الشرق الأوسطتحليلاتعاجل

‏قراءة في قرار محكمة الجنايات الدولية ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

بقلم : د. شاهر الشاهر – أستاذ الدراسات الدولية في جامعة صن يات سين/ الصين

  • المركز الديمقراطي العربي

 

أصدرت محكمة الجنايات الدولية في 17 مارس 2023 قراراً ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتهمة ارتكابه جرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا، حيث ركزت ادعاءات المحكمة على عملية ترحيل غير قانونية لأطفال من أوكرانيا إلى روسيا. وقالت الجنائية الدولية: “إن الجرائم ارتُكبت في أوكرانيا ابتداء من يوم 24 شباط 2022 عندما بدأت روسيا اجتياحها الشامل لأوكرانيا.”

موسكو من جهتها أنكرت دعاوى الجنائية الدولية، واصفةً مذكرة التوقيف بأنها “غير مقبولة”.

وتعقيباً على هذا القرار يمكننا القول:

  • لا معنى للقرار من الناحية العملية (القانونية)، فروسيا كانت قد وقعت على الاتفاقية الخاصة بمحكمة الجنايات الدولية في العام 2000، لكنها عادت وانسحبت منها في العام 2016، بعد أن رفض مجلس الدوما الروسي المصادقة على ميثاق روما الخاص بتأسيس هذه المحكمة.
  • المحكمة ليس لديها أدوات تنفيذية (شرطة مثلاً) لتكون قادرة على احضار الرئيس بوتين للمثول أمامها، وهناك حالات كثيرة مشابهة لذلك ولم يتم احضار أي من المتهمين.
  • وصف القرار بأنه “تافه”، لن يقلل من أهميته، كعامل ضغط “أخلاقي” على أقل تقدير من وجهة نظر الغرب. فليس من السهولة أن يكون رئيس دولة ومتهماً في الوقت ذاته بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
  • للقرار بعد سياسي يتعلق بوضع عراقيل أمام المبادرة الصينية لحل الأزمة الأوكرانية، وخاصة بعد نجاح بكين في تحقيق الاتفاق السعودي- الإيراني.
  • توقيت القرار لم يكن اعتباطياً، فقد استبق الزيارة المنتظرة للرئيس الصيني إلى موسكو، للبحث عن حل للأزمة الأوكرانية.
  • يشكل القرار تهديداً لباقي أعضاء القيادة الروسية، بمعنى يمكن أن تصدر قرارات مماثلة بحق أشخاص آخرين يتهمهم الغرب بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في أوكرانيا. أو حتى اصدار مذكرات توقيف بحقهم لإعاقة حركتهم على المستوى الدولي.
  • القرار سيقلل من عدد الدول التي يستطيع الرئيس بوتين زيارتها، حيث أن هناك أكثر من 100 دولة موقعة على ميثاق روما الأساسي المؤسس لهذه المحكمة. لكنه وبنفس الوقت لن يستطيع منع الرئيس بوتين من زيارة الدولة الحليفة والصديقة لروسيا، وخاصة الصين وكوريا الشمالية وإيران، ودول الشرق الأوسط عموماً.
  • لا يشكل القرار إدانة بحق الرئيس الروسي، بل هو مجرد اتهام بحقه، ومن حقه الدفاع عن نفسه أمام المحكمة. كما أنه من الصعب إثبات وجود دليل على تورط الرئيس بوتين وبشكل مباشر فيما نسب إليه من اتهامات.
  • هذا النوع من القرارات لا يموت بالتقادم ويبقى سارياً تطبيقه، ليكون بمثابة سيف مسلط على رقاب من يصدر بحقهم هكذا قرارات.
  • لا أحد قادر على اعتقال رئيس الاتحاد الروسي، لأن ذلك سيتسبب في حرب نووية، وبالتالي فإن الهدف من القرار سياسي أكثر منه قانوني أو جنائي.
  • سيكون القرار بداية لفتح تحقيقات دولية مماثلة في دول أخرى ربما، ولتكون تلك التحقيقات بمثابة أوراق ضغط سياسية بيد الغرب. وهذا الأسلوب كان الغرب قد أتقنه واستخدمه ضد العديد من الدول، لكنها المرة الأولى التي يوجه فيها الاتهام ضد رئيس دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن.
  • لا يزال الأوربيون والولايات المتحدة الأمريكية يتقنون استخدام قوة القانون، وتطويعه سياسياً ضد خصومهم. بينما يقابل الموضوع بشيء من السخرية والاستهزاء من قبل باقي الدول، بدلاً من العمل على المواجهة القانونية للقرار وإبطال مفعوله بالطرق القانونية.
  • كثيراً ما انتهكت الولايات المتحدة القانون الدولي وارتكبت جرائماً ضد الإنسانية، في العديد من الدول، مثل سورية والعراق وليبيا وغيرها.
  • لم يتم تحريك أية دعاوي ضد الولايات المتحدة ضد ما ارتكبته من جرائم ضد الانسانية، لقناعة الدول الضحية أنه لا جدوى من ذلك، ولصمت الدول الكبرى ضد هذه الجرائم، وهو ما يثبت كذب ونفاق هذه الدول أيضاً.
  • الأوربيون ينتهكون القانون الدولي، وبشكل واضح وصريح، كما يحدث اليوم في “منع حق اللجوء” للفارين من الحروب.
  • القرار سياسي بالدرجة الأولى، وله بعد قانوني وأخلاقي ربما.
  • يبقى الخطاب السياسي الغربي ضعيفاً وخالياً من المصداقية، ومكرساً لازدواجية المعايير التي لم تعد تنطلي على أحد.
  • من المنتظر حدوث الانتخابات البرلمانية الأوربية في العام 2024، لذا فقد بدأت الأصوات تتعالى وتقول إننا ندفع ثمناً غالية للحرب في أوكرانيا.
  • الحرب في أوكرانيا استنزفت مخازن الدول الأوربية من الأسلحة، ومن غير الممكن بالنسبة لهذه الدول الاستمرار في تقديم المزيد من السلاح.
  • شركات السلاح الأمريكية هي الرابح الأكبر من هذه الحرب، حيث ارتفعت أسهم هذه الشركات بنسبة 38٪ منذ بداية الحرب وحتى اليوم.

في المحصلة:

هذا القرار سيدفع القيادة الروسية إلى المزيد من التزمت والصلابة والاستمرار في تنفيذ عمليتهم الخاصة في أوكرانيا، فليس هناك ما يمنع روسيا حتى الآن من الاستمرار في تلك الحرب الوجودية حسب وجهة نظرهم.

ويبقى السؤال الأهم وهو: ماذا لو فشلت المبادرة الصينية لحل الأزمة في أوكرانيا؟ خاصة وأن الصين كانت قد عرضتها على القيادة الروسية وحظيت بدعمها، مما يعني الاتفاق ضمنياً بين البلدين على ما جاء في هذه المبادرة.

وهل سيعني ذلك انضمام الصين إلى روسيا في “تحالف الضرورة”، وهو ما حاولت بكين تجنبه منذ بداية الحرب وحتى الآن.

حيث حرصت على أخذ دور أقرب إلى الحياد، وهو ما حافظ على التوازن الدولي حتى الآن، ومنع حدوث الحرب العالمية الثالثة منذ البداية.

3/5 - (2 صوتين)

المركز الديمقراطى العربى

المركز الديمقراطي العربي مؤسسة مستقلة تعمل فى اطار البحث العلمى والتحليلى فى القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ويهدف بشكل اساسى الى دراسة القضايا العربية وانماط التفاعل بين الدول العربية حكومات وشعوبا ومنظمات غير حكومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى