media-reports-idUSKCN1PT1GT
  2. https://arabic.sputniknews.com/arab_world/201804021031273748-ابن-سلمان-رفع-الوصاية-على-المرأة-السعودية-لن-يكون-سهلا
  3. Male Guardianship System in Saudi Arabia, freedomunited, July 16, 2016 https://www.freedomunited.org/news/male-guardianship-system-in-saudi/?gclid=EAIaIQobChMIv86Dv43q4gIVTKWaCh2TdQDTEAAYAiAAEgI2-_D_BwE
  4. https://arabic.euronews.com/2017/05/05/guardianship-system-women-saudi-arabia
  5. Saudi Arabia’s enduring male guardianship system, bbc, January 8, 2019, https://www.bbc.com/news/world-middle-east-46789875
  6. https://www.france24.com/ar/20150830-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%AF%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D8%B4%D8%AD-%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9
  7. Saudi women are going to college, running for office and changing the conservative country, the conversation, March 25, 2019, https://theconversation.com/saudi-women-are-going-to-college-running-for-office-and-changing-the-conservative-country-109938
  8. مشاركة المرأة السعودية في الانتخابات .. مساواة حقيقية أم تحسين صورة؟, bbc, 13ديسمبر2015, http://www.bbc.com/arabic/interactivity/2015/12/151213_comments_saudi_women
  9. https://www.marefa.org/%D8%AD%D9%82%D9%88%D9%82_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9
Rate this post

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى